الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: نحن والصين الشعبية.. 1/2

عبد الحميد جماهري: نحن والصين الشعبية.. 1/2

أي زيارة إلى الصين الشعبية حدث، وعندما يقوم بها رئيس دولة، وملك المغرب، لا شك أنها تصبح زيارة لها تاريخ، ولها جغرافيا جديدة في السياسة.

الكل سيربط بين الخطاب الملكي في عيد العرش الأخير، والدعوة الصريحة لملك البلاد الى شراكة اسراتيجية مع الدولة العظمى الصاعدة، وهي شراكة أعلن عنها الملك في الوقت ذاته الذي أعلن عن أخرى مثيلة لها مع روسيا.

الصين اليوم، قبل أي تاريخ آخر هي بلاد المبادئ الثابتة المؤطرة للعلاقة مع العالم كله.
مبادئ الصين الشعبية، منذ أن أقلعت بلا هوادة مع دينغ كسياو بينغ ومنظومة «دولة واحدة ونظامين» (الشيوعي والرأسمالي)، تتلخص في عدم الدخول في أية مواجهات أو نزاعات عالمية، الاحترام المتبادل للاستقلال الوطني لكل دولة، مع التعاون المتوازن مع الدول الكبرى، لا سيما في التوجه والمجال الاقتصادي، حيث يعتبر الرئيس الحالي، وارث التقاليد السياسية منذ 1978، أن الأولوية هي الدفاع عن المصلحة الاقتصادية للبلاد.

ومن هنا نفهم الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها الصين في الخارج، من أجل أن تظل الاقتصاد العالمي الأول ، بدون أن تفقد قوتها أو أوراقها الرابحة في النزاعات الدولية... في فهم الصين الدولية سبق لكاتب هذه السطور أن حظي بلقاء مع المسؤول عن مكتب العلاقات الخارجية للحزب الشيوعي، الذي قدم لنا، كوفد مغربي زار الصين منذ أربع سنوات، المفهوم الجديد الذي يؤطر الديبلوماسية ويلخصه في "ديبلوماسية التنمية السلمية"، وهي تهدف إلى التنمية والتعاون والسلام واحترام اختيارات الشعوب، فالصين التي عانت وسط المعسكر الشيوعي ثم وسط المعسكر الليبرالي، تدري ما معنى الاختيارات الخاصة، وتعتبر أن الشعوب ترسم أنهارها وتلالها وسهولها بيديها، وتنحت لنفسها ملامح تاريخها بدون أن تطلب من نهر اليانغ أن يصب في الفولكا. الدبلوماسية ترتكز على سياسة عسكرية دفاعية وضد المسعى الهيمني وسياسة الأقوى، وسيدرك قادة الصين أن هناك من ينتقد هذه السياسة فيردون على المنتقدين بأن المطلوب اليوم هو دمقرطة العلاقات الدولية باحترام خيارات الشعوب الداخلية. ولهذا تتعامل الصين مع الأحزاب الشرعية التي يختارها أصحابها والحكومات الشرعية، ولاسيما منذ سياسة الانفتاح التي بدأت في 1978 مع الزعيم دينغ كسياو بينغ. والمبادئ الاربعة الرئيسية التي تلهم قيادة الصين منذ تلك الفترة هي الاستقلالية في القرار، والمساواة التامة بين الشعوب وعدم التدخل والتنمية السلمية..

في إفريقيا لا تخلو التوجهات الصينية من المارد القادر على أن يقفز من أسيا الى أدغال السودان، بحثا عن الموارد البشرية دون أن نسمع له صدى في صراعات البشير ودا سليفا سابقا، ثم دا سيلفا .. لاحقا..

فقد أصبحت الصين أول شريك تجاري للقارة السمراء، بحيث ارتفع حجم الاستثمار الصيني في سنة 2013 الى 25 مليار دولار وتوجد 2500 مقاولة صينية تستثمر وتنتج في القارة.. وتبلغ المبادلات التجارية الثنائية 210 ملايير دولار (والمستقبل سيعرف المزيد من الارتفاع لأن الصين تحتفط لنفسها باحتياطي رهيب من الصرف للاستثمار (3800 مليار دولار!!).

