إن جنوح الجناة وانعطافهم عن صراط المجتمع باقترافهم الجرائم ، مهما استبشعت نتائجها، ومهما تقوت أدلتها، لا يمكن أن يواجه بأسلوب التشفي والمطالبة برأس الفاعلين، انتقاما وثأرا، فالقوانين إنما سنت لحماية حقوق الجميع، ضحايا ومتهمين ومجتمعا، فإن زل الجاني فالقانون أفرد له مسطرة لمحاكمته، لأن الغاية المثلى من العقاب هي الإصلاح والتهذيب والتقويم والترميم، لإرجاع الجانح إلى قافلة المجتمع، ولم يكن العقاب مرادفا للانتقام والتشفي ونبش المخالب، وإن شيوع فكر دعم الضحايا ضدا في القانون وفي الاحترام الواجب للقضاء يهدد الدولة في كيانها ووجودها ، ويؤسس لدولة "الحياحة" ودولة "السيبة"، مثلما كان عليه حال الشعوب البدائية التي تنكل بالجناة وتقطع أوصالهم، بلا محاكمة أو بمحاكمة صورية، إننا بتنا نستشعر الكثير من الخجل الحقوقي حين نرى وزيرا يصرح أن حكما قضائيا "صعقه" ومسؤولا يطالب ب"ضرورة تصحيح الحكم" وثالثة سعيدة فرحانة بعد رفع العقوبة، فالسرعة التي تم بها تعيين الملف أمام غرفة الدرجة الثانية ، والسرعة التي تم بها مناقشته في يوم صيام، والنطق بالحكم في ساعة متأخرة من الليل، كل ذلك يوحي أن القضاء تحرك تحت ضغط الضاغطين، وصياح المتعطشين، وأنه سعى إلى إسكات تلك الأبواق، أكثر من سعيه إلى إحقاق الحقوق، وهنا يثور سؤال محرج، هل نبع الحكم من روح القانون أم جاء ليطمئن النفوس النافرة الجامحة؟ ثم أما كان القضاء ليقوم بدوره كاملا بدون وليمة اللطم والتباكي تلك؟ ثم أين هو المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ فهل أنزل الشراع وانحنى للعاصفة؟ لنخلص إلى أن مشكلتنا هي في حجم ثقتنا في قضائنا، فهل نصلحه بما يجعل من دخله كان آمنا مطمئنا، أم نحتاج نحن والقضاء معا إلى مصلح مقوم؟
في الأخير وكأب وإنسان أعلن تضامني مع أبوي الطفلة وأهلها، وكم أنا مغتم لحالها، لكن العاطفة تفسد العدالة، فلنكن عقلاء لأن التصدي للجريمة البشعة بالطريقة الخطأ، لا يقل بشاعة عن الجريمة نفسها، فنصبح جميعا مذنبين، فقط نتفوق على الجناة بامتلاكنا للجام القانون وسوطه وسلاحه.