عمر الأبوركي: كتاب أبو إياد قضايا الطفولة دعوة للتمكين الاجتماعي

عمر الأبوركي: كتاب أبو إياد قضايا الطفولة دعوة للتمكين الاجتماعي عمر الأبوركي
يتزايد الاهتمام بقضايا الطفولة في كل المجتمعات، نظرا لأهمية الطفل في الحفاظ على تطلعات المجتمعات مستقبلا، وذلك بالاهتمام بالأجيال المستقبلية كعنصر فعال في الحفاظ على المستوى الحضاري والاندماج في تنمية مستدامة تركز على الثروة البشرية والمادية لهذه المجتمعات.
وإذا كانت المجتمعات النامية تسعى الى رسم خريطة تقدمها فلا يمكنها ان تتجاوز قضايا الطفولة ومشاكلها الآنية. من هنا تأتي أهمية الدراسة العلمية في كتاب "مقدمات في قضايا الطفولة" للدكتور الأستاذ عبد الله أبو أياد الذي تناول فيه هذه الإشكالية المركبة، وهو الأستاذ الباحث المتخصص في علم النفس، والقانون الخاص وعلوم التربية، وهو الخبير في التنشيط السوسيو ثقافي، وفي شؤون الحقوق والحريات.
لقد اجتمع فيه ما تفرق في غيره، ولعل هذه التخصصات يكمل بعضها البعض، وهي الكفيلة بفهم وتفسير هذه القضايا النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهم الطفولة المغربية.
فالكتاب الذي بين أيدينا مساهمة شاملة لأهم الجوانب النفسية والقانونية والاجتماعية التي تهم الطفل المغربي كرجل الغد والتي تمكننا من ادراك من هم هؤلاء الأطفال ؟ وما هي العوامل التي دفعت بهم الى الوصول الى هذا الوضع ؟ وكيف ندركهم ونساهم على الأقل في تمكينهم من قدرات ومهارات من أجل ادماجهم في الحياة الاجتماعية؟ ولم لا الدفع بهم الى تحمل مشعل القيادة ؟.
كانت الإجابات علمية ودقيقة حول هذه التساؤلات، وإن كان عنوان الكتاب، يشير الى مقدمات وهذا اعتبره تواضعا علميا من المؤلف بحيث أن الفصول التي تشكل المتن هي إحاطة شاملة ترصد المشاكل بقراءة متعددة التخصصات، وتعطي الحلول العلمية والقانونية والواقعية للطفولة المغربية لتصل بالطفل إلى بر التنمية الصحيحة ويكون رجل الغد الذي يساهم في خدمة وتطور مجتمعه ضمن الشروط الثقافية والروحية التي تشكل هويته.
وانطلاقا من التخصص العلمي، والخبرة الميدانية يقدم لنا معطيات واقعية عن الطفولة المغربية في وضعية صعبة وهو يشخصها ويبرز العوامل المسببة لظاهرة جنوح الأحداث وقضايا الأطفال أبناء الأمهات المهاجرات خارج الوطن...
وهكذا يمكن الوقوف في الكتاب عند أهم القضايا التي تناولها في العناوين التالية:
- واقع الأطفال في وضعية صعبة ومقاربة الوضع النفسي في غياب السند الأسري والاهتمام المجتمعي، وللمتغيرات السوسيو اقتصادية و السوسيو ثقافية التي تعيشها المجتمعات حاليا.
- القدرات المطلوبة للعلاج والتأهيل والتمكين للأطفال في وضعية صعبة.
- ما هي الأسس الاجتماعية البديلة للعناية بهؤلاء الأطفال ؟
- الأسس النفسية للعناية البديلة بالأطفال في وضعية صعبة ؟
- الهجرة وانعكاساتها على الطفولة .
- ظاهرة الجنوح كأحد قضايا الطفولة في وضعية صعبة.
- الحماية الجنائية للطفل وحقوقه.
لا يقف المؤلف عند تشريح الأزمات التي تمر فيها الطفولة لتصل الى وضعية الانحراف، بل يطرح البدائل العلاجية والعناية النفسية والاجتماعية، وهو الخبير بقضايا الأسرة والطفولة:
- من أجل انتاج مناخ تربوي صحي سليم.
- كفاءات التدخل في قضايا الطفولة في وضعية صعبة.
- التمكين الرياضي وقضايا الطفولة.
- المعرفة المركبة بقضايا الطفولة.
هذه القضايا هي جامعة مانعة لهذه الظاهرة التي تعيشها كل المجتمعات في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وما يترتب عليها من تفكك للأسرة واندثار للكثير من القيم الثقافية والاجتماعية التي كانت تشكل مناعة خاصة في المجتمع المغربي .
