لا شك أن الصحافة، الورقية والإلكترونية، تشكل نبض المجتمع وتعد أداة لنشر الثقافة والمعرفة وتعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية المستدامة.
ومن المتفق عليه أن الصحافة العربية بمعناها الحديث ظهرت أول مرة في مصر قبل غيرها من البلاد العربية، وكان ذلك في نهاية القرن الثامن عشر بسبب أثر الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت. بعدها أخذت باقي البلدان العربية تخوض غمار ميدان الصحافة، في كل من لبنان وسوريا والعراق الخ.
أما المغرب فقد عرف الصحافة في مراحل متأخرة مقارنة مع بلدان الشرق والغرب، إذ إلى حدود منتصف القرن التاسع عشر كانت الصحافة شكلا تواصليا غريبا على المجتمع المغربي.
ورغم عمر الصحافة المغربية القصير، فإنها لعبت أدوارا طلائعية في مراحل دقيقة من تاريخ المغرب. حيث تمكنت قبل الاستقلال وبعده من التعبير عن الإنسان المغربي وعن همومه سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإنسانية. وعموما الصحافة المغربية تعد تاريخا مليئا وغنيا، لكننا نقف الآن أمام سؤال مهم حول أسباب أزمة الصحافة في المغرب.
لا يخفى على أحد اليوم أن الأزمة التي تعاني منها الصحافة المغربية هي أزمة غير مسبوقة في تاريخها المعاصر، إذ تتعرض الصحافة لنكبات قد تنسف كل المكاسب التي تحققت عبر تاريخ طويل من النضالات الوطنية لنساء ورجال الصحافة الملتزمين.
الأسباب تباينت، والمسميات اختلفت، فهناك من يرى أن ما تتعرض له الصحافة هو عملية اغتيال بطيء بمعنى النسف من الوجود، وهناك من يرى بأنها تنكيس للصحافة، غير أنه يبقى الاتفاق على أن الوضع الحالي للصحافة والإعلام، لا ينال الرضا الكامل، وأن هناك استهدافا للبيت الصحفي من أطراف مختلفة.
وعلى الرغم من تعدد الأسباب وتباينها يبقى السبب الحقيقي للأزمة الحالية هو السعي وراء المال والمصالح الخاصة، التي غلبت على سلوك الكثيرين في بلدنا، خاصة بعد ما يسمى بالربيع لسنة 2011 وصعود الإسلاموية، والتي مثلت نقطة تحول في تاريخ المغرب، غير أنه تحول إلى العوامل السلبية، ومنها المتاجرة بهموم الوطن، والسعي وراء اقتناص الفرص، والانتهازية السياسية بغض النظر عن القيم والمبادئ، ومصلحة المهنة أو حتى الوطن.
وفي زمن أزمة التمويل، وتراجع إقبال الناس عن شراء الصحف تم اقتحام القوة الاقتصادية عالم الصحافة، الذي كان في الماضي حكرا على العالم السياسي، وسيطرتها على العمل الصحافي، فهناك من يريد أن يتكسب المال بسرعة، من فئة الساعين إلى الطفو على السطح، وهم الذين يدعون معرفة بالصحافة والإعلام، وهناك من يريد تعظيم المال، من فئة رجال الأعمال، الذين تحكمهم مصالحهم الاقتصادية، والكل تتحكم به المصلحة الخاصة والجشع على حساب المعايير المهنية والوطنية.
ولست متشائما إذا قلت إنه لا أمل في إصلاح أوضاع الصحافة في المغرب، على المدى القصير، والعودة بها إلى الدور الذي لعبته عبر تاريخها المجيد الطويل، سواء كان ذلك الدور مرتبطا بالصحافة كرسالة سامية أو مرتبطا بأبناء المهنة والارتقاء بأوضاعهم، في الحقوق والواجبات.
وللخروج من أزمة الصحافة وأوجاع ومحن الصحافيين (تدني الأجور، تصفية الحسابات، مكائد، دسائس، محاكمات (، يبقى الأمل معقودا على الصحفيين أنفسهم الملتزمين بقضايا الشعب، المتشبعين بقيم الموضوعية والأمانة والضمير والمسؤولية، والمنتمين إلى هموم الناس وقضاياهم وهموم الوطن وقضاياه ولا يترددون في الدفاع عن هذه القضايا مهما بلغ الثمن، حتى لو واجهته إغراءات المال والشهرة، وحتى الإلغاء. وتلك هي الصحافة التي نريد.
وستبقى مساحة تنفس الحرية من أهم المخارج، بل هي المخرج الرئيسي، ليس من أزمة تجتاح مهنة الصحافة فقط، ولكنها تعبد الطريق أمام الخروج من مختلف أزمات المغرب المتعددة.
وأختم بما كان يقوله توماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، وثالث رؤسائها " إن الأمن الوحيد للجميع إنما يكمن في الصحافة الحرة. "
وعليه، فإن صحافة وإعلام الصوت الواحد هي الخطر الحقيقي على سلامة وأمن أي بلد، وحرية الصحافة والإعلام، هي ضمانة الخروج الآمن من كل المآزق.