في حواره مع "أنفاس بريس"، يفكّك الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، تمفصلات العلاقات المركبة بين البوليساريو والجزائر من جهة، وبين البوليساريو والتنظيمات الإرهابية من جهة ثانية، والتي تجعل من طرد البوليساريو من الاتحاد الافريقي مسألة وقت، خاصة أنها مسنودة بحجج واقعية وقانونية مؤسساتية:
كل المؤشرات تفضي إلى أنه حان الوقت بالنسبة للمغرب لطرد البوليساريو من "الاتحاد الإفريقي".. كيف تقرأ ذلك؟
لابدّ من قراءة ما يجري في إطار استراتيجي يخص غرب القارة الافريقية التي تعرف حاليا نشاطات إرهابية في الحدود ما بين بوركينافاصو ومالي، فضلا عن تطورات النشاط الإرهابي للدولة الإسلامية "داعش" في المنطقة.
اليوم التقارير الاستخباراتية والدولية تؤكد أن هناك علاقة ما بين جبهة البوليساريو وتنظيم الدولة في الصّحراء الكبرى، مما يشير إلى أن المنطقة مقبلة على تطوّرات خطيرة وكبيرة قد تؤدي إلى العصف باستقرار منطقة شمال القارة الافريقية، خاصة مع التطورات التي تعرفها الحرب في ليبيا، وخاصة مناطق الجنوب، أضف إلى ذلك انتشار الأسلحة وتحركات التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة. كل ذلك يعكس شيئا واحدا، ألا وهو أن عناصر البوليساريو صارت قوى محدثة للفوضى. بل إن ذلك يوضح أن الجزائر أصبحت تباشر حربا بالوكالة من خلال توظيف تنظيمات إرهابية وانفصالية كالبوليساريو لمعاكسة مصالح المغرب ووحدته الترتبية، عبر خلق فراغ جيواستراتيجي داعم لهذا الكيان الوهمي.
على هذا الأساس، يتعين على المنتظم الدولي أن يفكر بشكل عقلاني، لوضع سياسة واقعية تذهب بعيدا في محاربة القوى الانفصالية، خاصة أن القارة الأفريقية تحضن الآن أكثر من 17 حركة انفصالية لها علاقة بتنظيمات إرهابية كحركة 1.23 في الكونغو، وتنظيم حركات المسلمين التي لها علاقة بتنظيم البوليساريو، ناهيك عن الدور الإيراني في المنطقة ووجود تنظيمات مسلحة لها ارتباط بحزب الله. وهذا ما تزكيه تقارير أمريكية وغربية حول المنطقة، إلى درجة أن بعض هذه التنظيمات، وعلى رأسها البوليساريو، باتت تسعى إلى امتلاك طائرات بدون طيار.
كلّ هذا صار يلقي بظلاله على الأمن الإقليمي في المنطقة، مما يفرض التعجيل بتفكيك مثل هاته التنظيمات الانفصالية التي لها علاقة بالإرهاب، وإنهاء وجودها في منطقة شمال وغرب أفريقيا والساحل وجنوب الصحراء.
إن البوليساريو، باعتراف حتى بعض عناصرها التي ارتمت في حضن الإرهاب، صارت تهدد الأمن والاستقرار ليس في منطقة غرب أفريقيا، بل في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، بل إن وجود البوليساريو الآن صار يهدد الأمن الأفريقي عامة، كما أن محاولات الجزائر المتواصلة لتزكية هذا الكيان على مستوى الاتحاد الأفريقي صارت خطيرة على المنطقة. وهذا ما تؤكده شكاوى السلطات المالية، غير ما مرة، من السلطات الجزائرية تحاول اختراق مؤسساتها العسكرية عبر تنظيمات انفصالية كالحركة الانفصالية في شمال مالي وغير ذلك.
