الأحد 6 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

محمد وراضي: كل المغاربة سلفيون. أحب من أحب وكره من كره؟

محمد وراضي: كل المغاربة سلفيون. أحب  من أحب  وكره من كره؟

مرة يقال: إنه سلفي. وإمعانا في القدح والسخرية يقال مرة ثانية: إنه سلفاوي! ومرة ثالثة يقال إمعانا في التشفي: إنه وهابي! ومرة رابعة يقال في هذه الأيام بالذات: إنه داعشي! كل هذا في انتظار فبركة ألقاب جديدة يتوقع اختراعها لوصف خصوم الظلام العلماني المجسد في الصهاينة وفي قوم عيسى، وفي كافة من جعلوا من بلداننا العربية والإسلامية، ميدانا لتسويق السلاح الغربي! وميدانا  لتجريب مختلف أنواعه، وميدانا لإجراء تداريب عسكرية حتى لا يظل جنود الغرب بين جدران الثكنات أو في شوارع المدن العالمية الكبرى يتسكعون!

وبما أن محور التوصيف، أو النعت الجوهري، هو الانتساب إلى السلف، فكيف ينظر إلى جماعات بعينها على أنها دون سواها تمارس ما كان عليه الأجداد من قريب أو من بعيد؟ ثم لماذا غلبت العادة الجارية على الحقيقة الواقعية، فأصبح السلفيون هم وحدهم أولئك المتدينون الحريصون على الاحتكام إلى شرع الله الذي لا يقبل تغييره، إن بالزوائد وإن بالنواقص، بحيث إنهم ينظرون إلى هذه الزوائد وإلى هذه النواقص كمبتدعات أو كبدع وضلالات؟   

فإن نحن وقفنا عند المعنى المعجمي اللغوي لـ "سلف" كمصدر لفعل ثلاثي مجرد هو بالتحديد "سلف"، لوجدنا أنه جمع أسلاف على وزن أفعال. ومعناه: كل واحد من أهل الإنسان الذين منهم انحداره: سلف من جهة الأم، وسلف من جهة الأب. وسلف من جهة الدين والقيم والثقافات والأعراف والتقاليد والجنس أو الأعراق. ومن هنا يقال: "خير خلف لخير سلف". كما يقال: "السلف الصالح". هذا التعبير الشائع الرائج الذي لا يعني غير الأجداد المحترمين والوقورين.

وهنا نتساءل: أي عيب يا ترى وأي عار يلحق بمن يقولون ويفعلون ما كان أجدادهم يقولونه ويفعلونه: ألوان من الأغاني، وأشكال من الآلات الموسيقية، وأنواع من الرقص يخص جهات من بلدان بعينها كتراث، يجري رسميا حفظه والترويج له والإنفاق لأجل انتشاره واتساع دائرته على الصعيد الرسمي والشعبي!

لنقف لحظة في مجال الأدب شعره ونثره، فإننا سوف نجد من بين ما نجده نظم القصائد على غرار ما كان الأسلاف ينظمونها به: أوزان، وقوافي، وأغراض هي إما مدح وإما هجاء وإما وصف، وإما غزل! فضلا عن تناول النقاد المبرزين للتراث الأدبي الذي أنجزه فطاحل الشعراء والكتاب المتقدمين! فضلا عن تناولهم لأنواع التفاسير بالدراسة والتقويم، وتناولهم لعلوم القرآن والحديث، وفقه، وفلسفة، ورياضيات، وطب، وفلك، وعلم كلام، وبديع، وبيان، وصرف وإعراب! وإلا فلماذا يؤلف المشارقة والمغاربة مؤلفات محورها الفكر الإسلامي في مجمله؟ وأي شيء يربط بين من كتبوا عن الكندي، والفارابي وابن سينا وجابر بن حيان والرازي، وأبي حيان التوحيدي والجنيد وأحمد زروق! أي شيء يربطهم بهؤلاء؟ أو لا يمثلون بالنسبة إليهم وبالنسبة إلينا أسلافا تركوا لنا ما نقوي به ونعزز هويتنا؟ أو ليس ما كتب عن الأسلاف رفضا وقبولا هو تقويم للتراث بعينه؟ والتراث بعينه، أو ليس هو سلفية ناطقة بأقوال وبممارسات الجدود؟ فلماذا إذن نصف غيرنا بأنه سلفي، بينما نحن في السلفية -ربما أكثر منهم- غارقون؟

