ندوة جهوية في كلميم تقارب "الفنّ والنّقوش الصخرية بالجنوب المغربي"..هذه توصياتها

ندوة جهوية في كلميم تقارب "الفنّ والنّقوش الصخرية بالجنوب المغربي"..هذه توصياتها جانب من أشغال الندوة جهوية
أوصى مشاركون في ندوة جهوية بكلميم واد نون في  موضوع "الفن والنقوش الصخرية بالجنوب المغربي في خدمة التنمية" بضرورة مقاربة موضوع النقوش الصخرية من أبعاد مختلفة، منها الجغرافية والتاريخية، والأركيولوجية، والإقتصادية التنموية ، والسياسية، والقانونية والسوسيولوجية ، مع الحرص على تتمين الإرث الهوياتي لها، وتعزيز  الوعي بأهمية هذه النقوش".
 وطالبوا في ختام ندوتهم الجهوية وزياراتهم الميدانية لمواقع النقوش الصخرية بالجنوب المغربي بـ"إدماج النقوش الصخرية في مكون التاريخ في التعليم، مع العمل على التحسيس والتوعية بأهميتها، وبلورة مخطط لحماية واستثمار ثقافتها محليا  ، وفق خريطة تروج لمواقع النقوش الصخرية، لا ينفك الترافع لأجل إقرار يوم وطني لها".
 ودعوا لـ"إقامة ندوات للمغاربة المهاجرين والمقيمين بديار المهجر قصد التعرف على غنى وتنوع المجال المغربي عن قرب، وفي الآن نفسه إقامة مدارات سياحية خاصة بمجالات تواجد النقوش الصخرية، مع حصر الموضوع الخاص بالبحث الأثري للنقوش الصخرية".
وسجل المشاركون تفاوت مستوى تدهور النقوش الصخرية للمواقع، على خلفية  عوامل طبيعية (التعرية والتجوية) وعوامل بشرية تتمثل في تدخلات الانسان في المجال (استعمال الاحجار في البناء والبحت عن الكنوز وتهريب النقوش الصخرية وشق الطرق وبناء القناطر ووجود مقالع.
 وشدد المشاركون على أنه يتعين رد الإعتبار لمواقع النقوش الصخرية بالجنوب المغربي من خلال إقامة علامات التشوير وتسييج الموقع وحمايته بإنشاء محافظات جديدة للحماية القانونية ونشر التوعية والتحسيس من خلال شهر التراث، وعبر البرامج التراثية، ومعارض المخازن الجماعية التي تبقى الضرورة الملحة في التنسيق مع مختلف الشركاء للإعتناء بهذا الموروث ورد الإعتبار لهذا المكون والتراث الفني الذي يميز جهة كلميم واد نون.
 وتشكل الندوة والزيارة الميدانية، وفق إفادات المنظمين،  مناسبة من أجل تسليط الضوء على الفن والنقوش الصخرية باعتبارها من مكونات الهوية الوطنية، وإبراز مختلف مظاهر وتجليات التراث بالجنوب المغربي من خلال النقوش الصخرية، واقتراح سبل تثمينها والمحافظة عليها واستثمارها كمورد أساسي في التنمية المحلية المستدامة بالجنوب المغربي، فضلا عن المحافظة على هذا الإرث الأركيولوجي وتعزيز مكانتها كموروث حضاري إلى جانب المعالم التاريخية الوطنية الأخرى التي تبين إبداعية وجمالية الإنسان وتفاعله مع محيطه.
   وقارب النقاش العلمي الأكاديمي، الذي حضرته فعاليات مدنية وفكرية وجمعوية وحقوقية، حول الفن والنقوش الصخرية بالجنوب المغربي عددا ن القضايا ذات  الصلة أطرها كل من مصطفى العفاني، وهو رئيس جمعية موكادير للتنمية والتضامن، وعبد الحكيم بن عاشور، وهو أستاذ باحث مختبر (ESEAD) كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، أيت ملول، و جمال البوقعة الباحث في الأثار والتراث مكلف بالأبحاث والتواصل بالمتنزه الوطني للنقوش الصخري، إلى جانب رشيد صديق، الباحث في التاريخ والتراتث، وعبد الهادي فك، وهو أستاذ التعليم العالي وباحث متخصص في أركيولوجيا الفن الصخري، ونور الدين ازديدات، مفتش المباني التاريخية والمواقع بالمديرية الجهوية للثقافة بجهة كلميم واد نون.
 وخلال أشغال الندوة، أثنى رئيس جمعية موكادير للتنمية والتضامن في مداخلته على تنوع وغنى التراث الثقافي في الجنوب المغربي وأن هذا التنوع والتمايز يؤكد عراقة وإبداعية وجمالية الإنسان وتفاعله مع محيطه، مشيرا للمكانة والأهمية الكبرى للمواقع التي توجد بها النقوش الصخرية باعتباره مورد مساهم بالأساس في خلق التنمية، مؤكدا في الاتجاه نفسه على أن الفن الصخري بمجال كلميم واد نون والجنوب المغربي بالخصوص يعاني من تحديات طبيعية وبشرية.
