أصاب قرار مجلس الأمن إعلام الجزائر الرسمي في مقتل. حاول كل إعلامي رسمي أن يضع على لسانه كل موبقات الكلام حتى لا يقع في المحظور، ولكي يعود من الاستوديو التلفزيوني إلى بيته سالمًا من بطش المخابرات وفقدان ما يُنعِم به عليه من إكراميات الكابرانات. قرأ كل صحافيي العالم قرار مجلس الأمن قانونيًا وسياسيًا، وربطوه بمواقف أمريكا وفرنسا وإنجلترا، وقال الجميع إن الأمر يتعلق بتعيين الجزائر طرفًا رسميًا وفعليًا في صنع نزاع مفتعل منذ خمسين سنة.
يقول المدعوون الرسميون من طرف الإعلام الرسمي إن همهم الأكبر، والذي يفوق كل هموم الشعب الجزائري، هو أن يحصل بضعة آلاف من المهاجرين الأفارقة، ومن ضمنهم صحراويون مغاربة، على الحق في دولة تكون امتدادًا لهم وتمكنهم من الوصول إلى المحيط الأطلسي. أجمل ما يمكن فعله لفهم “محللي” التلفزيون الجزائري هو إخضاع كلامهم لتحليل علماء النفس. فدولة العسكر تسكنها عقدة كبرى، هي فقدان أهم وسيلة للاستمرار في الهيمنة على مقدرات الشعب الجزائري.
يجهشون بالبكاء على ضياع مبادئ القانون الدولي، ويصرخون بكل اللغات من أجل “تقرير مصير” في جزء من تراب المغرب، بينما يرفضون أي إشارة إلى حق الشعب الجزائري في الحرية والتعبير ومحاسبة من يحكمه خارج كل القواعد الديمقراطية. يكاد حقدهم أن ينفجر في صدورهم وهم يتباكون على معتقلي تندوف من الصحراويين المغاربة، وتبلغ درجات الألم لديهم حد الهذيان حين يصرون على أن الجزائر ليست طرفًا في الصراع الذي صنعته مؤسسات نظام الانقلابي بومدين.
ولا يوجد في تاريخ البشرية نظام سكنه الحمق إلى حد التضحية بشعبه من أجل “قضية” لا يعرف عنها الشعب الجزائري أي معلومة مفيدة لحاجاته اليومية من غذاء وكرامة وولوج إلى الحياة الكريمة. ولا يستبعد أحرار الجزائر من اقتصاديين ومثقفين يفوقون في العلم والتكوين كل النخب المستفيدة من الريع البترولي والغازي، أن يتجاوز حجم الأموال التي صرفها العسكر منذ 1975 من أجل السيطرة على الصحراء المغربية أكثر من ألف مليار دولار.
ولن يتجرأ أي كرغولي يعاني من المرض الذي ينخر جسمه جرّاء قرارات مجلس الأمن المتتالية منذ 2007، على طرح سؤال “لماذا؟” كل هذا الحقد الذي ظل ينمو تجاه المغرب منذ أن نجحت المسيرة الخضراء في خلق واقع جديد أدى إلى وضع جديد منذ خمسين سنة. يتجسد هذا الوضع في كلمات نطق بها ملك البلاد بإخلاص وصدق: “المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها.” وسيظل هذا الصدق هو الذي يدفع المغاربة للتظاهر من أجل القضية الوطنية وكافة القضايا القومية والاجتماعية، حتى وإن تخللها عنف في بعض الأحيان.
وفي المقابل، سيظل المواطن الجزائري ممنوعًا من التظاهر من أجل قضاياه المعيشية، أو حتى من أجل التضامن مع الفلسطينيين في غزة والقطاع. قال النظام العسكري لكل أطياف الشعب الجزائري إن أي تعبير عن تضامن مع فلسطين يجب ألا يكون في الشارع العام. ويتعجب كثير من “ماسكي القلم والكلام” لدى دولة العسكر من حجم المظاهرات التي يشهدها المغرب طيلة السنة، وهم يعلمون أن مؤسساتهم قد تتعرض لهزات مزلزلة إذا تحركت المظاهرات الشعبية التي لن تعير أي اهتمام لما يدور في تندوف.
