عبد العزيزعليلي: تعنيف المدرس إنذار بالخطر المحدق بمنظومة القيم والأخلاق

عبد العزيزعليلي: تعنيف المدرس إنذار بالخطر المحدق بمنظومة القيم والأخلاق عبد العزيزعليلي
الأحداث  المؤسفة التي عشناها  خلال اليومين الأخيرين تسوقنا إلى  الوقوف على ما تعرفه   المدرسة العمومية من إنزلاقات..فالنبا الذي انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الإجتماعي يحكي عن عنف  كان بطله أب استهدف أستاذا بالضرب و السب أمام أنظار تلامذته. مشهد مؤسف نال  الإستهجان ، التنديد ،الإدانة من طرف الجميع ...  ولعل تكرار مشاهد العنف هاته - مع كل ما يتعرض لهالأستاذ من هجمات مختلفة تكاد لا تنقطع- يشكل مؤشرا خطيرا يسائل فينا قيم الوفاء، الإعتراف والضمير اتجاه صاحب الرسالة السماوية الذي كاد أن يكون رسولا ، كما يساءل  فينا أيضا مدى تشبع المجتمع المغربي بالأخلاقيات، الغايات، و المباديء التي كان يزخر به .
شيء مؤسف جدا أيضا أن ينفرد الأستاذ بحصاد كل هذا الكم الهائل من ''المكرمات'' عبارة  عن شحنات من العنف تجعله  ينفرد دون غيره من الموظفين العموميين بتلقي التنكيل ،الإهانة و السخرية من الجميع ...وتجدر الإشارة و كما هو ملاحظ أن قطاعات أخرى كالشرطة أو القضاء مثلا لايتجرأ أحد على النيل من موظفيها .  وبالتالي  فلما كل هاته الجرأة بل الوقاحة على المربي المعلم ؟ صورة بشعة تعبر عن تدني منسوب التقدير و الإحترام لمكانته ولمكانة المدرسة و معهما منظومة القيم في الوعي الجمعي المغربي . و لعل من المفيد أن نؤكد بأن سياسة التهميش و التحقير واللامبالاة بكرامة وبمكانة رجال ونساء التعليم من طرف الدولة هي التي أعطت المسوغ لكي يحظى بالطعنات من كل صوب .ولا غرو أن تكريس تعنيف الأستاذ والتهجم عليه لم يأت من فراغ ،بل تم التأسيس له بشكل ممنهج عبر العديد من الأساليب و الآليات حدًت من أدواره و مهامه داخل المؤسسة التعليمية و في المجتمع . كما أن مظاهر العنف لا تقتصر حصرا على كل ما يترتب عنه أذى بدني أو نفسي أو جنسي داخل المدرسة أو محيطها ، أو كل ما يتعرض اليه من شتى أنواع التعنيف ،الترهيب ، والتهديد من طرف أجهزة الدولة في الشارع و أمام البرلمان و تحت أعين القاصي و الداني ، بل تعداه إلى الإقتطاع من راتبه بسبب ممارسة حقه في الإضراب ، عن طريق تجميد ترقياته، عبر إدراج غسيله على الصفحات الأولى للجرائد الصفراء و القنوات البئيسة والتي تعمل على تسخير بلاتوهاتها الإعلامية لتحميل الأستاذ كل المآسي التي تعيشها المنظومة والمجتمع. ألا يعد هذا باعثا يدفع و يشجع كل من هب و دب على اقتحام حرمة و قدسية المكانة الإعتبارية للمربي للإطاحة برمزيته كحامل للقيم و العلم؟ يبقى العنف الممارس اليوم عموما انعكاس لا مثيل له يمارس في البيت والشارع على القطار في المساحات العامة ،عبر الإعلام و مؤسسات التنشئة الإجتماعية . 
 لا مكان للعنف و التعنيف بأشكاله و كيفما كان مصدره لانه في نهاية المطاف لا يولد إلا عنفا أشكال تصريفه متعددة. لكن لابد من التذكير و مسائلة أنفسنا بأيام ولت عندما كانت جملا مثل “ انت اذبح و أنا نسلخ ”مفتاحا تؤطر عملية الثقة في التعليم والتعلم وفي أسرته  سنين خلت. كان الأب يحضر إلى المدرسة ،لملاقاة الأستاذ ليصدر مثل هاته القرارات التأديبية بكل ثقة وعزم أمام دهشة المتعلمين وخوفهم. و يؤمن الأب كما الأستاذ بأن الشدة المقرونة بالضرب يتم اللجوء إليها كضرورة تربوية عندما تصير العملية التعليمية التعلمية عبثا وهباء. نسبة مهمة من الآباء يذهبون للمدرسة لمقابلة المعلمين لتوصيتهم بأن لا يوفروا جهدا في تأديب أبنائهم. يبدو بأن هذا التعاقد بين الأب و الأسرة ينم عن عقد ديداكتيكي قديم قوامه الإئتمان ، الإخلاص و الثقة. 
والتساؤل المطروح اليوم هو هل بإمكاننا بناء تعاقد ديداكتيكي مغاير يدفع بإعمال المقاربات البيداغوجية الحديثة المبنية على التواصل ،الحوار ، الإشراك و طرق التنشيط الحديثة في ظل محيط يعج بمنطق الزجر والهيمنة و الخضوع في كل الفضاءات!!؟ فعند تتبعنا لمنبع سيلانه نجده في المنزل ،في الشارع ،بالمؤسسات ،في الإعلام ... بل يمارس من طرف الدولة نفسها،مما يشكل  خطرا على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان؛وعنف الأخيرة أشد جلافة و فضاضة لأنه يكون مقرونا بالقمع ،والمنع والرغبة في السيطرة و التحكم .بإصدارها للمذكرة رقم 867/14 بتاريخ 17 أكتوبر 2014 بشأن اعتماد عقوبات بديلة ،توهمنا وزارة التربية الوطنية بأنها بصدد الإنخراط في مقاربة مبتكرة لتأديب المتعلم، تقوم على تقديم  ( خدمات ذات نفع عام ) داخل المؤسسة التعليمية. المتمعن في هذا المنظور الجديد للتأديب يدرك بأن المتعلم يتعرض لممارسات ضمنية و علنية للعنف الرمزي داخل أماكن غير ملائمة و لا تتمتع بالمواصفات المناسبة، كتنظيف مرافق المؤسسة أو إنجاز أشغال البستنة ، المساعدة قسرا في تقديم خدمات المطاعم و الداخليات المدرسية ... ألا تشكل هاته الإجراءات نوع من الإذلال و ممارسة جبارة للسلطة ؟ هناك تجليات أخرى للعنف تمارس عليه بعيدا عن فحوى هذه المذكرة كوزن الحقيبة المدرسية المرهق مثلا و الذي لا يقوى متعلمو الفصول الأولى من التعليم الإبتدائي على حملها، و كذا إجراء الإمتحانات في درجة حرارة تفوق الأربعين ...تعددت الأسباب و العنف واحد.
علينا جميعا أن نجابه العنف بالفكر ،بالعقل بالقانون وبالعدالة الإجتماعية وبالإنصاف. علينا أن نعيد للأستاذ كرامته و هيبته و ذلك  بالرفع من صبيب الروح المعنوية لديه و جعله مهاب الجانب .فهذا هو المنحى الصحيح. و لنؤكد بالمقابل بأن هيبة المعلم لا تأتي  بالعنف والضرب بل بالتعامل الجيد على اعتبار أن العنف  و العنف  المضاد في المدارس المغربية يكون مهينا، يسفر عن دورة حياة أخرى مليئة بالعنف لا نعرف مداها. وبات ينتج أجيالا ناقمة ،متهورة لا تكن أي إحترام لا للأستاذ و لا للقدوات. علينا تبني قاعدة المساواة والإنصاف وخضوع الجميع للقانون كمقاييس عليا يوزن بها تصرف كل من الدولة والأفراد والجماعات.
على الوزارة الوصية و هي تشرف على المشاورات الوطنية لتجويد المدرسة أن تساهم في تقوية القيم الثقافية والأخلاقية المغربية من خلال النشء . على الدولة أن تسعى  :
اولا – إلى تجريم الإعتداء على الأستاذ و المدرسة وعدم التساهل في حمايتهما بالطرق القانونية والإدارية اللازمة.
ثانيا – إلى إعتماد مقاربات تحسيسية و تربوية تستهدف أمهات و آباء و أولياء التلميذات و التلاميذ
ثالثا –إلى مد جسور التواصل بين المدرسة و الأسرة
رابعا – على إعلامنا الوطني أن يشتغل على صناعة رأي عام يعيد الهيبة و القيمة الإعتبارية للأستاذ و للمدرسة العمومية و في نفس الآن يستنكر و يسفه كل الأفعال المشينة التي تتعرض لها المدرسة العمومية بجميع مكوناتها و يشجبها. 
خامسا - على الأطر التربوية و الإدارية تفويت فرص النيل من سمعتهم ،كرامتهم و وضعهم القيمي في المجتمع و ذلك بتفادي الممارسات التي قد تسيء اليهم و تحط من قيمتهم.
أعيدوا للأستاذ هيبته وللمدرسة العمومية بريقها
عبد العزيز عليلي فاعل جمعوي