الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يحيى عمران: مغرب الإفلات من العقاب

يحيى عمران: مغرب الإفلات من العقاب

المتابع لسيرورة مستجدات حالة المراقبة والرصد والتتبع التي ترفعها بعض مؤسسات الدولة باعتبارها شعارات الواجهة في عملية تقويم لمؤسساتنا العمومية والخاصة، سيتوقف عند معطيات صادمة. أهمها الاختلالات التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات في إطار حملاته التمشيطية والرقابة المؤسسية في حق مجموعة من المجالس الجماعية، أو ما أضحى يدعى بالجماعات الترابية -وإن هي إلا أسماء سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان- وهنا لابد من الإشارة أننا مازلنا نعيش على صدى تغيير الأسماء والألقاب دون الجواهر والأعماق، فمؤسساتنا مهووسة بفتنة الواجهة، وعاجزة أمام سلطة الفعل والإنجاز.

عود على ما ذكر سلفا من الجماعات الترابية ورؤسائها الذين ينتمون إلى مشارب سياسية "يمينية" و"يسارية" و"إسلاموية".

ضمن هذا الصدد يقتضي المقام والمقال طرح تساؤلات عديدة أرى أنها طبيعية في ظل نسق سياسي مهترئ وبؤرة سحيقة للفساد والتلاعب والشطط في توظيف المال العام: من المسؤول عن إفلاس المكتب الوطني للماء والكهرباء؟ من المسؤول عن إفلاس صناديق التقاعد بالمغرب؟ من المسؤول عن تهريب الأموال الوطنية إلى البنوك السويسرية؟ من المسؤول عن استنزاف الأموال المستخلصة من الضرائب؟ من المسؤول عن الأموال المقتطعة من أجور الموظفين وما مصيرها؟

أين هي الأموال التي تم توفيرها من صناديق المقاصة؟ أين هي أموال الصناديق السوداء؟ من المسؤول عن نهب أموال التعاضديات العامة للتضامن الاجتماعي؟

من المسؤول عن تجميد خمسة عشر ملياردرهم كانت مخصصة للإستثمار؟...

من المسؤول عن ملايير الدراهم التي سرقت زورا من أموال المواطنين بخصوص المخطط الاستعجالي للتربية والتكوين، وأموال برنامج "جيني"وبيداغوجيا الإدماج"؟ ومن سرق أموال المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتعليم في الولايات الثلاثة الأخيرة؟

من ومن ومن؟ أسئلة جوهرية، الجواب عنها شأن وطني وقضية وطنية على أعلى مؤسسة دستورية رسمية أن تجيب عنها، بدقة وموضوعية، ووضع الأصبع على الأطراف المسؤولة بالضبط لتحديد المسؤوليات وكشف "التماسيح من العفاريت".

هذا غيض من فيض قمنا باقتناصه لكم -على قلته- لتعرفوا أو بالأحرى أنتم أضحيتم تعرفون حتى ما يقع في كواليس الحكومة الذي هو أعظم وأكبر.

وبناء عليه أضحت المعادلة كالآتي: مجلس أعلى للحسابات باعتباره مؤسسة دستورية رسمية تكشف النقاب عن الاختلالات والسرقات والوسائل المتطورة في "الشفارة" والاحتيال والفساد المالي، في مقابل طرف ثان من المعادلة، يمثله وزير العدل والحريات الذي يقتضي منه الأمر تحريك كل الدعاوى والخلاصات والتقارير المرفوعة إلى جنابه باعتباره المسؤول الأول عن العدالة في هذه المملكة السعيدة.

الحصيلة تنطق بحقيقة واحدة مفادها، وزارة الرميد غير قادرة أو عاجزة عن محاسبة الجناة والمفسدين بمبررات إسلاموية خاصة بصاحبها تغلب حسن النية والسلوك البريء في شفارة هؤلاء، فلسان حال وزيرنا العادل يقول: نحن مقبلون على الانتخابات ولا يمكن اتهام أي من هؤلاء رغم التقارير المرفوعة من لدن المجلس الأعلى للحسابات والمحددة للمسؤوليات حفاظا على السير العام للاستحقاقات المقبلة، وكأني بالرجل يغطي فشله ومصالح حزبه الضيقة بالوازع الديني الظريف.

أم أن الأمر ينظر إليه من واجهة أخرى تتعلق بوجود صفقة سرية بين الحزب الحاكم وباقي الأحزاب لإرجاء تحريك القضايا والدعاوى إلى ما بعد الانتخابات أو إلى إشعار آخر. وليترك الفضاء السياسي للفوضى والعربدة، وإعادة إنتاج الفساد والاحتيال والسرقة ونهب المال العام من جيوب المواطنين.

وما خروج المعارضة إلى العلن بعد نوم عميق أو بالأحرى موت سريري لتفتح فمها الذي تعودت أن تفتحه فقط بين يدي طبيب الأسنان بعد جهد جهيد منه، وصلت إلى حد التحكيم الملكي بينها وبين رئيس الحكومة ما هو إلا رد على صفقة ملغومة بينهما تحمل عنوان: أكتب عني أسكت عنك، أسكت عني أكتب عنك.