Sunday 7 December 2025
سياسة

بدر بوخلوف: لا يمكن إعادة الاعتبار للعمل السياسي فـي ظل استمرار منطق «مول الشكارة» وشبكات القرابة

بدر بوخلوف: لا يمكن إعادة الاعتبار للعمل السياسي فـي ظل استمرار منطق «مول الشكارة» وشبكات القرابة بدر بوخلوف
يرى‭ ‬بدر‭ ‬بوخلوف،‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬العام‭ ‬بجامعة‭ ‬مولاي‭ ‬إسماعيل‭ ‬بمكناس،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرقا‭ ‬بين‭ ‬ممارسة‭ ‬دور‭ ‬المعارضة‭ ‬ومعارضة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وبين‭ ‬ممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬ضمن‭ ‬الأغلبية،‭ ‬مضيفا‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬تصطدم‭ ‬بها‭ ‬المعارضة‭ ‬بعد‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬السلطة‭ ‬والمرتبطة‭ ‬بالبيروقراطية‭ ‬الإدارية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬معطى‭ ‬التوازنات‭ ‬الدولية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الإقتصادية‭ ‬منها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ضرورة‭ ‬استحضار‭ ‬التزامات‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬،‭ ‬وخصوصا‭ ‬لما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالتزامات‭ ‬مالية‭ ‬صرفة،‭ ‬موضحا‭ ‬بأن‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬عندما‭ ‬تمارس‭ ‬السلطة‭ ‬تسعى‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬المغامرات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تطرأ‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تنزيل‭ ‬برنامجها‭ ‬الانتخابي:
 
 كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬مفارقة‭ ‬تغير‭ ‬نبرة‭ ‬خطاب‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وتنكرها‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬والوعود‭ ‬بعد‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬السلطة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬حيث‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬التعاقد‭ ‬الأخلاقي‭ ‬مع‭ ‬الناخبين‭ ‬الذين‭ ‬صوتوا‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الانتخابات؟
كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬فإن‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬تعد‭ ‬مدرسة‭ ‬للتنشئة‭ ‬السياسية‭ ‬وبنيات‭ ‬لصناعة‭ ‬المواطن‭ ‬الحقيقي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأحزاب‭ ‬الأغلبية‭ ‬أو‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭. ‬وعلاقة‭ ‬بسؤالك‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬فإن‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬لما‭ ‬تتواجد‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬المعارضة‭ ‬فإنها‭ ‬ترفع‭ ‬شعارات‭ ‬قوية‭ ‬وتقدم‭ ‬نقدا‭ ‬لاذعا‭ ‬للسياسات‭ ‬الحكومية‭ ‬المتبعة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬صحي‭. ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭ ‬لماذا‭ ‬تغير‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬من‭ ‬مواقفها‭ ‬بعد‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬السلطة؟‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرقا‭ ‬بين‭ ‬ممارسة‭ ‬دور‭ ‬المعارضة‭ ‬ومعارضة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وبين‭ ‬ممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬ضمن‭ ‬الأغلبية‭.‬‭ ‬لكن‭ ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬مسببات‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬فإنها‭ ‬تطفو‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبيروقراطية‭ ‬الإدارية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬معطى‭ ‬التوازنات‭ ‬الدولية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الإقتصادية‭ ‬منها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ضرورة‭ ‬استحضار‭ ‬التزامات‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬وخصوصا‭ ‬لما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالتزامات‭ ‬مالية‭ ‬صرفة‭. ‬وبالتالي؛‭ ‬فإن‭ ‬المسألة‭ ‬فيها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاصطدام‭ ‬بواقع‭ ‬الدولة‭ ‬وبقيود‭ ‬السلطة،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬الفعلي‭ ‬لمسؤولية‭ ‬القرار‭ ‬بدل‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بانتقاده،‭ ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرقا‭ ‬بين‭ ‬مطالبة‭ ‬الفاعل‭ ‬الحكومي‭ ‬بتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬وبين‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬كممارسة،‭ ‬وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستدلال‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الحكومية‭ ‬لأحزاب‭ ‬أخلفت‭ ‬وعودها‭ ‬مع‭ ‬قواعدها‭ ‬الانتخابية‭ ‬وعموم‭ ‬المواطنين،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬كأحزاب‭ ‬الخلاص‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تتخد‭ ‬قرارات‭ ‬لا‭ ‬شعبية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬أبان‭ ‬بالملموس‭ ‬الفرق‭ ‬الشاسع‭ ‬بين‭ ‬الانتقاد‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬السلطة‭ ‬وممارسة‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬الأحزاب‭ ‬خاصة،‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬المحك‭. ‬
 
لماذا‭ ‬لا‭ ‬تدرك‭ ‬الأحزاب‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تعود‭ ‬مستقبلاً‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬المعارضة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الوضوح‭ ‬والمصداقية‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬المواطنين؟
صحيح‭. ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تصبح‭ ‬أحزاب‭ ‬بدون‭ ‬هوية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬المشكل،‭ ‬إذ‭ ‬المسألة‭ ‬اليوم‭ ‬مرتبطة‭ ‬بغياب‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬أولا،‭ ‬وغياب‭ ‬تنشئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬مواطنة‭. ‬إن‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬عندما‭ ‬تمارس‭ ‬السلطة‭ ‬تسعى‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬المغامرات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تطرأ‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تنزيل‭ ‬برنامجها‭ ‬الانتخابي،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يستحيل‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬ذكرتها‭ ‬سابقا‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬نموذج‭ ‬سياسة‭ ‬الخوصصة‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬التناوب،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬المعارضة‭ ‬الاتحادية‭ ‬آنذاك‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬قبل‭ ‬وصولها‭ ‬للسلطة،‭ ‬لكن‭ ‬بمجرد‭ ‬قيادتها‭ ‬للحكومة‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬التوسيع‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬معاتبة‭ ‬المعارضة‭ ‬بشكل‭ ‬أحادي‭ ‬دون‭ ‬ربط‭ ‬ذلك‭ ‬بطبيعة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والخصوصية‭ ‬التي‭ ‬يتفرد‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬التحالفات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكومات،‭ ‬بحيث‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬قناعات‭ ‬إيديولوجية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬تحالفات‭ ‬تمليها‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الحزب‭ ‬السياسي‭ ‬“المعارض”‭ ‬يذوب‭ ‬في‭ ‬بوثقة‭ ‬الأحزاب‭ ‬غير‭ ‬المتجانسة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬وأحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬والأحزاب‭ ‬ذات‭ ‬التوجه‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬تعميق‭ ‬هوة‭ ‬العزوف‭ ‬السياسي‭ ‬والانتخابي‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬فئة‭ ‬الشباب،‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬موجة‭ ‬“جيل‭ ‬Z”‭ ‬والذين‭ ‬عبروا‭ ‬وبشكل‭ ‬صريح‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يثقون‭ ‬في‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬برامجها‭ ‬ولا‭ ‬يؤمنون‭ ‬حتى‭ ‬بالعمل‭ ‬السياسي‭.‬
إذن‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تنفتح‭ ‬الأحزاب‭ ‬على‭ ‬الكفاءات‭ ‬الشابة،‭ ‬وأن‭ ‬تجعل‭ ‬الانتساب‭ ‬إليها‭ ‬قائماً‭ ‬على‭ ‬معايير‭ ‬الجدارة‭ ‬والالتزام‭ ‬بخدمة‭ ‬الصالح‭ ‬العام،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬معيار‭ ‬“مول‭ ‬الشكارة”‭ ‬أو‭ ‬شبكات‭ ‬القرابة‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬تشوّه‭ ‬صورة‭ ‬الأحزاب‭ ‬وتسيء‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الحزبي‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬والعمل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬وطننا‭ ‬الذي‭ ‬يسع‭ ‬الجميع‭.‬