المغرب الذي يطمح الى أن يكون بلدا صاعدا أو من البلدان ذات الاقتصاديات الصاعدة، يجد في الصين شريكا متفهما والأخ الأكبر» بلغة الزمن السياسي القديم الذي كانت للصين فيه نبوءة إيديولوجية. وتتلخص النظرة الجديدة في إعادة النظر في التصور الذي انبنى عليه العالم منذ 1945 مع علو النظرة الغربية واستعلائها..

وقد سبق أن استمعت الى مسؤولين صينيين منهم الوزير المساعد في الشؤون الخارجية يتحدثون عن المغرب بحماسة وحميمية ، فقد تحدث الوزير المساعد الذي استقبلنا في بكين ببسمته الصينية، ليصف الصين الجديدة، ويتكرر على لسانه الإلحاح ذاته الذي سمعناه قبلا، بخصوص الانفتاح والإصلاح. تحدث عن المغرب وقال بأنه لم يزره مطولا، ولكنه يعرف بأنه بلد جميل وموقعه استراتيجي وهو صديق الصين. تحدث عن العلاقات المغربية الصينية والتي تعود إلى سنة 1958، وكيف أن المملكة كانت من أولى الدول التي تعترف بجمهورية شيوعية .

وتحدث عن العالم اليوم وعن دفاع الصين عن نفسها وعن موقفها من العلاقات الدولية، وعن المأمول في العلاقة مع المغرب. 

التجربة الصينية، والتنوع التجاري والشراكة الآسيوية تسير في الاتجاه نفسه: مجيئ الوزير الأول الكوري الى بلادنا ليس من باب الصدفة..

احتياطي الوضع أو ما يوازيه، حسب مقالة للوزير الاول الفرنسي السابق جان بيير رافاران، رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع والقوات المسلحة في مجلس الشيوخ الفرنسي، «ميزان القوى المبنى على الاقتصاد كسياسة.. وبعبارة أخرى فإن الصين لا تخلق من التوتر التعبير الوحيد لميزان القوى كما تريده النزعات الحالية شرقا وغربا الممهدة للحرب الباردة..

والاقتصاد هو الذريعة الصينية للدفاع عن عالم متعدد الاقطاب..

كما أن قضية الوحدة الوطنية للصين مبدأ مقدس، مثلما هو الامر بالنسبة للمغرب.. وللصين تجربة مغايرة في الجهوية، وقد قيض لكاتب هذه السطور أن اطلع، رفقة وفد من أحزاب الكتلة الديموقراطية زار بلاد العم ماو في 2010، على هذه التجربة بلسان من ينفذونها ويحرصون عليها في الواقع. وهكذا حصل أن تحدث إلينا السيد تشاو ويدونغ، المسؤول عن العلاقات الخارجية في الحزب الصيني عن التنظيم الترابي وعن الجهات الخمس التي تتمتع بالحكم الذاتي، وهو حكم يعطي إمكانية تشكيل حكومة محلية، حيث ينص الدستور على ذلك، ويتولى الشؤون المحلية الداخلية وقضايا الاقتصاد واللغة والثقافة. وتتولى الجهات الغنية احتضان الجهات الفقيرة، كما هو حال التبت أو الجهات الغربية. والصين هي دولة واحدة بنظامين سياسيين: النظام المركزي ونظام الحكم الذاتي، نظام التطبيق الصارم لمبادئ الاشتراكية الصينية ونظام الانفتاح الاقتصادي، حيث تسود المركزية الديمقراطية في العديد من الجهات وتتمتع ماكاو والتايوان بنظام رأسمالي في أفق "الوحدة السلمية للبلاد".
في اللقاء مع الكثيرين سنستفيد ولا شك من تواضع هذه القوة الهائلة. المسؤولون من كل رتب الدولة أو العلم يصرون على أن البلاد مازالت في طور النمو وأنها ليست دولة عظمى، وما زال بها فقر ومازالت بها فئات محرومة ومازالت الصين تضع ضمن أولوياتها الغذاء والكساء والمسكن.
ذلك التواضع الذي سنجده لدى المسؤولين مهما كانت مراتبهم أو مجالات نشاطهم، أساتذة.. مدراء معاهد... أو مسؤولين عن القطاعات الحزبية. التواضع الجم، فلم نسمع مرة واحدة مسؤولا يتحدث عن نفسه: لا أنا في بلاد العم ماو متضخمة تأكل نفسها وبلادها.

لا تمجيد للذات ولا »نزعة مفبركة، ومتعالية ...