لقد سخّر نظام العسكر الجزائري كل الوسائل الخبيثة لمعاكسة وحدة المغرب منذ أكثر من خمسين سنة. دفع رشاوى بمئات ملايين الدولارات لشراء أصوات دول في الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، ولم يتمكن من إيقاف مسيرة تعتمد على الإيمان بشرعية تاريخية قهرت كل ما صنعه الاستعمار من محاولات لتجزئة المغرب. ورث من وصفوا أنفسهم بـ“الثوار” ثقافة “صناعة الجزائر الفرنسية” المعادية لحق الشعوب في الانعتاق من نير الاستعمار، ووقفوا بعنف ضد كل من يطالب بحقه في أرضه المحتلة، وأقسموا “بالساحقات والدماء” على أن يستمروا في السيطرة على الإرث الاستعماري الفرنسي.
زاد طمعهم وجشعهم حين قرر المغرب استرجاع صحرائه التي كانت تحتلها إسبانيا، وكان الهدف من معاكسة حقوق الشعب المغربي استعمال المال في خضم الحرب الباردة لبسط سيطرة توصلهم إلى المحيط الأطلسي. وما بُني على باطل فهو باطل، وهكذا جنت على نفسها براقش. ويعلم شنقريحة أن المغرب، الذي اعتقله في أمغالا، لا زال وسيظل حريصًا على الدفاع عن كل شبر من ترابه من طنجة إلى الكويرة. وحدة المغرب الترابية ليست قضية فئة من المغاربة، إنها قضية شعب لا تحركه أجهزة استخباراتية، بل تحركه روح وطنية.
وليعلم أبناء “الكراغلة” حماة نظام العسكر في الجزائر أن المغاربة خرجوا إلى الشوارع بمجرد علمهم بنتيجة تصويت مجلس الأمن التي قوّضت خمسين سنة من الحقد والضغينة وتبذير أموال الشعب الجزائري. سيذكر التاريخ أن دولة كانت بجوارنا انهارت بفعل كيدها الذي تغلغل في نحور من عادانا ممن تملكوا أمورها. فلنتذكر تلك القوى الضاغطة التي استفادت من أموال الجزائر في مؤتمرات الاتحاد الإفريقي، وتلك الميليشيات متعددة الجنسيات التي كانت تختطف الصحراويين المغاربة وتسجنهم في تندوف.
ولنتذكر الأطفال الذين جندوا بمباركة جزائرية ليتسللوا إلى التجمعات السكانية بقصد الإيذاء الجسدي، ومجموعات التلميذات والتلاميذ الذين عُزلوا عن عائلاتهم وأرسلوا إلى كوبا وتعرضوا لكل أنواع التجهيل وغسل الدماغ.
انقلب السحر على الساحر، بعد أن أيقنت كثير من الدول أن اللعبة الجزائرية خبيثة المنشأ وقبيحة العواقب. تنكر من استفاد من أموال الشعب الجزائري، وعاد كثير من معتقلي تندوف، ووصل صوت القيادات المؤسسة للبوليساريو إلى الضمير العالمي. أصبحت قيادات الدرجة الثانية تتاجر بأموال المساعدات الدولية حتى فقدت كل مصداقية، وانفضحت ألاعيبها في المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي.
أرسل العالم إلى المغرب خطاب اعتراف بمصداقية ذات عمق تاريخي، ووضع بين يديه أمانة تنزيل الحكم الذاتي كوسيلة لدمج جميع أبنائه في وطن ودولة عمرها اثنا عشر قرنًا. وتُعد هذه الأمانة حافزًا لتقوية الجبهة الداخلية وبناء مؤسسات ترابية قوية، قادرة على تنمية البلاد وخدمة العباد.

