سحر الصويرة يأسر عبد الحميد دادس: بين فن " الكاليغرافيا " ورسم الحروف العربية

سحر الصويرة يأسر عبد الحميد دادس: بين فن " الكاليغرافيا " ورسم الحروف العربية الفنان التشكيلي عبد الحميد دادس
بعد حوالي عشرين سنة من الغياب عن المعارض الفردية، ها هو الفنان التشكيلي عبد الحميد دادس؟ يتورط أخيرا في سحر وإلهام الصويرة ، ويورطنا في جمال لوحاته من جديد حين يدعونا إلى معرضه السابع هنا في الصويرة .وهنا أيضا يأسرنا وإياه في عشق الخط العربي. ويخبرنا بسر التواطؤ الفني الكامن في إمكانية التشكيل، والتركيب ،والتعبير، من خلال رسم ذات الخط.
 قد يقول المتتبع والناقد أن عبد الحميد دادس فنانا كاليغرافيا فقط !! 
ويقول عبد الحميد نفسه، وفي تواضع الفنان العارف، أنه ليس خطاطا، بل هو مجرد رسام للخطوط فقط !!
ونقول، وبكل تجرد، وحياد، وموضوعية،أنه مبدع، رسم الخطوط، وخط الرسوم ،وتجول بين كل مكونات النص التراثي، والثقافي، والديني، بحكمة الدارس، وسلطة الممارس، وحرية الفنان .
إنه عبد الحميد دادس، والذي لم تتعبه مهنة المتاعب- الصحافة- بل أعانته وأهلته كي ينحث الخطوط رسوما جميلة، عساها تصير أرساما شاهدة على امتداد العلاقة، وحميمية التماس، بين الكتابة والكاليغرافيا والإبداع الخالص.
هنا في الصويرة، وفي فضاء دار الصويري، وبكل حب لهذه المدينة التي يعتبرها دادس محطة إلهام له ،كانت لنا الفرصة والفسحة، كي نطل على أعماله، ونطل على الصويرة من خلالها كموضوع حكاية وحياكة تنسج في هدوء بريشة فنان تجتمع فيه كل أشكال سحر الكتابة والرسم، فكان لنا معه هذا الحديث الصادق: 
 
إن كان من الممكن سي عبد الحميد، حدثنا عن البدايات ؟ وعن علاقتك بالخط العربي الكاليغرافيا، ولماذا هذا الاختبار للتعبير الفني ؟؟
أود بداية أن أشكرك على اهتمامك بهذا المعرض لكي أذكر أني ربما من المحظوظين لكوني من مواليد مدينة فاس. حاضرة العلم و الثقافة و المدينة الملهمة حيث ولدت لدي هذه الملكة منذ الصغر. أتذكر انه في سن العاشرة كانت التلفزة المغربية أيامها تنتج برنامج "رسوم للأطفال"، كان يعده الفنان عبد الله الفيلالي. وكان عبارة عن مسابقة رسمية بين أطفال المملكة ويتنقل عبر المدن لانتقاء المواهب الصاعدة. وفي مسابقة مدينة فاس كان الموضوع هو رسم المنظر العام للمدينة القديمة، وبعون الله وفقت في الحصول على المرتبة الاولى على صعيد المدينة والمرتبة الثانية على الصعيد الوطني، وكانت المكافئة في المناسبتين عبارة عن أدوات الرسم و صباغة وما الى ذلك من لوازم. 
منذ ذلك الحين وأنا اشتغل بالرسم بتشجيع من الأسرة وايعاز من اخي الذي كان يشتري لي كتبا خاصة بتعليم الرسم، تاريخ هذا الفن و مدارسه و مذاهبه. هذا التعلم و الدراسة الذي دأبت عليهما بالموازاة مع الدراسة التي كانت اسرتي تؤكد علي بالتفوق فيها، إن كنت أنوي متابعة الرسم. 
بعد ذلك التحقت بإحدى فرق مسرح الهواة أواخر السبعينات، واضافة إلى التمثيل والتأليف كنت شديد الاهتمام بالمناظر (اي الديكور).ومرة أخرى وجدتني انجز لوحات فنية وصفت آنذاك بقربها من المدرسة السريالية، وكانت تضفي جمالية خاصة وبعدا فنيا مميزا على العروض. 
أما بالنسبة للخط العربي فالعلاقة مع هذا الفن تعود كذلك إلى الطفولة وبالخصوص الى أيام "المسيد" (المدرسة القرآنية) التي كانت مرحلة أساسية في تعليم أبناء جيلنا. كان الفقيه يقوم بتخطيط السور القرآنية(يحنش) بظهر القلم على الألواح الخشبية (عملية تدعى التحناش)، ونحن نعيد كتابتها بالمداد. لذا اعتبر الى الان أنني لست خطاطا (كاليغراف) بل رساما للحروفdessinateur des lettres. و طبعا، ككل فنان عصامي واكبت ذلك بالبحث والدراسة و التعمق في سبر أغوار هذا الفن و مدارسه ومذاهبه ومرافقة بعض فنانينه ومبدعين بالمدينة وخارجها. واختياره اليوم كوسيلة للتعبير نابع مرة أخرى من المدينة حيث بالإضافة إلى الزخارف والإبداعات العمرانية، نجد دائما الخط كمكون اساسي في هذا الثرات الذي أحاول، من خلال أعمالي المتواضعة المساهمة في الحفاظ عليه. 
 
نعلم أنك امتهنت الصحافة لسنوات طويلة، ومارست في ذات الوقت الفن التشكيلي أو الكاليغرافيا، فكيف ترى شخصيا،وموضوعيا، العلاقة بين المجالين؟ الفن والتشكيل والإعلام ؟ فهل يمكن أن نتحدث عن تكامل أم تقاطعات أم قطيعة أم تمفصلات مرتبطة بكل مجال وتجربة على حدى؟
اعتقد أنني في هذا الباب كنت أيضا من المحظوظين، إذ كانت بدايتي في العمل الصحفي من باب المتابعة والتغطية للحركة الفنية على اعتبار أنني كنت أيامها، (بداية الثمانينات) على علاقة وثيقة بالميدان الفني لممارستي، كما سبق وأشرت، للمسرح. فلم يكن من الصعب علي وجود مادة للكتابة ووجدتني بعد سنتين ارتقي بل وارقى، بفضل تشجيعات اساتذتي في الميدان، الذين أدين لهم بالشكر والامتنان، وعلى رأسهم أخي واستاذي عبد الغني دادس، وأخي عزيز دادس، واستاذي عبد السلام الزروالي الذي كان و دلا يزال سندا لي، ومحمد الباتولي، والمرحوم محمد علي الهواري، و البوسرغيني، والمرحوم عبد السلام السفياني، الذي علمنا أصول لغة النقد، والمرحوم محمد الطنجاوي، والأساتذة الكبار المرحومين الطيبين العلج و الصديقي، وفريد بلكاهية، وأعتذر ان كنت قد نسيت أحدا، فاللائحة طويلة، والشكر والامتنان موصولان لكل من ساهم في ترقيتي الى درجة ناقد فني متميز وكل من ما زال يدفع بي. وأخص هنا بالذكر كل اصدقائي وزملائي من مسرحيين وخاصة اخي رشيد امثول والحاج محمد خشلة، وكذلك صحافيين و نقاد وباحثين، وعلى رأسهم أخي وصديقي الدكتور عبد الله الشيخ. من هذه الاشارة يتبين انه ليس هناك اي تقاطع بين المجالين بل هناك تكامل وإغناء و إثراء لكل تجربة من الاخرى، على اعتبار أن ما لا يقال بالقلم يخط بالريشة والعكس صحيح. كل ما هنالك ان المشكلة تكمن في الوقت. فمهنة المتاعب تاخذ منك الكثير من الوقت، ان لم نقل الوقت كله بحيث يصعب مع ذلك فعل أي شيء آخر كيفما كانت رغبتنا ومهما كبرت عزيمتنا وارادتنا، اللهم الا في أيام العطلة و التي ينبغي خلالها تخصيص وقت للابناء وللأسرة الصغيرة، من تم يكون وقت الابداع ضيقا او منعدما وباعتبار انني اكره العمل بسرعة الذي تغيب فيه دائما الدقة و الجمالية و الكمال، أفضل إرجاء العمل الى حين يكون لدي الوقت لذلك. وهذه هي المشكلة الوحيدة في نظري فيما يخص ممارسة العملين معا.

علمنا ونحن في معرض الصويرة هذا، أنه المعرض السابع عددا في مساركم الفني، وللرقم والعدد 7 رمزية خاصة في الثقافة العربية والإسلامية ،فلماذا الآن وبعد 22 سنة من الغياب ؟ ولماذا الآن والصويرة، كفضاء لاستقبال معرضكم الجديد؟
بالنسبة للرقم 7، أشكرك على هذه الملاحظة، لكن أسمح لي بالاشارة الى ان هذه مجرد صدفة. و المعرض فعلا هو السابع بشكل فردي، اذ هناك ما يزيد عن عشرة معارض جماعية، كان لي شرف المشاركة فيها بكل من فاس ومكناس والمحمدية وطنجة...أاما عن الغياب، فقد كان بسبب، كما اشرت، العمل الصحفي وتكليفي أثناء مساري المهني بمهام رسمية لم يكن ممكنا معها عمل اي شيء آخر ،مثلا: مستشار بديوان والي جهة الدار البيضاء الكبرى مكلف بملفات كبرى وبالتواصل، او مدير الاتصال بالشركة الوطنية للتهيئة الجماعية، أو مدير التواصل و الإعلام لشركة انتاج برامج تلفزة الواقع ومدير التواصل ومدرس المادة بمدرسة مهن السينما بالدار البيضاء وغيرها... فكلها مهام تستدعي ان نخصص لها الوقت والاهتمام والتركيز ورغم ذلك، لا أخفيك أن الهاجس الفني كان دائما حاضرا وكنت بين الفينة والأخرى أضع قبعة المسؤول لأرتدي قبعة الفنان وأسرق بعض الوقت للبدء في إنجاز بعض من الأعمال المعروضة اليوم. أما عن الصويرة فلهذه المدينة الساحرة عشق خاص ومكانة متميزة في القلب والذاكرة ولا أخفيك انني أعشق كل المدن المغربية من طنجة الى الݣويرة، و لكن لبعض هذه المدن سحر خاص، وهي في اعتباري مدن تلهم الفنان و تؤثر في ابداعاته وأعماله. فبعد فاس طبعا؟ لا اجد متعتي و الهامي إلا بمراكش والصويرة والعيون وافران. لذا، عندما اقترح علي العرض بالصويرة لم اتوانى لحظة و قبلت الدعوة لتدشين العودة للميدان.
 
حدثنا عن مشاريع فنية مستقبلية.. أم أننا سننتظر 22 سنة أخرى لكي نرى معرضا ثامنا لأعمالك؟
اليوم وبعدما أحلت على التقاعد (في الشكل الإداري والرسمي طبعا لانني اعتقد ان الصحفي لا يتقاعد أبدا)، اصبح بإمكاني تخصيص الوقت الكافي للإبداع و للممارسة الفنية بعد التصالح مع ادواتي التي كنت قد هجرتها مدة طويلة،لذا لا اعتقد ان الابتعاد سيطول هذه المرة. فهناك عدة مشاريع ومواعيد سامنحك ان شاء الله السبق في الاعلان عنها في حينها، كالعودة الى الصويرة في شهر نونبر القادم وعروضا أخرى بالبيضاء والرباط و فاس وفرنسا وكندا.
وأعتذر عن عدم إعطاء التفاصيل، إذ علمتني التجربة أنني كلما أعلنت عن شيء قبل أوانه يفشل، لذا لا أتكلم إلا عن ما هو محقق و وواقع.

كيف ترى الحركة الفنية، والتشكيلية الثقافية، بشكل عام، في الصويرة، وفي باقي مدن المغرب؟
أعتقد أن الحركة سائرة في السبيل السوي، فبعد سنوات عجاف كانت نتاج الأزمة الصحية التي ضربت العالم وشلت الحركة سنتين على التوالي، هناك اليوم عودة. صحيح هي عودة بطيئة وحذرة، ولكنها محمودة وستؤدي إلى نهضة فنية وثقافية هامة وعلى جميع الأصعدة الفنية والتشكيل والمسرح والموسيقى والسينما والكتاب. صحيح أن الحركة ككل ما زالت بحاجة إلى دعم ولكن لابد بالموازاة للمطالبة بالدعم من العمل والممارسة الفعلية وهذه وجهة نظري الخاصة على اعتبار أنني، من موقعي اليوم لا أراني في موقع يسمح لي بانتقاد أو تقييم الحركة الفنية الوطنية إذ أن هناك جحافل من النقاد والباحثين والمهتمين الذين يشتغلون على ذلك، وهم أولى بالادلاء بآرائهم و نظرياتهم وتصوراتهم حول وضعية هذا الفن أو ذاك.