بعد 45 سنة من التيه: جيل جديد في تندوف لم يعد يقبل الانقياد الأعمى لأوهام وأكاذيب قيادة بوليساريو

بعد 45 سنة من التيه: جيل جديد في تندوف لم يعد يقبل الانقياد الأعمى لأوهام وأكاذيب قيادة بوليساريو
لم يعد السراب يغذي أوهام جيل من أبناء المخيمات الذين تلقوا تكوينا في جامعات أجنبية، ومع وسائل تكنولوجيا التواصل الاجتماعي أصبحوا يميلون إلى أن يعيشوا زمنهم وفق أحلامهم، وهو غير جيل الآباء من الأميين الذين أسلموا القياد بشكل أعمى لقيادة جبهة بوليساريو، جيل لم تعد تعني له مسكنات “الثورة” و”الكفاح المسلح” و”الشعب الصحراوي” واستعارة واقع الأرض بأسماء مطلقة على مخيمات في أرض “أجنبية” (مخيم العيون، مخيم الداخلة، مخيم أوسرد...)، أصبح يقارن بين الوضع هنا والوضع هناك، جيل متعطش ليحيى حياته بحرية وبكرامة، لذلك أصبحت الاحتجاجات والانتفاضات قوتا يوميا في مخيمات تندوف حتى في ظل التسلط العام لقيادة الجبهة التي لم يعد ممكنا أن تستمر في المتاجرة على حساب بضعة آلاف من السكان في حقهم في العيش الكريم وبحرية.. هذه التحولات فرضت واقعا جديدا أصبحت تداعياته في داخل مخيمات الحمادة، كما في مواقف بلدان مؤثرة في السياسة الدولية التي أعلنت تأييدها للمقترح المغربي حول الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية بوصفه “جادا وأكثر واقعية وحلا سلميا” للنزاع المفتعل حول الصحراء.
ففي مسار تطور حركة بوليساريو توجد الكثير من القراءات المسكونة بعنف لغوي يُخفي تحت طبقاته الكثير من الحقائق، أو يتستر بغير اليسير من الأوهام الإيديولوجية غير النبيلة، وكان طول الزمن الذي استغرقه الصراع حول الصحراء أن يلبس نشأة ومسار جبهة بوليساريو بالكثير من طبقات الكذب وتصبح لغة التوصيف من هذا الطرف أو ذاك، لغة عنيفة لها مخالب وأنياب، ذلك أن الحقيقة هي أول ضحية في لحظة الصراع، والصدق هو الشهيد الأكبر في ساحة تاريخ أُدخل مختبرات العديد من الدول لها مصلحة في استدامة الأزمة.
في قضية الصحراء، نكتشف أن المغرب هو ضحية النظر إليه من بعيد، ما يصاغ عن الوحدة الترابية للمملكة، هو وجهة نظر الأجانب وتصوراتهم عن واقع لا يُقيمون فيه، ولا يسكنون لغته ورموزه وإشاراته، أنتجوا “مغربا” صنعوه، وأضحينا نستشهد باللغة التي فُهم بها المغرب الذي نسكنه ويسكننا.. إما مغرب سياحي بارد أشبه بصور البطائق البريدية منمق مثل الصفحات الإشهارية، وإما مغرب بعيد قادم من بدائية ضاربة في التاريخ، منشطر على ذاته، متناقض مع مكوناته..
وقضية الوحدة الترابية، لم تسلم من هذه الرؤية، هل نظر المجتمع الدولي إلى المغرب كما هو، المغرب ليس مترجما؟ ألم يؤد المغرب ضريبة كسل اللغة القانونية الدولية، لأنها لم تعرف رابطة اسمها البيعة ولا الدعاء لأمير المؤمنين في المساجد، ولا فض النزاعات وإصدار الأحكام باسم عرش المملكة، ولا الامتداد الثقافي العميق، وبنية السلوكات الاجتماعية وتقاطع التمثلات والتصورات والطقوس والتقاليد بين مركز المغرب وأطرافه؟ 
لقد كان المؤرخ الإسباني خوليان مارسياس محقا حين قال: “عندما يتعلق الأمر بموضوعات إنسانية، يجب أن نضع الجهل في الحسبان، وهنا لا أقصد “ما لا يعرف”، فهذا دائما ما يكون غير محدود، بل أقصد ما هو غير معروف و”يجب معرفته”، ويتحول هذا الجهل إلى عنصر غير مريح يتسبب أحيانا في إزالة ما يعرف، ويقص أساسه، لأنه يتركه غير كامل ومقطع الأطراف، ودون تبرير وخارج السياق لدرجة أنه يضحى وكأنه خطأ”. 
كيف تحولت بوليساريو من حركة تحررية بأطر مغربية جلها درست في الجامعات المغربية وانحدر العديد منها من جنود آباء مقاومي “جيش التحرير”، إلى حركة انفصالية في لحظة دقيقة من تحرير المغرب للصحراء؟ من هي الأطراف الحقيقية في أزمة الصحراء؟ “بوليساريو الداخل” هل هو حقيقة أم مجرد صناعة إعلامية؟ كيف يؤدي المغرب فاتورة كسل القانون الدولي في تحديد مفاهيم الوحدة وتقرير المصير؟ كيف أصبحت الجزائر تأكل الطباشير وبوليساريو تمسح السبورة من ورائها مثل تلميذ نجيب في قسم أغاليط وأوهام تزوير التاريخ... 
أسئلة كثيرة تحاول «
الوطن الآن» و«أنفاس بريس» في هذا الملف مقاربتها من خلال وقائع وأحداث، مواقف وتصريحات رغبة يستعرضها كتاب عبد العزيز كوكاس: “بوليساريو: الصعود نحو الهاوية”، فقط محاولة أن نفهم ما حدث حقيقة كي لا نموت بلداء.
 
                                تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
 
رابط " الوطن الآن" تجدونه هنا