لقد أصبحت كل هذه التطورات محط أنظار المنتظم الدولي، خاصة مع ظهور حركة تمرد جنوب الجزائر "تمرّاست"، وهي حركة تنادي بالاستقلال عن الدولة الجزائرية. مما يعني أن سقف المخاطر يتنامى ويرتفع، وبات القضاء على البوليساريو أمرا لا محيد عنه، ما دام وجودها يشكل خطرا كبيرا على المنطقة، بسبب علاقتها المؤكدة بالتنظيمات الإرهابية وتجار السلاح ومافيات الاتجار في البشر والمخدرات.
وفي المحصلة، إن هذه التطورات تؤكد بوضوح أن طرد البوليساريو أًصبح مسألة وقت، ما دام وجودها داخل الاتحاد الافريقي يعبر عن أن الاتحاد مؤسسة مشلولة وغير قادرة على التطور، على اعتبار أن بعض الأطراف، خاصة الجزائر، قدمت ومازالت تقدم تفويضا عسكريا وأمنيا للبوليساريو من أجل ضرب المصالح الاستراتيجية للمغرب.
إن قرار مجلس الأمن 46.54 الذي أكد على أهمية مقترح الحكم الذاتي المغربي، وأهمية الموائد المستديرة كإطار واقعي لحل نزاع الصحراء، ينص على أن الجزائر طرف مهم في هذا النزاع، وأنه طرف في أي استراتيجية لتحييد البوليساريو من المنطقة.
ومع التّطورات التي عرفتها القارة الافريقية، وعودة الديبلوماسية المغربية بشكل كبير، والرؤية الحكيمة لجلالة الملك في التعاطي مع المشاكل الأمنية والإفريقية، خاصة على مستوى العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، أعتقد أن طرد البوليساريو صار مسألة وقت، وأن جميع الظروف ناضجة على المستوى السياسي والمؤسساتي داخل الاتحاد الإفريقي تشير إلى ذلك، خاصة مع تنامي الادراك والشعور بأهمية تحييد وتنظيف القارة الافريقية من الحركات الانفصالية والمحدثة للفوضى داخلها.
إن طرد البوليساريو سيكون لا محالة بداية لتحرير القارة الافريقية من صراعات وبقايا الاستعمار الذي عاشته القارة الافريقية.
نجح المغرب في الرفع من عدد الدول الأفريقية المؤيدة لطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي (30 دولة). ما المطلوب فعله لتحويل هذا المطلب إلى واقع؟ وما هي المداخل التي سيعمل عليها المغرب؟
أعتقد أن التطورات التي عاشها الاتحاد الإفريقي، وعودة المغرب لهذا الإطار، شكّل ضربة قوية لخصوم الوحدة الترابية، حيث ما فتئ المغرب ينادي باندماج القارة الافريقية وتنميتها كشرط أساس لمحاربة جميع أسباب اللااستقرار والهشاشة التي تعيشها القارة الافريقية، مما جعله دولة محورية في مجموعة من المعادلات الأمنية والتنموية داخل القارة، حيث أن جلالة الملك أكد غير ما مرة على أهمية التنمية داخل القارة، وفي تطور النظام الدولي، وبذلك، صار المغرب معادلة مهمة في الاستثمارات داخل القارة الأفريقية، وأول دولة مستثمرة في دول غرب أفريقيا، وثاني دولة مستثمرة في أفريقيا. كما أن العلاقات المتعدّدة الأطراف مع المنتظم الدولي جعلت المغرب رائدا في جلب الاستثمارات والتحسيس بأهمية الأمن والاستقرار داخل أفريقيا، خاصة مع المؤتمرات الدولية التي انعقدت بالمملكة المغربية. ذلك أن المغرب يترأس، بمعية الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والنيجر، مجموعة تركيز لمحاربة داعش، بينما على مستوى وزراء الخارجية، هناك "الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة داعش" الذي احتضنته مدينة مراكش، وشاركت فيه الولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن 60 دولة. وقد أكد الاجتماعان أن الانفصال والإرهاب وجهان لعملة واحدة. وهذا ما بات يدركه عدد من القوى الحيّة والقيادات السّياسية داخل القارة الإفريقية، مما يتيح أمام المغرب فرصة المطالبة بتصحيح هذا الوضع داخل الاتحاد الأفريقي، وطرد البوليساريو التي لا تملك صفة دولة ولا صفة شعب، علما أن المغرب بسياسته الواقعية حول المناطق الجنوبية إلى فضاءات ذات أهمية جيوسياسية، خاصة مع الاستثمارات الضخمة التي قام بها في ظل النموذج التنموي الجديد، وذلك بضخ أكثر من 80 مليار درهم، فضلا عن إحداث الميناء الأطلسي بمدينة الداخلة الذي سيشكل صلة وصل ما بين دول غرب أوروبا ودول افريقيا.