انطلاقا من هذه الأبعاد المركبة، القانونية ،والنفسية، والاجتماعية لقضية الطفولة ولوضعيتها داخل المجتمع المغربي، يطرح المؤلف اشكالية هامة تتجلى في معضلة التنشئة الاجتماعية التي تتجاوز مفهوم التربية الذي يوحي بوجود علاقة بيداغوجية منظمة، أو غير منظمة مما يفترض مسبقا وجود نية التعلم في الممارسة التربوية، واقصاء عمليات التعلم والاكتساب الأخرى الغير منظمة او غير المرئية على الرغم من ان لها الدور الكبير في تحول التطبع الفردي.
أما مفهوم التنشئة الاجتماعية فيركز على ما يتعلمه الأطفال كأفراد فاعلين في المجتمع بطريقة أو بأخرى من أجل اشباع الطموحات والحاجيات الثانوية والاندماج في بعض الشبكات الاجتماعية، فالتنشئة الاجتماعية قائمة على التركيب بين التعلم الفردي والنظام الاجتماعي.
وتساهم التنشئة الاجتماعية بوظائفها وآثارها المفترضة تساهم في ادماج المولودين الجدد او الأطفال في المجتمع الذي يستقبلهم، وأن الفكرة التي تقول بأن كل فرد عليه أن يستبطن قواعد وقيم المجتمع ليستطيع القيام بأدواره كاملة، لا تفترض تعلما واحدا بل تنوع أشكال هذا التعلم وتعدد المؤسسات الاجتماعية في مجتمع مركب يتميز بالاختلاف وباعتباره مجتمع عضوي يعيد انتاج تقسيم العمل وانظمة الأدوار المتكاملة.
فاذا حاولنا تشبيه مجتمع ما بأوركسترا موسيقية لا يمكن أن تقدم معزوفة منسجمة إلا اذا قام كل عازف بدوره، وشعر كل فرد بقيمته الاجتماعية بفضل استبطان للقيم و التصورات، وهي العملية التي يكتسب بها الطفل/الفرد ما يجب تعلمه لكي يصبح من أهالي المجتمع.
ومن خلال فصول الكتاب نجد تحليلا وتشريحا لأزمة المؤسسات الاجتماعية من الأسرة الى المدرسة الى المرافق الادارية التي ساهمت في بلورة ظاهرة الجنوح ،وأطفال في وضعية صعبة، وتشخيصا للحلول عبر نظرة نقدية للمؤسسات التي عليها مسؤولية التكفل بالفرد/الضحية وبالتالي تحدد بقوانينها وتنشئتها كيف سيكون عليه المجتمع المغربي مستقبلا.
إن الكائن البشري لا يمكن أن يعيش خارج إطار التفاعل مع باقي الأفراد، ومن خلال طريقة معينة للوجود الجماعي والوجود في العالم، وهنا لابد من التنشئة الاجتماعية التي هي التعلم المطابق لهذه الطريقة. هذا النظام الاجتماعي يتم بناؤه على الأسر، والجماعات، والهيئات الحزبية والسياسية، والحركات الاجتماعية، والدولة، والمجتمع المدني .
ويبقى السؤال دائما معلقا حول معرفة الكيفية التي يتعلم بها البعض التواصل وبناء روابط اجتماعية وايجاد مكانة وهوية في حين يتعذر هذا على البعض الآخر ؟ أو بلغة المؤلف الغربة الوجودية عن العالم الاجتماعي ؟
لقد فرض مفهوم الرأسمال الثقافي في اعمال بيير بورديو كفرضية ضرورية للإلمام بانعدام المساواة بين الأطفال المنحدرين من فئات اجتماعية مختلفة، وذلك بربط النجاح المدرسي بتوزيع الرأسمال الثقافي بين الطبقات والفئات الاجتماعية. كما يقدم لنا مفهوم التطبع كقاعدة مكونة لكل تمثلاتنا و تصوراتنا، واذا كنا نبني العائلة من خلال تمثلاتنا فان هذا لا يتم بكل حرية وبكل وعي.
لقد جاءت الدراسة العلمية لقضايا الطفولة مقاربة تستند على القراءة المتعددة، ولا تقف عند نظرية واحدة تسعى الى البحث في الوقائع لخدمتها، بل هي رصد لواقع الطفولة المغربية بكل آلامها وآمالها، ولا يقف المؤلف عند ويل للطفولة في وضعية صعبة، بل يتجاوز تشخيص العلة الى توصيف العلاج، والدعوة الى تحصين الطفولة بعين الخبير المتمرس، والعالم الباحث.
تجدر الإشارة الى أن عبد الله أبو أياد الأستاذ بالمعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة يقارب في مؤلفه "مقدمات في قضايا الطفولة"، محاور تتعلق بالخصوص بواقع الأطفال وأصحاب الصعوبات وصغار السن في الوضعيات الصعبة على ضوء العوامل المسببة، والقدرات المطلوبة للعلاج والتمكين و قضايا الأطفال أبناء الأمهات المهاجرات خارج الوطن.
 
عمر الأبوركي، أستاذ علم الاجتماع والانتروبولوجيا بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة