Sunday 2 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

الكور: الحكم الذاتي كأفقٍ واقعيّ لقضية الصحراء.. أي مبادرات للتفعيل و الأجرأة؟

الكور: الحكم الذاتي كأفقٍ واقعيّ لقضية الصحراء.. أي مبادرات للتفعيل و الأجرأة؟ خديجة الكور
ظلّت قضية الصحراء منذ عقود ركيزة للوحدة الوطنية وأولوية ثابتة للدبلوماسية المغربية. فمغربية الصحراء ليست موضوعاً للتفاوض أو المساومة، بل حقيقةٌ متجذّرة في التاريخ والشرعية واستمرارية الدولة. في هذا السياق، جاء قرار مجلس الأمن رقم 2797 بتاريخ 31 أكتوبر 2025 ليشكّل منعطفاً نوعياً في القراءة الدولية للملف: قرارٌ اعتُمِد بأغلبية 11 صوتاً مقابل 3 امتناعات ومن دون أي معارضة، وأعاد ترتيب عناصر النقاش الأممي حول الحلّ السياسي الممكن.
 
1) ما الذي تغيّر في القرار 2797؟
لا يكتفي القرار بتأكيد انخراط الأمم المتحدة في الملف، بل يُحدث نقلةً في النبرة والمضمون. إذ يضع المبادرة المغربية للحكم الذاتي (2007) في مركز دينامية التسوية، باعتبارها «الأكثر جدّية وواقعية ومصداقية» للتوصّل إلى حلّ سياسي دائم. هذه ليست مجرّد صيغة مجاملة؛ إنها أول مرّة يترسّخ فيها المقترح المغربي بوصفه الإطار المرجعي للحل، لا خياراً من بين أُطُر مبعثرة.
 
2) مضامين عملية تُطلق دينامية جديدة
يشيد القرار بعمل المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا ويحثّه على مواصلة المشاورات مع الأطراف الأربعة: المغرب، البوليساريو، الجزائر، وموريتانيا. وتُعاد صياغة المبدأ المعياري «حلٌّ عادلٌ ودائمٌ ومقبولٌ من الطرفين» في ضوء المرجعية الواقعية للحكم الذاتي، بما ينقل اللغة من انتظارٍ مفتوح إلى اتجاهٍ واضح.
عملياً، يدعو القرار بعثة المينورسو إلى تطبيق الإطار الموحّد للأداء في عمليات حفظ السلام، ويؤكّد ضمان استمراريتها اللوجستية والأمنية، كما يحثّ الدول الأعضاء على تعزيز الدعم الإنساني للاجئين الصحراويين، في إقرارٍ ضمنيّ باستمرار وضعٍ إنساني مقلق في مخيّمات تندوف. هكذا يُقفل القرار الفجوة بين السياسي والإنساني والعملياتي، وينقل المقاربة من إدارة الجمود إلى صناعة التقدّم.
 
3) تجاوزٌ ضمنيّ لخيار الاستفتاء
يَسجّل القرار تحوّلاً هادئاً لكنه حاسم: الاستفتاء لم يعد الأفق الوحيد لمبدأ تقرير المصير. فالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يُقدَّم حلاً عملياً وقابلاً للتنفيذ ومتسقاً مع ميثاق الأمم المتحدة. هذه النقلة تعكس اعترافاً دولياً متصاعداً بـجديّة المقترح المغربي وبالدور الاستقراري للمملكة إقليمياً. بالنسبة للرباط، هو انتصار دبلوماسي؛ وبالنسبة للجزائر والبوليساريو، هو تضييقٌ لهوامش المناورة.
 
4) خطاب الملك في توقيتٍ دالّ
اختار الملك محمد السادس أن يوجّه خطابه إلى الأمة في اليوم نفسه الذي صدر فيه القرار (31 أكتوبر 2025)، في مزاوجةٍ مقصودة بين اللحظة الدولية والزمن الوطني. حمل الخطاب وقار الدولة وروح الوحدة، ووُضع في سياق مسيرة الخضراء وسبعين عاماً من الاستقلال. العبارة الفارقة «ما قبل 31 أكتوبر وما بعده» لم تكن تزويقاً بل ترسيخاً لمرحلة جديدة: تحديث مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها للأمم المتحدة باعتبارها الأساس الوحيد للتفاوض. بهذا، حدّد المغرب الإطار والحدود: السيادة غير قابلة للتشكيك، والحكم الذاتي هو الترجمة المؤسسية لها.
 
كما وجّه جلالته امتناناً صريحاً للدول الداعمة—في طليعتها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة وعدد من الدول العربية والأفريقية—بما يكرّس مكانة المغرب كفاعل موثوق يقدّم مقاربة واقعية تخدم الاستقرار الإقليمي والدولي.
 
5) رسالة وحدة ومصالحة
في بُعدٍ إنساني وطني، دعا الملك إخوانه الصحراويين في مخيمات تندوف إلى اغتنام الفرصة التاريخية للعودة والمشاركة في البناء. وأكّد مبدأ المساواة بين جميع المغاربة شمالاً ووسطاً وجنوباً، مشيداً بوفاء سكان الأقاليم الجنوبية لوحدتهم الوطنية. هكذا تتجسّد رؤية المشروع المغربي: حكم ذاتي لا يُقصي أحداً، قائم على العدالة الترابية والكرامة المشتركة.
 
6) نحو إعادة تفعيل الفضاء المغاربي
مدّ الملك يده إلى الجزائر، داعياً الرئيس عبد المجيد تبون إلى حوارٍ صريح، ومذكّراً بضرورة إحياء اتحاد المغرب العربي. ليست الدعوة تجميلاً للواجهة؛ إنها إدراجٌ للنزاع في رؤيةٍ تكاملية ترى الأمن والازدهار المغاربيين مسارين متلازمين. بهذا المعنى، يعرض المغرب نفسه رافعةً إقليمية لا طرفاً سجالياً.
 
7) من النص إلى الأثر: متطلبات المرحلة المقبلة
المرحلة التالية هي مرحلة التنفيذ. ويقتضي ذلك:
 
ـ تحديثاً دقيقاً لصيغة الحكم الذاتي، يحدّد بجلاء صلاحيات المؤسسات المحلية وآليات الرقابة والمساءلة.
 
ـ تعزيز الحَكَامة في الأقاليم الجنوبية وربطها بمؤشرات أداء قابلة للقياس.
 
ـ تسريع أوراش التنمية (البنية التحتية، التعليم، الصحة، فرص الشغل) بوصفها الدليل العملي على نجاح النموذج.
ـ دبلوماسية مرنة واستباقية تحافظ على اتساق الخطاب، وتُعمّق التحالفات، وتتوقّع ردود الفعل المقابلة.
ـ تنسيقاً متواصلا و متتظما مع المينورسو للانتقال من منطق الحفظ إلى المرافقة السياسية والمؤسساتية.
 
8) دور الأحزاب والمنظمات الموازية
لا تستطيع الدولة إنجاز هذا الورش وحدها. للأحزاب السياسية والمنظمات الموازية مسؤولية تاريخية: جسورٌ تواصلية بين الدولة والمواطنين، توسيع المشاركة الديمقراطية، رفع الوعي التنموي، وضمان حسن تنفيذ الالتزامات.
وفي هذا الإطار، تؤكّد منظمة النساء الحركيات التزامها الكامل بدعم مسار الحكم الذاتي فعلاً لا قولا ، مرافقة الساكنة الصحراوية عبر برامج قُربٍ مستدامة، تعزيز المشاركة الشعبية وتمكين النساء والشباب، ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية والشمولية في الممارسة اليومية للحكم الذاتي.
هذا العمل يقتضي تجاوز الحسابات الضيّقة: فالقضية ليست ورقة انتخابية، بل قضية وطنية جامعة. وعليه، فواجب الأحزاب أن تشتغل بمنطق الإجماع، وأن تواكب الدولة دبلوماسياً ومجتمعياً، لضمان تنفيذٍ متوازنٍ يحقّق تنمية مشتركة واستقراراً مستداماً.
 
خاتمة
يُسجَّل 31 أكتوبر 2025 تاريخاً مفصلياً: مجلس الأمن يرسم الإطار الدولي بالقرار 2629، والملك يضفي عليه المشروعية الوطنية بخطابٍ متزامن. من التلاقي بين اعترافٍ دولي وإرادةٍ وطنية يتشكّل الأفق: مغربٌ موحّد يتقدّم بثباتٍ نحو نموذجٍ للحكم الذاتي يجمع بين الاستقرار المؤسسي والحداثة التنموية والاستدامة. ما بعد هذه اللحظة ليس شعاراً بل برنامج عمل: تحديثٌ تشريعي ومؤسسي، تنميةٌ قابلة للقياس، ودبلوماسيةٌ متماسكة. هناك بدأت المرحلة الأهم: ترجمة الاعتراف إلى أثرٍ ملموس في حياة المواطن.
 
خديجة الكور، رئيسة منظمة النساء الحركيات