أما على المستوى القانوني والمؤسساتي، فإن المادة 32 من ميثاق الإتحاد الأفريقي ينص على أنه بإمكان طرد كيانات من الاتحاد بمجرد حشد أصوات ثلثي الدول الأعضاء داخل الاتحاد، وهذا ما ينطبق على البوليساريو التي لا تمتلك أي مقومات دولة، فهي كيان تابع للجزائر.
إضافة إلى ذلك، على المغرب استثمار ندوة رؤساء دول الإتحاد الأفريقي التي تعتبر قراراتها ذات طابع تنفيذي، من أجل طرد هذا الكيان الوهمي.
إن الطريق معبّدة الآن في ظل التطورات التي تعيشها القارة الأفريقية، وكذلك في ظل امتلاك القارة الافريقية لوعي جديد. وهذا ما أكده "الكتاب الأبيض" لوزراء القارة الأفريقية الذي انعقد مؤخرا بطنجة ومراكش، حيث أكد أكد الوزراء على أهمية تحييد هذا الكيان الوهمي وطرده من الاتحاد الإفريقي.
من الواضح، إذن، أن مسألة طرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الافريقي ليست مستحيلة، لكنها مع ذلك تتطلب إجراءات دقيقة. كيف يمكن كسب الرهان؟
لابد من الإقرار أن طرد البوليساريو ينطلق من مجموعة من المحطات، حيث صادق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الافريقي على إعلان طنجة بشأن تعزيز الارتباط بالسلم والأمن في أفريقيا في 27 يناير 2023. كما أنه لا بد من الإشارة إلى المؤتمر السياسي للاتحاد بشأن تعزيز الارتباط بين السلم والأمن والتنمية في افريقيا بمدينة طنجة في أفريقيا يوم 27 أكتوبر 2022، والذي توج بمجموعة من القرارات ذات الصلة بالحركات الانفصالية داخل الاتحاد الإفريقي والتداعيات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية ما بين دول الاتحاد الافريقي على مستوى وجود هاته الكيانات غير الحكومية داخل الاتحاد. وبالتالي فإن اجتماع 8.83 داخل الاتحاد الافريقي أكد على أهمية شجب هذه الكيانات غير الحكومية وغير الدولتية.
أيضا، لا بدّ من الإقرار بأن هناك دينامية قارية ودولية تسودها البراغماتية تجاه ملف الصحراء المغربية. وهو ما لاحظناه بخصوص مجموعة من قرارات مجلس الأمن، ومجموعة من مواقف الدول الافريقية، وذلك بإقدامها على افتتاح عدد من القنصليات بمدينة العيون والداخلة، واعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء الذي يعتبر أمرا مهما جدّا، ومرحلة هامة في تاريخ هذا الملف.
ولابد، إضافة إلى ذلك، من التأكيد على أن الديبلوماسية المغربية، في إطار التفاعل مع الرؤية الملكية، والعمل الذي يقوم به الملك مع ترتيب مجموعة من الأمور في هذا الملف الاستراتيجي، بدأت تنسج علاقات براغماتية عبر توظيف المداخل الديبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والدينية، وحتى المقاربة الإنسانية في مجموعة من مؤسسات الاتحاد الإفريقي كالبرلمان الإفريقي والمفوضية الإفريقية.
إلى جانب ذلك، لا بد من التأكيد على أن بقاء هذا الكيان غير الحكومي يتعارض مع مبادئ الاتحاد الإفريقي وقانونه التأسيسي، خاصة المادتين 3 و4، لأن العناصر القانونية لعضوية أي دولة داخل الاتحاد، هي: الإقليم والسكان والسلطة السياسية المنظمة، وهو ما لا يتوفر لدى البوليساريو التي تفتقر إلى رقعة جغرافية، بل هي موجودة فوق الأراضي الجزائرية.
وتبعا لذلك، أعتقد أن البوليساريو كيان خارج القانون، وبالتالي فما جاء في الكتاب الأبيض، الذي سطره عدد من وزراء دول الاتحاد الافريقي عندما أكدوا على أن هناك تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية ومؤسسية ناتجة عن وجود هذا الكيان في الاتحاد الافريقي، يؤكد على أن طرد البوليساريو من الاتحاد الافريقي مسألة وقت، خاصة بعد توالي الاعترافات بمغربية الصحراء.
إلى جانب العمل الديبلوماسي الكبير الذي ينتهجه المغرب لمعالجة هذا الملف، ما الذي يتعين على الفاعلين الآخرين والهيئات الأكاديمية والحقوقية والمدنية ونحوها فعله من أجل الوصول إلى طرد البوليساريو؟
على المستوى العلمي والمعرفي والأكاديمي، هناك عمل كبير أنجز وتحقّق تقوم به جامعات مغربية وخبراء على مستوى الدبلوماسية الموازية، فضلا عن تحرك المجتمع المدني في عدد من المنظمات، كما أن هناك حضورا وازنا للمغرب في هيئات حزبية ومدنية.
اليوم بات لزاما بلورة استراتيجية جديدة في ظل ما يعيشه العالم جراء الحرب الرّوسية الأوكرانية، وما يقبل عليه العالم من تحولات تستلزم التوقف لوضع استراتيجيات تنسجم مع الواقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي دوليا، على اعتبار أن البوليساريو هو، في العمق، مشكل جيوسياسي بين المغرب والجزائر.
ولهذا، أعتقد أن المجتمع المدني والحقوقيين والباحثين والأكاديميين والأساتذة الجامعيين لهم دور كبير في الترافع عن القضية الوطنية والمصلحة الإفريقية، ذلك أن مدخل الإندماج الافريقي والتكامل الافريقي يمر عبر دحض جميع الكيانات غير الحكومية التي تهدّد الأمن والاستقرار داخل القارة الإفريقية.
وبالتالي، أؤكد على أهمية الدور الذي تلعبه الديبلوماسية الموازية والجامعات المغربية ومراكز البحوث في التعريف بالقضية الوطنية وأبعادها الاستراتيجية وأبعادها، وكذا في إبراز تداعيات وجود كيان غير حكومي داخل الإتحاد الافريقي على المستويات السياسية والمؤسسي والعسكرية والأمنية، خاصة وأن القارة الافريقية صارت مركز ثقل إرهابية من خليج غينيا والحدود بين مالي وبوركينافاصو إلى شمال الموزمبيق.
إن المجتمع العلمي والمعرفي مطالب اليوم بالتكيف مع هذا الوضع لمحاولة نسج علاقات مع منظمات وهيئات دولية في إطار معرفي وعلمي، والترافع حول القضية، بالكشف عن مخاطر وجود هذا الكيان الذي يضرب في العمق مصداقية الاتحاد الافريقي كمؤسسة، مما يعني أنه حان الوقت لتصحيح هاته الأخطاء على ضوء التحديات الأمنية والجيوسياسية والجيوأمنية والجيواستراتيجية.