أما جمال البقعة، الباحث في الآثار والتراث المكلف بالأبحاث والتواصل بالمتنزه الوطني للنقوش الصخرية، فقد قارب الموضوع من زاوية "مواقع الفن الصخري بالجنوب المغربي، بين الفني الأركيولوجي والاهتمام العلمي وسبل المحافظة والتثمين"، حيث بسط عنصرين أساسيين هما الغنى الأركيولوجي، الأول: العلمي للفن الصخري بالجنوب المغربي، والثاني: سبل الحماية والتثمين الذي تعرفه هده المواقع. 
 وأشار الباحث البقعة إلى أن الفن الصخري ينقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بنقوش صخرية وقسم يتعلق بالرسوم الصباغية على اعتبار هذه النقوش الصخرية مكون ومورد ترابي يساهم في التنمية والجانب الإقتصادي للمجال، مقدما خريطة التوزيع المجالي لمواقع تواجد النقوش الصخرية، بحيث تم إحصاء ما يزيد عن 600 موقع من طرف المتنزه الوطني للنقوش الصخرية.  وهو رقم كبير يعود إلى البيئة المناسبة والملائمة لعيش هذه الحيوانات الضخمة والكبيرة بحكم المناخ السائد في تلك المرحلة من مراحل الزمن الجيولوجي. 
 وبين المتحدث أن "كل موقع يمر ويخضع من مجموعة من المراحل المتعددة في دراسته وتصنيفه (المرحلة الإسلامية، الأمازيغية...)  وأن هذا التواجد واإاختلاف في هذده النقوش عبر مختلف المراحل من بين دلائل لتطور الإنسان واختراع الآليات والمواصلات. كما يعد مظهرا من مظاهر اختراع آلية التواصل اللغة الجديدة والمكتوبة (اللغة الأمازيغية). أما من حيث الإهتمام العلمي فتميز أساسا مع الباحثين والدين ينتمون الي الفترة الإستعمارية، حيث كانت الغايات مختلفة مقارنة مع من تعلقوا بالآثار وتركوا بصمات خالدة، غير أنه بعد سنة 2011 وقع تحول كبير في مسار الإهتمام العلمي المغربي تجاه هذا الفن الصخري، بحيث تم تأسيس المتنزه الوطني للنقوش الصخرية، وإقامة مجموعة من البرامج التي تساهم في التعريف بهذا التراث من قبيل "برنامج أطلس التراث الثقافي للأقاليم الجنوبية"، و"برنامج المشاهد المنقوشة " و"برنامج Paysage Graves "، و"برنامج وادي تمنارت"، وغيرهما.. وهذا راجع إلى مجموعة من الباحثين من قبيل المغربي عبد الخالق المجيدري الذي ساهم بشكل كبير في دراسة الفن الصخري بالجنوب المغربي.
 أما ما يتصل بالشق الثاني المرتبط بسبل الحماية والتثمين، التي تتميز أساسا في إنجاز كذلك مجموعة من المشاريع من قبيل "إقامة دار التراث الثقافية ببوطروش "، و"إنشاء محافظة الرسوم الصباغية المسيد"، و"إنشاء محافظة النقوش الصخرية الزرزم". وهي كلها مشاريع تم إنشائها بتراب جهة كلميم واد نون وكان الهدف منها هو تجميع هذا التراث وحمايته وتقديمه للزوار في فظاء يتلاءم مع خصوصيات المجال. 
    
أما مداخلة نور الدين ازديدات، مفتش المباني التاريخية والمواقع بالمديرية الجهوية للثقافة بجهة كلميم واد نون، في موضوع "جهود المحافظة الجهوية للترات الثقافي في حماية التراث الصخري بجهة كلميم واد نون"، فقد قدم المفتش بعض النماذج من تدخلات المحافظة الجهوية للتراث الثقافي بجهة كلميم واد نون من جرد وتوثيق ودراسة وحماية وتتمين للمورد الفن الصخري بالجهة رغم قلة الإمكانيات والموارد البشرية، إذ تم العمل على المحافظة على إنجاز قاعدة معطيات عامة تهم مواقع النقوش الصخرية وتصنيف موضوعاتها وتأهيلها وتثمينها ونشرها على شكر منشورات المحافظة الجهوية للثقافة بجهة كلميم واد نون.
  وأوضح المفتش ازديدات إلى أن انفتاح مجال الجنوب المغربي على البعثات الأجنبية والمغربية التي تهم التراث والبحث حول الفن الصخري بشكل عام مثل البعثة الاسبانية 1994، تؤكد أن المجال الجنوبي المغربي غني بالعديد من بقايا العصر الحجري وفترات التاريخية القديمة، وهو ما يعكس وجود بقايا ثقافات ما قبل التاريخ".
 وأبرز المتحدث مراحل توثيق مواقع الفن الصخري، التي تعتمد منهجية دقيقة وعلمية من خلال توثيق كل موقع حسب طبيعة الموضوع أو توثيق الموقع ككل، وهو ما أفضى إلى توثيق مميز وتحريات ميدانية عكسته نتائجها المحققة.
 
أما الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي عبد الهادي فك، المتخصص في أركيولوجيا الفن الصخري، فقد قارب مداخلته من خلال موضوع "'الكتابات الأمازيغية القديمة بالمغرب من خلال معطيات الفن الصخري: حصيلة وآفاق"، حيث أكد على أن لهذا الموقع الإستراتيجي الفريد دور مهم في المسار الحضاري لشمال إفريقيا الشيء الذي سينعكس على تواجد المعالم الأثرية المختلفة في ربوع المملكة".
 وبسط المختص في أركيولوجيا الفن الصخري بالمغرب التراث الاثري بالمغرب القديم وبقايا ثقافات ما قبل التاريخ باعتبارها بقايا مادية ملموسة، فالمصادر التاريخية تؤكد وفق إفاداته، وبحسب الإحصائيات الأخيرة، أن  831 موقعا للفن الصخري على المستوى الوطني يرجع الأول منها إلى سنة 1876 التي تعد أول سنة تمت الإشارة إلى الفن الصخري بالمغرب، فيما آخر تحديث هو شهر أبريل 2022 ، حيث  تم تقسيم هذه المواقع الي وجود 66 موقعا للكتابات و10مواقع للكتابات الأمازيغية القديمة، وأخرى مرسومة بالصباغة. 
 على مستوى آخر، قارب رشيد صديق، وهو باحث في التاريخ والتراث، "الفن الصخري بالجنوب المغربي مدخل لكتابة التاريخ والتراث القديم بشمال إفريقيا"، حيث أفاد أن مجمل الدراسات التي أنجزت حول شمال إفريقيا وحول الجنوب المغربي فيما يتعلق بالفن الصخري تعتبر حلقته الأولى ومصدرا من المصادر التي سينطلق من الباحث لكتابة التاريخ. 
 وأشار الباحث صديق إلى أن "الفن الصخري هو ذلك المكون الهوياتي بالنظر لكونه وثيقة صامتة غير مقروءة يجب استنطاقها. وهو ما يستلزم بالضرورة على المهتمين والباحثين في مجال التراث، البحث والتنقيب في الخزانات الوطنية والأجنبية على المعلومة الصحيحة والدقيقة".
وسار المتحدث إلى أن "الفن الصخري هو تراث ثقافي بأبعاد إنسانية مشتركة حيت أعطى مثال المغرب الذي اكتشف فيه موقع أقدم إنسان عاقل في العالم بجبل إيغود (اليوسفية) الشيء الذي سينعكس على اقتصاد المجال والمجتمع".
 بدوره، قال عبد الحكيم بن عاشور، وهو أستاذ باحث مختبر (ESEAD) بكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، أيت ملول، في مداخلته الموسومة بعنوان : ''التراث والتنمية الترابية"، أن موضوع التراث موضوع متعدد التخصصات كل له زاوية نظره إليها من الجغرافي و الأنتروبولوجي و الأركيولوجي و السوسيولوجي.
 وأعتبر الباحث بن عاشور أن "الإدماج القوي لتراث يسمح للمجالات الترابية بالانخراط في مسلسل الخصوصية الإستدامة لتقوية التنافسية للمجالات والقدرة على الصمود ومواجهة إكراهات الواقع الجديدة من قبيل الانفتاح والعولمة. كما أن الموارد التراثية بالسفوح الجنوبية للأطلس الصغير هي أرض التاريخ ومهد تاريخي بنظامها البارع في تتمين وتسويق المجال، نظرا للخصوصية المجالية في تدبير الندرة بالمجالات الواحية، خاصة واحات جنوب الأطلس الصغير، لكونها تتوفر على رأس مال بشري وتقافي غني جدا (الوجود البشري، النقوش القديمة، تراث معماري القصور والقصبات...) بالإضافة إلى التراث المائي الخطارات في تدبير المياه واستعمال تقنية المطفيات، وكذا وجود دينامية مجتمعية مثقفة وفاعلة.
 وشدد على أن "النقوش الصخرية هي موارد تراثية لها قيمة اقتصادية وثقافية وتراثية تنعكس على هوية وشخصية التراب. وهي شواهد على معطيات وظروف طبيعية قديمة وأشكال التي كان يتم بها تنظيم الإنسان لمجاله واستغلاله منذ القدم، إلا أن أشكال التدهور التي تعرفها النقوش الصخرية تساءلنا عن علاقة السكان بتاريخهم ومجالهم الجغرافي.".
 يشار إلى الندوة الجهوية نظمتها جمعية موكادير للتنمية والتضامن بدعم من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الندوة الجهوية حول موضوع" الفن والنقوش الصخرية بالجنوب المغربي في خدمة التنمية”  بالفضاء الجمعوي بكلميم، إلى جانب زيارة ميدانية علمية لموقعي النقوش الصخرية "أدرار زرزم"  بجماعة أداي ( كلميم) نهاية الأسبوع الجاري.