شراد: هذه حكاية أغنية شعبية توثق لقصة حب جمعت بين إيميلي كين و مولاي عبد السلام الوزاني

شراد: هذه حكاية أغنية شعبية توثق لقصة حب جمعت بين إيميلي كين و مولاي عبد السلام الوزاني عبد الرحيم شراد

"هَا أَنَا وَ أَنَا شُوفُو حَالْتِي.. أَنَا بَعْدَ كَنْغَنِّي وَالزِّينْ قْبَالْتِي"

أكد الأستاذ عبد الرحيم شراد في منشوره: "كنت في طفولتي كلما ذكرت مدينة طنجة إلا وأقول (عروس الشمال)... لم تكن طنجة تستهويني بجمالها فقط، ولكن كذلك كانت تغريني بسحر قصص الحب المشوقة"... هكذا تمثل مدينة طنجة بالنسبة للباحث عبد الرحيم شراد كتاب يحوي بين دفتيه ألف حكاية و حكاية، واختار في هذه الحلقة أن يحكي واحدة من الحكايات الجميلة والتي ارتبط موضوعها بأغنية: "هَا أَنَا وَ أَنَا شُوفُو حَالْتِي.. أَنَا بَعْدَ كَنْغَنِّي وَالزِّينْ قْبَالْتِي".

 

إن المرأة الحسناء التي أرفقها بالمنشور، هي شابة انجليزية الأصل، إسمها بالكامل "إيميلي كين"، و كل ما ذكره من معلومات تخصها، مرجعه الأساسي فيها هو كتابها الذي تروي فيه بعض فصول حياتها وهو تحت عنوان: "My Life Story " . حسب الأستاذ شراد.

 

قصة هذه المرأة بدأت مع نهاية سنة 1872 حينما ستستقر بمدينة طنجة كمربية أطفال عند أسرة أمريكية، وفي مدينة طنجة صادفت "إيميلي كين" أكثر من مرة شابا وهي في طريقها. وهكذا كان اللقاء، خصوصا وأن الشاب كان عاشقا للموسيقى والحفلات الغنائية.

 

تصف "إيميلي كين" في كتابها حبيبها الشاب، ـ حسب منشور الباحث عبد الرحيم شراد أنه "كان جميل الصوت، محبا للغناء، وكان يعزف على آلة الكمان التي كان يحملها معه أينما ذهب". لقد كان هذا الشاب الذي أغرم بإيميلي وهامت هي كذلك في حبه، هو مولاي عبد السلام بالعربي الوزاني شيخ الزاوية الوزانية بمدينة وزان .

 

إن زواج مولاي عبد السلام بلعربي الوزاني و إيميلي كين لم يكن سهلا، فقد أثار غضب السلطان المولى محمد بن عبدالرحمن، وكذلك علماء القرويين بفاس . فكيف يمكن لشيخ زاوية لها حضورها أن يتزوج بنصرانية؟ خاصة أنه طلق زوجاته الثلاثة من أجل الزواج بها.

 

وحسب الأستاذ شراد، فهذا الزواج استمر إلى غاية 28 سبتمبر 1892. (تاريخ وفاة الحاج مولاي عبدالسلام بمدينة طنجة) . بعد هذا ستأخذ طفليها من الشيخ وستذهب إلى السلطان مولاي الحسن الذي سيستقبلها في قصره و يقدم لها التعازي ويتعهد بالتكفل بها وبولديها. وظلت إيميلي كين تعيش بمدينة طنجة إلى أن فارقت الحياة سنة 1943، بنفس المدينة التي شهدت قصة حبها.

 

الحقيقة أنه حينما نقرأ قصة حياة إيميلي كما كتبتها بالإنجليزية. لا بد و أن تخطر ببالنا أغنية: "هَا أَنَا وَأَنَا شُوفُو حَالَتِي". لذلك يرجح الباحث بقوله: "أرجح كثيرا أن أول من لحنها وغناها هو الشريف عبد السلام بالعربي الوزاني، زوجها الذي قالت عنه أنه كان جميل الصوت يحب الغناء والعزف على الكمان. و في الغالب أنه ارتجل هذه الأغنية على إثر جفاء كان بينه و بين زوجته إيميلي كين بسبب أحد الفرنسيين الذي قالت عنه أنه حاول أن يفسد العلاقة بينها وبين زوجها.

تقول كلمات الأغنية: "أَنَا وَ أَنَا. شُوفُو حَالْتِي. أَنَا بَعْدَا كَنْغَنِّي وَالزِّينْ قْبَالْتِي. أَنَا وَ أَنَا مَا عَنْدِي زْهَرْ. أَنَا نَبْغِيهْ بِالنِّيَةْ و هو عاطي بالظْهَرْ. أَنَا وَ أنَا مْجَرْدَةْ فِي الألْوَانْ. أَنَا وَ أَنَا شْرِيفَةْ وَزَّانْ (هذا هو اللقب الذي حملته إيميلي كين بعد زواجها من الشريف مولاي عبد السلام، حيث أصبح الكل يناديها "شْرِيفْةْ وَزَّانْ").

 

وللتأكيد على صحة ورجاحة منشوره البحثي أكد شراد بالقول: "الحقيقة أن مسألة الألوان تذكرني دائما بشخصية ملكة بريطانيا إليزابيت الثانية. و كيف كانت تبهرنا بألوان ملابسها. أعرف أن النساء الإنجليزيات تعشقن أكثر من غيرهن الحلويات والعسل، يتناولنه كثيرا مع فناجين الشاي".

 

وأضاف موضحا بأن الأغنية تشعرنا بهذا كما أشعرتنا بالألوان حينما نسمع: "أَنَا وَ أَنَا. مْجَرْدَةْ فِي لَبْيَضْ. تْقُولِيهَا غِيرْ حَلْوَةْ مَصْنُوعَةْ عْلِى اَلْيَدْ (إنها حلوة كما نقول بالدارجة " مصنوعة على حقها و طريقها ماشي حلوة سوَّاقية). ويستشهد بكلام الأغنية: "أَنَا وَ أَنَا مْجَرْدَةْ فِي لَكْحَلْ. تْقُولِيهَا غِيرْ شَهْدَةْ وَ مْعَمْرَةْ بِالَعْسَلْ. أَنَا وَ أَنَا مْجَرْدَةْ بِالْأَحْمَرْ. غِيرْ رَايَةْ وَ مْعَلْقَةْ فِي لَقْصَرْ.

 

(المعروف عن إيميلي أنها كانت تجيد العزف على آلة البيانو، التي كانت تملكها في بيتها وقد كانت تجيد اللهجة المغربية الدارجة، لهذا أرجح أن هذه الأبيات التي ذكرت هي من إرتجالات إيميلي التي كانت في الغالب، ـ كما قالت ـ تجلس للعزف في غرفتها قبالة النافذة المفتوحة على البحر، لأن في هذه الأبيات إشارة إلى دخولها القصر بفاس عندما ذهبت عند السلطان مولاي الحسن : "أَنَا وَ أَنَا مْجَرْدَةْ فِي لَخْضَرْ. تْقُولِيهَا شْرِيفَةْ وُ دَاخْلَةْ لِلَقْصَرْ".

 

يبدو أن إيميلي ـ حسب رأي عبد الرحيم شراد ـ قد عانت بعض المضايقات من بعض الأشخاص الذين حاولوا الحد من حريتها. حيث تقول الأغنية: "اَلِّلي بْغَيْتُو نْدِيرُو جْمَافُو عْلَى اَلْبَاشْا. جْمَافُو عْلَى اَلْبِيرُو". إنها ذات جنسية بريطانية و زوجها عبد السلام الوزاني كان يتمتع بحماية خاصة من القنصلية الفرنسية.

 

وختم عبد الرحيم شراد منشوره بالقول: "قد يحاول البعض أن ينسب هذه الأغنية لنفسه وما أكثر المطربين الشعبيين الذين أخذوا كلمات غيرهم وألحانها فتغنوا بها وحققوا الشهرة ونسبوها إلى أنفسهم. لهذا فالذاكرة مهمة في هذا المجال وما ذاكرة الثقافة الشعبية المغربية إلا التاريخ المنسي ، الذي أحاول البحث في بعض متونه الغنائية".