يجب أن تراه بأم عينك لتصدّق. فمع عزيز أخنوش ووزرائه، قد نرى العجب العجاب …
آخر الأمثلة على ذلك: السيدة فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة، التي منحت نفسها هذا الأسبوع ترفَ تصوير كبسولةٍ على إنستغرام تتحوّل فيها، لبضع دقائق، إلى مؤثّرةٍ متحمّسةٍ تروّج لمزايا… فندقٍ خاصٍّ لم يفتح بعد أبوابه في الرباط.
تمّ تصويرها أمام مول الكاروسيل على كورنيش يعقوب المنصور، Le Caroussel في مشهدٍ يبدو كصورةٍ على بطاقةٍ بريدية: نخيل، وبحر، وسماء زرقاء، وأناقة متقنة.
ترتدي الوزيرة بدلةً باللون الأزرق الداكن تتكوّن من سترةٍ ضيّقة ذات ياقةٍ كلاسيكية وسروالٍ من القماش نفسه، تُبرز مظهراً مهنياً واثقاً.
وتحت السترة قميصٌ أبيض ذو ياقةٍ مستديرة، بسيط ومشرق، ينسجم بتناغمٍ مع رصانة الزيّ.
أما شعرها القصير المموّج قليلاً، فيؤطر وجهها الهادئ المشرق بماكياجٍ خفيفٍ متوازن.
وتُكمّل إطلالتها إكسسواراتٌ ذهبية صغيرة — أقراطٌ دائرية، وعقدٌ بسلسلةٍ رفيعة، وسلسلةٌ دقيقة — تضفي لمسةً أنثويةً راقية على المشهد العام.
المشهد، المغمور بأشعة الشمس ونَفَس المدينة، يوحي بصورة وزيرةٍ نشيطةٍ في الميدان.
ميكروفونٌ صغيرٌ مثبتٌ على ياقة سترتها يُعلن انطلاق كبسولةٍ مصوّرةٍ بإتقان.
لكنّ المفاجأة الكبرى كانت حين قدّمت السيدة عمور فندق “ستوري الكاروسيل – الرباط” Story Caroussel - Rabat الواقع خلفها، إذ كانت الصدمة تامّة.
فهذا المشروع الفندقي الفاخر، المملوك لمجموعةٍ خاصة، سيفتح أبوابه رسمياً في شهر دجنبر المقبل.
وفي هذا الفيديو — الذي حُذف لاحقاً لأسبابٍ واضحة — تصحبنا الوزيرة، برفقة المدير المصري للمؤسسة، في جولةٍ عبر ممرّات الفندق الخالية، مُمجّدةً الغرفَ الواسعةَ والإطلالةَ الخلّابة على المحيط الأطلسي.
الانزلاق الدلالي للسلطة
ليست المسألة هنا مجرّدَ زلّةٍ في التواصل.
ما تكشفه هذه اللقطة هو انزلاقٌ دلاليٌّ خطير: سلطةٌ تخلط بين التواصل العمومي والترويج التجاري الخاص.
الوزيرة تمثّل المصلحة العامة، لا مصلحة علامةٍ تجارية.
وعندما تُبرز فندقاً بعينه، فإنها تُحدث خللاً في مبدأ المنافسة، إذ تمنح فاعلاً خاصاً ظهوراً غير مسبوق على حساب آخرين.
حتى وإن لم تكن هناك مصلحةٌ شخصيةٌ مباشرة، فإنّ الرسالة كارثية:
الدولة تتحوّل إلى واجهةٍ تجارية، وحياد الخدمة العمومية يصبح مجرّد متغيّرٍ قابلٍ للتعديل.
مثل هذا السلوك يُضعف مصداقية الخطاب الحكومي، ويُعزّز الفكرة — المنتشرة أصلاً — بأنّ بعض المسؤولين يخلطون بين الوظيفة العامة والترويج لمصالح خاصة.
هذه الزلّة ليست عرضاً طفيفاً، بل انعكاسٌ لبنيةٍ كاملة.
فمنذ وصول عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة، تتكاثر الاتهامات بـ«المحاباة» و«الزبونية».
وقد وثّقت عدة وسائل إعلامٍ وطنيةٍ ودوليةٍ تعيينَ مقربين أو أطرٍ سابقةٍ من مجموعة «أكوا» — التكتّل الاقتصادي الذي يملك أخنوش أسهماً فيه — في مناصبَ استراتيجيةٍ داخل الدولة.
رغم أن المغرب يزخر برأسمالٍ بشريٍّ متميّز، فإنه يُقدَّم أحياناً كبلدٍ تُوزَّع فيه الفرص داخل دوائر النفوذ لا بناءً على الكفاءة.
ويجمع أخنوش بين صفتين: رجلِ أعمالٍ نافذٍ ورئيسِ حكومة.
وهذا الجمع، وإن كان قانونياً، يثير الشكوك: كيف يمكن الفصل بوضوح بين إدارة الدولة وحماية المصالح الاقتصادية؟
في بلدٍ يطالب مواطنوه قبل كل شيء بالاستحقاق والعدالة والشفافية، تُقوّض مثل هذه الصور — سواء نُشرت على إنستغرام أو تجسّدت في تعييناتٍ غريبة — الثقةَ في العمل العمومي.
ليست المسألة انزلاقاً معزولاً، بل عرضاً أخلاقياً لتصرفات خارج السياق تكاد تصبح عادية.
فعندما تتحوّل وزيرة السياحة إلى سفيرةٍ لفندقٍ خاص، وحين تُمحى الحدود بين العام والخاص تحت الأضواء، لا تكون المسألة مجرد خطأ في التواصل، بل خللاً في التقدير السياسي.
فالديمقراطية تُبنى على الحياد، والأخلاق، والثقة — ثلاث قيمٍ تبدو اليوم مؤجلةً إلى ما بعد الكاميرات والواجهات.
المغرب يستحقّ أفضل من ذلك…
موقع Article19.m