جمعيات صادقة تناضل في الميدان رغم الصعوبات، وأخرى لا وجود لها إلا في السجلات، بينهما شباب يؤمنون بأن التطوع رسالة ومسؤولية قبل أن يكون عملاً موسمياً.
يُعد العمل الجمعوي في أولاد امبارك مرآة صادقة تعكس واقع المجتمع المحلي بكل تناقضاته، بين النية الصافية والرغبة في التغيير من جهة، وبين العجز واللامبالاة من جهة أخرى. إنه نضال يومي هادئ، لكنه عميق المعنى، نضال من أجل الكرامة والتنمية وبعث الأمل في النفوس، في منطقة ما زالت تبحث عن موقعها في مسار التنمية القروية بالمغرب.
تواجه جماعة أولاد امبارك واقعًا مليئًا بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية، من هشاشة وبطالة إلى غياب الفضاءات العمومية التي تتيح للساكنة متنفسًا حقيقيًا. فالمنطقة لا تتوفر على حديقة أو مساحة خضراء، ولا على مكان مخصص للعب الأطفال، باستثناء دار الشباب التي كانت في السابق مقاطعة إدارية وتضم اليوم قاعتين فقط تُحتضن فيهما الأنشطة التربوية والثقافية رغم محدودية الفضاء.
لكن المفارقة أن عدد الجمعيات المسجّلة على الورق يفوق أحيانًا ما تحتاجه المنطقة فعلًا. فكم من جمعية تم تأسيسها فقط لطلب الدعم، أو لتبرير مشروع كُتب له الفشل قبل أن يبدأ؟ كثير من هذه الجمعيات وُجدت فقط من أجل الاسم: مكتب تأسيسي، ختم، صفحة فيسبوك مهجورة، وبعض الصور الموسمية. لا أنشطة حقيقية، ولا تقارير شفافة، ولا أثر ميداني. وتبقى الجمعية “حية” فقط عندما تُفتح أبواب المبادرة الوطنية أو يُعلن عن دعم جماعي.
هؤلاء أساؤوا إلى العمل الجمعوي وقتلوا الثقة فيه، حتى أصبح المواطن يشكك في كل مبادرة، ويتساءل: من المستفيد الحقيقي؟ هل هو مشروع لتنمية الساكنة أم وسيلة لتحقيق مصالح شخصية؟ هذه السلوكات جعلت الفاعل الجمعوي الجاد يواجه صعوبة مضاعفة، إذ عليه أن يعمل ويقنع في الوقت نفسه بمجانية نضاله ونُبل رسالته.
وفي مقابل هذا الواقع، يظل حضور الجمعيات التربوية محدودًا رغم الحاجة الماسة إليها. فعدد المبادرات التي تهتم بتربية الطفل أو تنمية مهارات الشباب قليل جدًا، في وقت يعيش فيه أطفال أولاد امبارك فراغًا قاتلًا بسبب غياب الأنشطة الموازية والنوادي الثقافية. كثير من الأطفال يملكون طاقات وذكاءً، لكن لا أحد يحتضنهم، لأن العمل التربوي الجاد لا يزال في بداياته، رغم أنه الأمل الوحيد لكسر دائرة التهميش والعزلة.
أما في الجانب الرياضي، فلا يختلف المشهد كثيرًا. الجمعيات والمدارس الرياضية التي يُفترض أن تُكوّن الأبطال أو تُبعد الشباب عن الانحراف، تعاني من كل أشكال الإقصاء والتهميش. فلا ملاعب مؤهلة، ولا تجهيزات كافية، ولا دعم مؤسسي. ومع ذلك، يظل الأمل قائمًا بفضل بعض المدارس الكروية المحلية التي تقدم الكثير للأطفال، وتُؤطرهم بروح تطوعية عالية. هذه المدارس تمثل نموذجًا يُحتذى به في التربية عبر الرياضة، حيث يلتقي الشغف بالإرادة في سبيل خدمة الطفولة والشباب.
غير أن جمعيات كثيرة أخرى تظل حبيسة السجلات الإدارية، بلا أثر ميداني ولا التزام مجتمعي، مما يزيد من صعوبة المشهد ويُضعف الثقة العامة. في المقابل، هناك جمعيات تشتغل في صمت، تسعى بجهدها المحدود إلى تقديم الدعم، وتنظيم القوافل الطبية، وإطلاق المبادرات البيئية والتربوية والاجتماعية. أعضاء هذه الجمعيات يرون في التطوع رسالة ومسؤولية قبل أن يكون وسيلة للظهور أو الربح.
العمل الجمعوي في أولاد امبارك ليس شعارًا يُرفع ولا مبادرة موسمية، بل هو نضال يومي من أجل الإنسان والمكان. إنه التزام أخلاقي ومسار طويل من العطاء في مواجهة الإكراهات. وحين يُدعم الفاعلون الحقيقيون وتُمنح الثقة للطاقات الصادقة، يمكن أن يتحول العمل الجمعوي إلى رافعة قوية للتنمية المحلية، وإلى مدرسة تزرع في الأجيال قيم التضامن والمسؤولية والعطاء.
نداء للسلطات المحلية والجهات المنتخبة:
إن أولاد امبارك في حاجة ماسة إلى دعم حقيقي ومستدام لعملها الجمعوي النزيه والهادف. فتمكين الجمعيات الجادة من الوسائل الضرورية، وتأهيل الفضاءات العمومية، وفتح آفاق للشباب للمشاركة في التنمية، ليست مطالب فئوية، بل شروط أساسية لأي نهضة مجتمعية. إن دعم العمل التطوعي ليس إحسانًا، بل استثمار في الإنسان والمستقبل، والرهان عليه هو الرهان على مغرب متضامن تسوده الكرامة والعدالة الاجتماعية.
إن أولاد امبارك في حاجة ماسة إلى دعم حقيقي ومستدام لعملها الجمعوي النزيه والهادف. فتمكين الجمعيات الجادة من الوسائل الضرورية، وتأهيل الفضاءات العمومية، وفتح آفاق للشباب للمشاركة في التنمية، ليست مطالب فئوية، بل شروط أساسية لأي نهضة مجتمعية. إن دعم العمل التطوعي ليس إحسانًا، بل استثمار في الإنسان والمستقبل، والرهان عليه هو الرهان على مغرب متضامن تسوده الكرامة والعدالة الاجتماعية.
حمزة وكيلي، فاعل جمعوي ومهتم بقضايا الطفولة والشباب