الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

ياسين كمالي: التحرش المباح

ياسين كمالي: التحرش المباح

ينشأ الطفل المغربي في مجتمع مهووس بالتقبيل والعناق على نحو مبالغ فيه، وأول ما تعيه أذنه من الكلمات هي تلك الجملة العجيبة: «بوس عمك!» ، فيقضي طفولته معتقدا أن الناس جميعهم أعمامه في الرضاعة، ولا يمتنع عن تقديم خده صدقة إلى كل عابر سبيل .

لا شك أن تعويد الصغار على منح خدودهم للغرباء لم يعد مقبولا على الإطلاق، خصوصا مع تنامي الغزوات البيدوفيلية المتوحشة.. فالطفل لا يستطيع أن يميز بين قبلة ودية ولمسة شيطانية.. وفي مرات كثيرة تكون القبلة وسيلة لجس النبض، وإذا لم يعترض أحد، فإن الذئب البيدوفيلي يقول لنفسه على طريقة عادل إمام: «ناس طيبين»، ثم يطمع في شيء أكبر، فيدنس البراءة بوساخته الدنيئة.

لو نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر إسلامية، سنجد أن الفقهاء يصنفون تقبيل الأطفال كنوع من السنة النبوية، ويتناسون أن النبي (ص) كان يبوس حفيديه فحسب، ولم يكن فمه يمتد إلى خدود الصغار في أزقة يثرب. قد تبدو عادة تقبيل الأطفال بلا سابق معرفة دليلا على المحبة، ولكن ليس في كل الأحوال. فإذا كان معظم المغاربة يفعلون ذلك بحسن نية، فلا سبيل إلى التمييز بين القبلة البريئة، والقبلة المرادفة للتحرش الدنيء. وبما أن حماية الأطفال صارت مسألة ملحة في ظل الاعتداءات الشائعة، فليس غريبا أن يتحفظ البعض على هذه العادة الموروثة عن سكان القبور، ولعل ما كان مباحا في الماضي ليس حتميا أن يظل كذلك إلى الأبد .

بكل تأكيد، لا أحد يستطيع رفع الفيتو في وجه من يبوس طفلا ينتمي إلى محيطه العائلي، لكن ليس مقبولا أن يدمن البعض على تقبيل كل طفل يلقاه في الشارع. وكثيرا ما نلمح شخصا مجهولا يلتقط طفلا لا يعرف حتى أول حرف من اسمه، فيحضنه إلى حد الخنق، ويشرع في إمطاره بقبلات مبللة، تماما مثل ديك ينقب الحب، ولا يجد قبالته من ينهاه عن تصرفه المشكوك في دوافعه، فيتمادى مستمتعا دون رقيب .

ويبقى للمجتمع نصيبه من العتاب، فمن المثير للدهشة أن يستمر المغاربة في مباركة هذه العادة المريبة، ومنح فاعلها صك الرضا رغم الاعتداءات التي ما فتئت تذبح براءة الأطفال. ولعلنا نميل قريبا إلى تغيير منظورنا إزاء ذلك، بحيث يصبح تقبيل طفل غريب فعلا معرضا للإدانة المجتمعية، حتى يتعود المغاربة على رشق الفاعل بنظرات الاستهجان على الأقل .

إضافة إلى ذلك، فثمة أمراض معدية تنتقل عبر القبلات المريبة، ولاسيما تلك التي تنشأ عن انتهاك حرمة فم الطفل.. فأي حب هذا الذي يجعلنا نحشر جراثيمنا العفنة في جوف طفل ضعيف المناعة. المصيبة الكبرى تكمن في سلبية الأمهات أحيانا، إذ يشعرن بالسرور حين يبصرن غريبا يبوس أطفالهن بتلك الطريقة البشعة، هذا إذا لم يزغردن احتفالا بالمناسبة. وقد يتساءل البعض مرتابا، لو كانت القبلات دليلا على حب أفلاطوني للأطفال، فلماذا يبحث «البواسون» عن الأماكن الدسمة  كالأفواه؟

وبعيدا عن بلادنا المهووسة بالتقبيل والعناق، تغدو المسألة مأساوية لدى مغاربة المهجر.. فكم سمعنا عن مهاجرين تمرغوا في وحل المحظور، ولم يكن لديهم وعي باختلاف الثقافات، ومنهم من وجد نفسه مرميا في السجن، لأنه لم يقدر على منع شفتيه من خطف قبلة، كأن البعض يفقد صوابه حين يبصر طفلا أشقر، ولا يدرك أن «جاك ولد مادلين» ليس هو «الجيلالي ولد هنية»، فالأول محاط بحماية قانونية ومجتمعية صارمة، بينما يقف الثاني منفردا قبالة أطماع الذئاب  .

تحتاج المسألة إلى شيء من اليقظة، لأننا نساهم دون أن ندري في تمهيد الطريق للمصابين بهوس مرضي تجاه الصغار، ما دمنا نصر على تلقين الأطفال تلك الجملة المغربية العجيبة «بوس عمك!». وقبل أن نلوم الذئب على جرائمه الهمجية، لا بد أن نشرب نصيبنا من اللوم. فكثير من المآسي تبدأ بقبلة.