لو تركنا وراءنا مختلف المجالات الفكرية والأدبية والعلمية التي صال فيها أجدادنا وجالوا، والتي تدل -ونحن نرتع في حياضها- على أننا سلفيون بالرغم من أنوفنا، فما الذي نجده؟

نجد أننا لا نملك غير التسليم بالإبقاء على ممارسات، كان أجدادنا متعودين عليها أيما تعود في مختلف المجالات. إننا ما زلنا نستعمل الشموع، إن في منازلنا بالحواضر، وإن في منازلنا بالبوادي! ونوع الطبخ السلفي لم ينقطع اعتماده في بيوتنا! وبالمثل نوع أدوات الطبخ أو أدوات تهييئ مختلف أنواع المأكولات أو الأطعمة! وإن نحن انتقلنا إلى الحقول لوجدنا المحراث التقليدي يستخدم حتى الآن لزرع الحبوب من كل نوع: الشعير والذرة والقمح والفاصوليات! وحتى استخلاص الغلات من المزروعات بعد حصادها بالمناجل التقليدية، يجري باعتماد الدواب لدرسها في البيادر، أي في الموضع الذي يجمع فيه الحصيد ويداس بأقدامها! بحيث نكون هكذا أمام فلاحين سلفيين! بل وأمام مواطنين سلفيين بالمفهوم الذي قدمنا نماذج منه على التو!

دون أن ننسى الحماس الرسمي والشعبي لتشجيع الصناعات التقليدية التي تعكس مدى القدرات الفنية والإبداعية لدى الصناع المغاربة وغيرهم من صناع العالمين:العربي والإسلامي. فلا مجال لإنكار جودة السجاد الإيراني، ولا السجاد التركي والمغربي. ولا الفسيفساء المغربية، ولا الرخام المغربي الذي يجلب حسن تنميقه أنظار المشاهدين من المغاربة والأجانب، بصرف النظر عن الأثاث المعدني الذي يجلب انتباه من يقف أسيرا لتملي رونقه وجمال صنعه... فضلا عن كل ما تتضمنه المتاحف الوطنية من معروضات تضاف إلى الأسلاف، لا إلى الأخلاف بأي وجه كان!

دون أن ننسى الألبسة التقليدية التي يتهافت عليها الكبار والصغار، من نساء ورجال، بصرف النظر عن السواح الذين هم مولعون باقتناء كل أو بعض مما يشكل هوية البلدان الحضارية التي يزورنها، وكأنهم يشاركوننا في الاحتفاء بالأجداد أو بالأسلاف، الذين علينا أن نعتبر ما خلفوه لنا وراءهم من تراث كنوز لا تبلى، غمط قيمته التاريخية لا يمكننا، بحيث نكون نحن والسواح سلفيين أو تراثيين بأكثر من تعبير، وفي أكثر من سياق.

وربما تبرم العلمانيون من الطرح الذي اعتمدناه للتدليل على أن السلفية تراث، وأن التراث هو السلفية! أي إننا في الوقت ذاته تراثيون وسلفيون! خاصة وأن ناموس الحياة البشرية من خلال تطورها، يستدعي وجوب اعتبار السلفية مدرسة، تأثيرها في الأخلاف، لا يمكن جحده! غير أن تبرم العلمانيين من الطرح الذي أوضحناه، سوف يخفف من وطأته على أنفسهم تقييد مفهوم السلفية في الحدود التي يريدونها! أي في حدود الانتصار لتفعيل الإسلام الحق بدون ما تردد في الحياة العامة والخاصة.

