Sunday 2 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

أنوار الشرقاوي: الصين.. من التقليد إلى صناعة القوة… سرّ أمة أعادت تشكيل العالم

أنوار الشرقاوي: الصين.. من التقليد إلى صناعة القوة… سرّ أمة أعادت تشكيل العالم أنوار الشرقاوي
قال لي الصيني، وهو يرفع رأسه بثقة لا تعرف الانحناء:
«نحن لا نقلّد… نحن نُعيد الإنتاج بأمانة، ثم نجعله أفضل.»
كان هذا رده قاطعاً حين حدّثته عن مصدر جهاز طبّي متطور من صنع صيني_
 
من لعبة صغيرة تُباع في الأسواق الشعبية، إلى هاتف ذكي يضاهي أحدث التقنيات، ومن جهاز تصوير طبي يقرأ أعماق الجسد، إلى قطارٍ يلتهم المسافات بسرعة الريح، وصولاً إلى صاروخ ينطلق نحو القمر…
 
كل ذلك يحمل علامة واحدة صارت كالعلم المرفوع فوق قمم التجارة العالمية:
صُنع في الصين .
 
في الأشياء البسيطة كما في أسرار التقنية العليا، تُقلّد الصين، تُعيد النسخ، ثم تُطوِّع الفكرة وتدفع بها إلى حدودٍ جديدة.
 
ما يراه البعض قرصنة صناعية، تراه بكين سلّم نهضة وسلاح منافسة .
 
لقد امتد نفوذها الصناعي إلى كل المجالات بلا استثناء: النسيج والألعاب، الإلكترونيات والسيارات الكهربائية، الطائرات المسيّرة والقطارات فائقة السرعة، الأجهزة الطبية والذكاء الاصطناعي، وحتى أسرار الجينات والروبوتات الجرّاحة.
 
وإذا وُجد منتج في أي مكان من العالم، فالصين قادرة على.نسخه وإذا لم يوجد بعد، فهي قادرة على ابتكاره.
 
هذا الصعود لم يكن وليد العمالة الرخيصة وحدها، ولا نتيجة وفرة الأيادي العاملة.
إنه ثمرة إستراتيجية دولة تعرف ما تريد.
فما يُنجزه الغرب في أعوام، تُنجزه الصين في شهور.
 
وما يعتبره العالم «ملكية فكرية»، تعتبره الصين «معرفة يجب امتلاكها لخدمة الأمة».
 
خلف كل شركة أجنبية تستثمر هناك، درس خفي تتعلمه الصين.
 
خلف كل صفقة تجارية عقل يراقب ويستوعب.
 
الأفكار ليست حكراً على أحد، ومن يحترم الفكرة أكثر؟ من يتركها على الورق، أم من يُنزلها إلى خطوط الإنتاج؟
 
في عالم الطب والتكنولوجيا الحيوية، قدّمت الصين براهين صارخة على هذه الفلسفة الجديدة.
 
فقد أنتجت أجهزة سكانير ورنين مغناطيسي بأسعار تقل بكثير عن عملاقَي الصناعة «سيمنس» و«جنرال إلكتريك»، ففتحت باب التشخيص لمن كان حلماً له.
 
كما أنزلت إلى غرف العمليات روبوتات جرّاحة منخفضة التكلفة، مُستوحاة من النظام الأمريكي «دافنشي»، ولكنها متاحة لمستشفيات لم تكن تملك ثمن النظر إليه.
 
وبعد الجائحة، صارت لاعباً مركزياً في علم الجينوم، تصنع الفحوص الجزيئية والمواد المخبرية التي كانت تكلّف ثروات مستوردة من الغرب.
 
من هنا، لم تَعُد الصين ورشة العالم فقط، بل مختبره.
لم تعد تتبع الآخرين، بل تسير أمامهم.
تبتكر، تخطط، وتستولي على المستقبل بثقة المنتصر.
 
لماذا إذن تفشل دول كثيرة في استنساخ هذا النموذج الفريد؟
 
لأن الأمر يتطلب ما هو أكثر من مصانع وجدران إسمنتية.
 
يتطلب شعباً منضبطاً، ودولةً صارمة تُمسك بالبوصلة لعقود طويلة.
 
ثقافة العمل فيها تُشبِه تعبّد الصوفي لطريقه، وثقافة التعلّم فيها تحوّل كل ضعف إلى سلاح.
 
أما الدول الأخرى، فتعوقها السياسة قصيرة النفس، والمصالح المتضاربة، والارتهان الأبدي للتكنولوجيا المستوردة.
 
وكأنها تدور في حلقة مُغلقة: تستهلك لتعيش، لكنها لا تنتج لتنهض.
 
هنا يصبح السؤال أكثر جرأة: القضية ليست إن كانت الصين تُقلّد. القضية: كيف جعلت من التقليد سلّماً للسيادة؟**
 
كيف استحوذت على ما لدى الآخرين ثم سارعت لتتجاوزه؟
 
كيف انتقلت من موقع الدخيل إلى موقع القائد؟
 
هذا القرن قد ارتدى بالفعل الألوان الصينية.
والعالم يراقب مذهولاً محاولة اللحاق بهذا التنّين…
أو البحث عن طريقة لإيقاف زحفه.
 
الدكتور أنوار الشرقاوي
خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي