في برنامج "مدارات": شاعرية حسن الطريبق بالعربية لا تقل عن شاعريته باللغة الاسبانية

في برنامج "مدارات": شاعرية حسن الطريبق بالعربية لا تقل عن شاعريته باللغة الاسبانية الأديب المغربي الراحل الدكتور حسن الطريبق

خصص الزميل عبد الإله التهاني حلقة الثلاثاء 7 يونيو 2022، من برنامجه الإذاعي "مدارات "، عبر الإذاعة الوطنية من الرباط، لاستحضار سيرة الأديب المغربي الراحل الدكتور حسن الطريبق، حيث رافقه في هذه الحلقة، وجهان وازنان في ساحة الفكر والإبداع بالمغرب، وهما الشاعر والناقد والأكاديمي الدكتور عبد اللطيف شهبون، والكاتب المسرحي والقصصي والدارس الأدبي الأستاذ رضوان حدادو، وذلك اعتبارا لما تقاسمه كل منهما مع الراحل الدكتور حسن الطريبق من ذكريات، وعلاقات فكرية وإنسانية.

وفي هذا السياق، ذكر معد ومقدم البرنامج في ورقته التقديمية، بأن الثقافة المغربية المعاصرة، فقدت في أبريل المنصرم عمادا من أعمدتها، وصرحا كبيرا من صروحها الشامخة، وعلما من أعلامها البارزين، هو الأديب اللامع المرحوم الدكتور حسن الطريبق، الذي يحفظ له تاريخ الثقافة المغربية المعاصرة مكانة متميزة، وموقعا رياديا، بالنظر إلى غزارة إنتاجاته الأدبية وإسهاماته الفكرية، وتنوع المجالات التي كتب وأبدع فيها.

وأبرز تعدده الإبداعي واصفا إياه، بأنه كان شاعرا وكاتبا وناقدا ودارسا أدبيا، ومؤلفا مسرحيا، ومترجما أدبيا، كما وصفه بأنه المربي والأستاذ المؤطر، بدءا من انشغاله بالتدريس في سلك التعليم الثانوي، وانتهاء بعطائه الزاخر كأستاذ جامعي، ظل يحاضر ويشرف على الأبحاث والدراسات الأدبية والفكرية، لأفواج من الطلبة والباحثين.

وأضاف عبدالاله التهاني بأن المرحوم حسن الطريبق، يقف في طليعة الأصوات الثقافية التي أنبتتها التربة المعطاء، والأرض الولود لمنطقة الشّمال المغربي، بما عرف عن هذا الرّبع الطيب، من رسوخ وتجذر في العلم والإبداع على مدى الحقب، حيث رأى المرحوم حسن الطريبق النور، تحت سماء مدينة القصر الكبير، وفيها كانت خطواته التعليمية الأولى، قبل التحاقه بكلية الآداب بفاس، التي تخرج منها، مواصلا دراساته العليا بها، ثم

جامعة محمد الخامس في الرباط

وأشار إلى أنه موازاة مع كل أطوار ومراحل هذا المسار العلمي والمهني الطموح، كان المرحوم حسن الطريبق قد نحث لنفسه إسما أدبيا ومكانة فكرية، بالنظر إلى تبلور مواهبه الإبداعية بشكل مبكر، وهو في يفاعة شبابه. يكتب قصائده الشعرية، وينشر مقالاته الأدبية، ويتحدث في الندوات والأمسيات الثقافية، قبل أن يزداد حضوره في الساحة الثقافية المغربية ويتنامى بكتاباته الأليفة على صفحات جريدة "العلم" وملحقها الثقافي الأسبوعي، وكذا في مجلة "المناهل"، ومجلة "دعوة الحق"، ثم لاحقا بما أصبح يصدره من دواوين ومسرحيات شعرية ومؤلفات، في شكل دراسات أدبية.

وأوضح الزميل التهاني، بأن المرحوم الدكتور حسن الطريبق لم يكن شاعرا فحسب، بل كان مثقفا موسوعيا، استوعب ذهنه رصيدا ضخما من أشكال ومستويات المعرفة، من آداب وفلسفة وتاريخ وحضارة وفنون، إلى اطلاعه الواسع في الفقه والشريعة والفكر الديني، مسجلا أن المرحوم الدكتور حسن الطريبق، كان رجل جدل وحوار ومناظرات، على اعتبار أنه انخرط مبكرا في سجالات فكرية ساخنة مع أقرانه وأبناء جيله، من مختلف الحساسيات الثقافية والمشارب الإيديولوجية، ولاسيما في النصف الأول من ستينات القرن الماضي.