ولتقييد مفهومها، لا بد من رفع أي لبس يحيط بالسلفية لدى طرفين متواجهين ومتصارعين: علمانيين، وإسلاميين.

- بخصوص العلمانيين نتحدث عن نظرتهم المتباينة إلى السلفية كالآتي:

1- علمانيون ليس لديهم أدنى شعور بأي تناقض بين تعليق العمل بالشريعة، وبين تطبيق القوانين الوضعية. فكان أن قبلوا بما يجري به العمل في الواقع السياسي والاقتصادي والمالي، بحيث إن فيهم من يؤدون الصلوات الخمس، ويصومون، ويحجون، ويزكي منهم من استطاع أن يزكي، ويحتفلون بعيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد المولد النبوي، حتى وهو بدعة من إحداث الفاطميين الشيعة! فصح أنهم سلفيون إلى حد ما دون أن يدركوا بأنهم كذلك لغياب الوعي الديني عندهم غيابا متفاوت الدرجات. ومن ضمنهم الطرقيون والقبوريون على الصعيد الوطني برمته.

2- علمانيون على وعي تام بما تعنيه العلمانية، وهؤلاء يقفون مستبسلين في صف واحد مع الحكام من جهة، ومع خصوم الإسلام بما فيهم الصهاينة من جهة ثانية، مخافة أن تتعرض حصون العلمانية التي يتمترسون داخلها لضربات موجعة مؤلمة محتملة! وفي صفوف هؤلاء من يؤدون ما استطاعوه من المفروضات الدينية! وما يؤدونه منها يندرج تحت يافطة "ما لقيصر لقيصر وما لله لله".

3- علمانيون ملحدون، لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فصح أنهم مع الملحدين على الصعيد العالمي في نفس الصف، أي إنهم عن السلفية الدينية معرضون، ولكل الأديان منكرون!

فنكون هكذا مع العلمانيين جميعهم أمام من يضعون سلفية الغرب مع سلفيتنا في مستوى واحد! يعني أنهم بجانب من سلفيتنا متعلقون! وببعض من سلفيته متشبثون! كما أننا أمام من يصادر سلفيتنا جملة وتفصيلا! ويعانق بدلها سلفية العلمانيين المستوردة، ذات جذور غربية، وكأنه هو نفسه غريب بين أهله وذويه! مما يفيد بأننا في الجملة أمام من يؤمنون ببعض من الدين، وأمام من يكفرون ببعضه الآخر! وأمام من يكفرون بالدين كله!

- بخصوص الإسلاميين نتحدث كذلك عن نظرتهم إلى السلفية عبر الوقائع الآتية:

1- سلفية نصية، تجسد الغيرة على الدين، إلا أن ممثليها قلة. وميزتهم الأساسية غياب الفهم الصحيح عندهم للواقع الذي يموج بمتغيرات، من واجب الدين أن يتعامل معها من باب الإصرار والعمل الدؤوب على تجديده! إذ لا يجدد الدين من خلال ذاته، وإن كانت الدعوة إلى إحياء السنة من لوازم تحليل الواقع لغاية التأثير فيه، ولغاية العمل على تغييره وتحسين صورته للخروج به من سيء إلى أحسن!

2- سلفية تنويرية، مهمتها مسايرة مجريات الواقع بالكافي من اللين والحجج الدامغة، وبالكافي من منطق الواقع نفسه. إنما على هذه السلفية تجنب التسليم بمشروعية حكام لم يروا بعد رحيل الاستعمار وجوب استفتاء شعوبهم لأجل تخييرها بين القبول بالنظام العلماني وبين العودة إلى النظام الإسلامي الذي عمل المحتلون لبلداننا على طمس معالمه.

