الملاحظة الأولى: البريكس مجموعة اقتصادية بالدرجة الأولى وتحذوها رغبة في تشكيل خيار موازٍ وليس خيار بديل عن النظام المالي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة الدولار ومؤسسات بروتون وودز.
الملاحظة الثانية: مجموعة البريكس تنهج سياسة توسع تقوم على رؤية جيوسياسية تنسجم مع الواقعية والبراغماتية السياسية من خلال التموقع في صلب الحلول الدبلوماسية الإقليمية لتصبح كيان اجتماع ولقاء عوض أن تكون كيان تقسيم وانفصال.
الملاحظة الثالثة: مجموعة البريكس ليست منتدى للاستقواء إقليميا أو لإشباع حاجة بعض الدول إلى وصاية مكتوبة في جيناتها (نتذكر طلب الحماية الذي تقدم به رئيس الجزائر إلى بوتين خلال اجتماعهما بموسكو). البريكس يضع لبنات عالم متعدد الاقطاب لا مكان فيه للمستقويين أو للمستجديين، يقدم فرصا للاستثمار في البنى التحتية وللتجارة والتنمية بدون شروط مسيسة.
التحليل: تريد مجموعة البريكس الدفع بقوة نحو إصلاح عميق للمؤسسات الدولية دون استبدالها. فالبريكس لا تنظر لنفسها خارج منظومة الأمم المتحدة أو زعيمة نظام اقتصادي مستقل عن مؤسسات بروتون وودز و منظمة التجارة العالمية. في المقابل، فهي تسعى لوضع أنماط جديدة لصناعة القرار داخل هذه المنظومة أكثر ديمقراطية ولتجارة دولية تحتل فيها العملات الوطنية ومرجعية الذهب مكانة مهمة ليس ضد الدولار كعملة احتياط دولية، ولكن ضد الدولار كعملة-سلاح مسيسة في خدمة مصالح أمريكا.
ننتقل إلى الاستنتاجات الثلاثة:
الاستنتاج الأول: قبول عضوية الدول الستة (الأرجنتين، مصر، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، إيران وإثيوبيا) يؤكد فرضية التوجه نحو عضوية متوازنة بحكم أن كل هذه الدول باستثناء إيران تدخل ضمن نطاق مخططات النفوذ الأمريكية، بل وتربطهما بالولايات المتحدة الامريكية درجة معينة من الحوار الاستراتيجي والتعاون الاقتصادي.
الاستنتاج الثاني:مجموعة البريكس لا يشكل نادٍ للممناعة ورفع الشعارات الدوغمائية، ولو كان الأمر كذلك لقُبلت عضوية كوبا وفنزويلا وبوليفيا والجزائر. وفي نفس الوقت، البريكس ليس تجمع عشائري أو نادٍ للمحاباة، وهذا ما يفسر رفض طلب بيلاروسيا وكازاخستان.
الاستنتاج الثالث: يتضح من خلال أسماء الدول المقبول عضويتها أن المعيار الاقتصادي لم يكن حاسما في تحديد لائحة الأعضاء الجدد. فمثلا إثيوبيا تعتمد في اقتصادها على إنتاج البن والذهب بنسبة 50%، أما دول مثل مصر والأرجنتين فهي تحمل على عاتقها مديونية ضخمة وتتبع برامج صندوق النقد الدولي في سياساتها المالية والنقدية.
بالرغم من طابعه الاقتصادي، فإن معيار التوسع الذي حظي بإجماع البريكس هو معيار جيوسياسي بالأساس، ويتمثل في قبول عضوية دول تعرف صراعات ونزاعات فيما بينها لكنها شرعت في دينامية للمصالحة أو مسار للتفاوض. و هو ما يُفترض أن يطبع البريكس بانطباع إيجابي كصانع أو ضامن لحلول دبلوماسية إقليمية مُستدامة سواء بين مصر وإثيوبيا فيما يخص المفاوضات حول سد النهضة، أو بين المملكة العربية السعودية وإيران وبين هذه الأخيرة والإمارات العربية المتحدة، وحتى بين البرازيل والأرجنتين.
فهل يمكن إرجاع سبب رفض طلب عضوية الجزائر إلى سياسة العداء المنهجي والمركب تجاه المغرب مما كان سيضر بالسمعة التي يريد البريكس تشييدها كإطار لتثبيت المصالحات الإقليمية؟
رضا الفلاح؛ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ابن زهر-أكادير