وأضاف بأن تلك المساجلات الأدبية والفكرية التي لم تكن تخلو من تجاذبات سياسية، قد كشفت عمق إطلاعه على أصول الثقافة العربية ومستجداتها، بقدر معرفته الدقيقة بالثقافات الإنسانية الأخرى شرقا وغربا، مشيرا إلى أنه كان يتقن اللغة الإسبانية ويبدع بها، ولا أدل على ذلك من ديوانه الشعري الذي كتبه باللغة الإسبانية، ونشره تحت عنوان "صدى الهروب".

شهادة الشاعر الدكتورعبد اللطيف شهبون

وفي مداخلته، قال الشاعر الدكتور عبد اللطيف شهبون، بأنه حينما يتذكر المرحوم حسن الطريبق، فإنه ينعش ذاكرته، باسترجاعه ذكريات جميلة معه، بدءا من منتصف عقد الستينات من القرن الماضي، مشيرا إلى

أنه قرأ له في البداية، مسرحيته الشعرية (وادي المخازن)، بعد أن عثر على نسخة منها في مكتبة الحاج عبد السلام شهبون، وأنه حين قرأها اندهش لكونه لم يسبق له أن قرأ لمبدع مغربي

من غير المرحوم الطريبق، نصا مسرحيا شعريا، مستحضرا كيف أن ذلك الفعل القرائي، ربطه بما وصل إلى علمه من كتابات مسرحية شعرية شرقية، معتبرا أن حسن الطريبق بذلك العمل، يؤصل لسبق في نمط من الكتابة المسرحية الشعرية.

وفي معرض حديثه عن ذكرياته مع الاديب الراحل، استرجع أيام اللقاء بينهما، وهو أستاذ طالب بالمدرسة العليا للأساتذة، ثم في كلية الآداب بفاس خلال مطلع العقد السبعيني، ثم قبيل انتقاله إلى تطوان، حيث كان يحضران إلى عدة لقاءات ثقافية مشتركة في القصر الكبير والعرائش وتطوان وطنجة.

وشدد على أن حسن الطريبق كان بسيطا ولكن كريما، وأن الكلام لا يمكنه أن يستوعب حجم كرمه.

وأوضح الاستاذ عبد اللطيف شهبون، بأنه اهتم بقراءة جل أعمال المرحوم، سواء في مجال النقد أو الإبداع، وأنه شارك في تقديم بعضها، إما في إطار اتحاد كتاب المغرب، أو جمعيات ثقافية ومؤسسات علمية، أوفي شعبة اللغة العربية بكلية الآداب في تطوان، كاشفا أنه قام بترجمة بعض النصوص الشعرية التي كتبها المرحوم حسن الطريبق باللغة القشتالية، واصفا ذلكبأنه يمثل حالة فريدة، بالنظر إلى أن المرحوم، هو شاعر بالفصيح العربي ، وشاعر باللغة القشتالية، وأن ديوانه الجميل (صدى الهروب) يؤكد درجة شاعريته بهذه اللغة، وأنها لا تقل إطلاقا على مستويات شاعرية باللسان العربي .

وعن علاقته بالشاعر حسن الطريبق، قال: لقد امتدت صلاتي، وصلات صلاتي بالمرحوم حسن الطريبق، لما ينيف عن خمسة عقود، كلها صفاء ومودة. وأن الراحل كان شاعرا أصيلا، مالكا متملكا للغة الإسبانية واللغة العربية، مبرزا أنه انطلق في آفاق تجربته الوجودية والإبداعية، غائصا في لجج بحار المعارف، بعيدا عن الزخارف، ومحلقا في سماوات ليصل بحلمه إلى سدرة منتهاه، يغشاه ما يغشاه.

وخلص إلى القول بأن الجميل، هو أنه لم يكن يرى في كل ذلك سوى خالقه، يراه عن يقين وحقيقة، ولو أن هذا الجانب لم يهتم به النقاد .

وفي سياق متصل، أضاف الأستاذ عبداللطيف شهبون بأن حسن الطريبق وطيلة مسيرة الحياتية، ظل منزها عن الالتفات إلى غيره، حتى في زمن محنته التي دونها رحمه الله في كتابه الأخير (مذكرات سجين)، وهي من أبدع ومن أجمل وأرقى، ما يمكن أن يقرأ في أدب السجون، حيث كتبه بدرجة عالية من التمكن ومن الثبات الفكري، ومن الخيال والسخرية.

وأضاف بأن محنته تلك محنة قدمت لنا كتابا، هو من أروع ما يمكن أن يقرأ في السيرة الذاتية. وخاصة في أدب السجون.

واعتبر الأستاذ شهبون أن الحديث عن حسن الطريبق، هو حديث عن إنسان وفيّ ومخلص، وخادم للأجيال، وشاعر متألق، وسم جغرافية الشعر بالمغرب الحديث والمعاصر، بأبنية وأنساق ومضامين وقيم، مشددا على أنه كان سياسيا وطنيا ونبيلا، رافضا أن تتحول السياسة إلى فضاء للاستغلال.

وفي رده عن سؤال من نعد ومقدم البرنامج ، يتعلق بفترة السجالات الأدبية والفكرية والتي لم تكن تخلو من تجاذبات ، مع أبناء جيله من تيارات ومشارب إيديولوجية وحساسيات ثقافية أخرى، أوضح الدكتور عبد اللطيف شهبون ، بأن تلك السجالات ، كانت محصورة بين سنوات مديدة (بين 1972 و 1990)، حيث كان النقاش خلالها فيه تجاذب، وهي مرحلة كانت متعددة الأوجه والمداخل من الناحية السياسية، مبرزا أن الجميل هو أن الذين شاركوا فيها، جلهم مازالوا أحياء ، والآن هم يعودون رغم المسافة الزمنية، إلى تقويم ذلك السجال، فيعترفون بأنه كان سجالا نقيا وموضوعيا، والمثال الحي هو ما قاله الاستاذ الناقد نجيب العوفي في هذا الصدد، وهو الذي كان يعتبر أن حسن الطريبق، ممثلا لما سماه بالكلاسيكية الجديدة التي ظهرت في فرنسا، ومن روادها (أندري شينيي) الذي قال ما معناه "فلنصغ أفكارا جديدة في أبيات قديمة".

وأكد ضيف البرنامج الدكتور عبداللطيف شهبون على أن أفكار حسن الطريبق كانت جديدة، بينما صنعته الشعرية كانت تقليدية (أي في قالب كلاسيكي)، مذكرا برأي الناقد نجيب العوفي، حين يقول بأن هذا التيار النيو كلاسيكي، هو في طريقه إلى الانقراض، لكن لجميل في نظره أن الاستاذ نجيب العوفي نفسه، يؤكد أنه "لا حداثة بدون التمكن من آليات القراءة، وهي البلاغة والنحو والعروض ..." بمعنى أنه لا يمكن أن ندعي جديدا، ونحن نهمل الجوانب اللغوية وآليات القراءة. ووصف الدكتور عبد اللطيف شهبون ذلك السجال الذي شهدته الساحة الثقافية المغربية، بأنه كان ينزاح أحيانا عن موضوعيته، ليدخل في زوايا بعيدة عن الموضوع النقدي، أي إلى مجال السياسة، ولكنه كان ينبه إلى أشياء تحث على النظر السليم، بدل التدليس والتزييف.

وشدد الدكتور شهبون على أن النقطة المشتركة، هي المسؤولية العلمية والأخلاقية، حيث كل واحد كان يراها من زاويته، مؤكدا أن الجميل في الأستاذ المرحوم حسن الطريبق، أنه كان واعيا ناضجا فيما يقول، وكان ينجذب إلى الرأي الحديث في إسبانيا، وخاصة ما كان يقوله (أنطونيو غالا) آخرون، من ضرورة احترام الرأي الآخر.

سجل الأستاذ عبد اللطيف شهبون أسفه الشديد، كوننا افتقدنا اليوم تلك الروح النقدية، وروح المسؤولية، وروح النقاش الذي لا يركب المغامرة دون حجاج علمي، معتبرا أن الاختلاف رحمة.