3- سلفية صادقة يائسة من أية عودة سلمية للاحتكام إلى الشريعة الإسلامية! والجهات المسؤولة عن ترسيخ اليأس في نفوس ممثليها حلف دولي، يلعب فيه الحكام دور التابع المجرور الذي ينفذ خيارات خصوم ديننا الذين حددت هويتهم من خلال حملاتهم الدينية على المشرق العربي، منذ العصور الوسطى حتى الآن! دون أن يعتبروا بالفشل الذريع الذي أصيبوا به، وحملاتهم تلك تولى إقبارها صلاح الدين الأيوبي والجند الإسلامي معه في صف واحد!

ولتعميق فهم هذه الأطروحة، نقدم مقابلة أجرتها وكالة الإعلام الأمريكية مع الصهيوني الأنجليزي الجنسية "برنارد لويس" بتاريخ 20/5/2005م -نقلا منا عن جريدة "السبيل" المغربية عدد 186- قال الرجل بالحرف الواحد: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم، فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات! ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم، هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية، وتطبيقاتهم الاجتماعية! وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور، فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان.

إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم، وردود الأفعال عندهم. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك: إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم، أن تكون مهمتنا المعلنة (لا المضمرة!) هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية"!!!

ونقول نحن معلقين في عجالة: أما عدم تدريب الأنجليزيين والفرنسيين للشعوب العربية والإسلامية التي تم لهم احتلالها على الديمقراطية -وتلك كانت رغبة المستعمرين حينها- فهو الذي جذر في نفوس الحكام بعد التحرر من ربق الاستعمار، ميلهم الجامح إلى الدكتاتورية أو إلى الاستبداد البغيض، مما أدى إلى الوضعية الحالية التي تثور فيها الشعوب لغاية التخلص من خلفاء المحتلين السابقين، الذين لا يكفون عن عرقلة أية خطوات جماهيرية لاستعادة الحياة الطبيعية، التي ترفرف فوقها أعلام المساواة والأخوة، والديمقراطية والكرامة والحرية. دون أن يفقد المحتلون السابقون أعوانا لهم من أهلنا يقدمون لهم ما كان الخونة يقدمونه للاستعمار، وهو جاثم على أرضنا وعلى نفوسنا وعلى خيرات بلداننا.

4- سلفية الجماعات الإسلامية المسيسة، هذه التي بات بعضها مقتنعا بإمكان مشاركتها للعلمانيين في السلطة! جاهلة أو متجاهلة بأن مشاركتها هذه، هي بالتحديد إعطاء مشروعية مجانية، لمن لم يضعوا قط شعوبهم في الحسبان، وهم يفرضون عليها النظام العلماني من الأعلى بقوة القهر والغلبة! كما أن مشاركتها هي بالتحديد، تمديد وتطويل لعمر أنظمة طاغية متجبرة! نجح معظمها في الإبقاء على السلطة بمساعدة من الصهاينة، وبمساعدة ممن هم معهم في صف العداء للشعوب العربية والإسلامية! وواضح هذا للعيان أمام كل مراقب موضوعي، من خلال تحويل حالة الشعوب الثائرة في الأعوام الأخيرة، إلى حالة أسوأ مما كانت عليه قبل الربيع العربي! مما يعني أن سلفية الجماعات الإسلامية المتسيسة الداعمة للسلطة العلمانية، وضعت نفسها في خانة من لا تنسى الشعوب إخضاعها للحكم العادل مهما طال الزمن!

هكذا نؤكد بأن السلفية لا تنحصر في مجال بعينه. إنها -كما أوضحنا- تراث تتناقله الشعوب جماعات وفرادى. فصح الحديث عن سلفية دينية، وعن سلفية أدبية وفكرية وفلسفية، وعن سلفية العمران البشري في مجمله كما يقول ابن خلدون في مقدمته ذات الشهرة العالمية!!!