كيف صارت الصحافة الفرنسية ألعوبة في يد اللوبيات المتحكمة لاستهداف دول مثل المغرب

كيف صارت الصحافة الفرنسية ألعوبة في يد اللوبيات المتحكمة لاستهداف دول مثل المغرب ربح المغرب معركة بيغاسوس لأن باقي الأطراف عجزت عن مواجهته بالأدلة
وأخيرا أسدل الستار عن فصل من الدعوى القضائية التي رفعها المغرب على مروجي حملات التشهير ضده بخصوص "بيغاسوس". وكما كان منتظرا، وبعد شهور من التحدي أمام المنابر الدعائية والمنظمات المأجورة لتشويه سمعة المغرب، لم تستطع جميعها قبول التحدي وإبراز حججها وأدلتها لتنتصر للمهنية في الإعلام والمصداقية التي يجب أن تتحلى بها منظمات المجتمع المدني التي تحترم جمهورها. لقد كان منتظرا أن ينتصر القضاء لشكليات تعكس مراعاة مصالح لوبيات معادية للمغرب، وكان متوقعا أن يفضل هذا القضاء عدم الخوض في جوهر القضية ومع ذلك سلك المغرب تلك الطريق. كان المؤمل أن يستحضر القضاء تطورات العصر ومصلحة الرأي العام في الاطلاع على أدلة الإدانة، ولكنه فضل الانتصار لقانون قديم يعود إلى عام 1881 بشأن حرية الصحافة يمنع الدول من رفع قضايا قذف وتشهير ضد مؤسسات صحافية فرنسية.
إنه انتصار مغربي آخر، ولكن هذه المرة تجاه الرأي العام الدولي. فضح هذا الانتصار لوبيات المصالح الفرنسية التي استغلت نصا قديما لاستعمال القضاء كحاجز للحيلولة دون نقاش صلب الموضوع وحصره في شكليات مسطرية ولمنع محاسبة منابر دعائية وظفت بشكل غير مهني ومهين للصحافة والدولة الفرنسية قبل غيرها. انتصر المغرب لأرقى الأساليب وهو اللجوء إلى القضاء ووضع المشهرين أمام الرأي العام ليثبتوا ادعاءاتهم، وكان الأجدى، إن كانوا حريصين على مصداقيتهم، أن يخوضوا هذا الاختبار حتى آخره، ولا يختبئوا وراء هذه الشكليات ويدخلوا في صمت القبور ولا يدلون بحجج الاتهام. هل هذه هي حرية الصحافة التي يبشر بها الفرنسيون؟ هل يخدم تعامل القضاء هذا مع مثل هذه الدعاوي السمعة الحقوقية لفرنسا الحرية والإخاء والمساواة؟ طبعا لا يخدمه، بل يفضح الازدواجية في المعايير ويدخل القضاء الفرنسي في جدال لن يخرج منه سالما.
لقد تأكدت هذه الازدواجية أكثر بعد حالة الغضب التي قابلت بها فرنسا رسما كاريكاتيريا لم يرقها فاستدعت السفير الروسي إلى مقر الخارجية الفرنسية، واعتبرت ما نشرته السفارة "غير مقبول". هل نحتاج إلى تذكير السلطات الفرنسية بالكاريكاتير المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل نحتاج إلى التذكير بالاستماتة في الدفاع عن نشر أمثاله رغم إساءته لملايير الناس مسلمين وغير مسلمين؟
هذا مثال آخر على ما تعيشه فرنسا من تراجع مقابل تطور العالم. القضاء الألماني لا يمانع حق الأشخاص المعنوية العامة في إقامة دعاوي أمامه ضد الإعلام بتهم التشهير والقذف، وهو ما ينتصر له كذلك القضاء الإسباني والبريطاني. لماذا هذا الاستثناء الفرنسي الغريب؟ لا شيء يبرر ذلك سوى التغطية على جرائم الصحافة الفرنسية التي يتضح أنها صارت ألعوبة في يد اللوبيات المتحكمة في صناعة القرار والتي تستخدم الإعلام كأداة دعاية وليس إخبار، وكل همها هو استهداف المغرب حتى لا يدخل نادي الكبار ويشب عن الطوق الذي يسعون جاهدين أن يبقى مكبلا لإرادة المغرب حتى لا يخرج عن وصايتهم.
صرح المغرب من اليوم الأول لهذه الحملة أنه لا يملك برنامج بيغاسوس ولا طموح له لامتلاكه ويتوفر على إمكانيات استخباراتية ذاتية تجعله في غنى عنه، وصرحت الشركة المنتجة للبرنامج في نفس هذا الاتجاه، وأثبتت التحقيقات أن هاتف الرئيس ماكرون لم يُتنصت عليه من طرف المغرب. ومع ذلك تعاملت هذه الأطراف المعادية لمصالح المغرب داخل الدولة الفرنسية بمنطق "ولو طارت معزة" لأن هدفها لم يكن الحقيقة أو محاربة التنصت أو الدفاع عن حرية الصحافة. لو كان الهدف هو محاربة التنصت لتحركت هذه الماكينة الدعائية ضد دول أوربية اعترفت بامتلاكها لهذا البرنامج مثل ألمانيا وتمت مساءلتها عن مجالات استخدامه، ولو كان هدفهم الدفاع عن حرية الصحافة لأدانوا رد فعل الخارجية الفرنسية ضد التضييق على الكاريكاتير الروسي الذي يصف حال أوربا العجوز المتهالكة.
لو كان هدف هذا اللوبي المعاكس لمصالح المغرب حماية الأمن القومي الفرنسي لأعطى الأولوية للتحقق من التنصت الروسي على المؤسسات الفرنسية السيادية قرب الإليزيه، حيث هناك الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية على بعد مسافة قليلة تنصب جهاز استقبال فوقها. لماذا لم يحركوا ساكنا إذن؟ ألا يعرفون العلاقة بين هذه الكنيسة والنظام الروسي؟
يتضح إذن أن صمت تلك المنابر والمنظمات، وإحجامها عن نشر أدلتها المادية التي تدين المغرب، وتحجج القضاء بشكليات لعدم الخوض في جوهر الموضوع، وسكوت الجميع عن دول تعترف بامتلاكها لبيغاسوس، وعدم أخذ تصريحات المغرب النافية لامتلاكه هذا البرنامج بالجدية اللازمة، مؤشرات على أن وراء إثارة هذه القضية حسابات أخرى غير الحسابات المعلنة. وطيلة هذه الشهور نجح المغرب في فضح هذه الحسابات، وفضح حقيقة هذه الجهات التي أصبح شغلها الشاغل تطويع المغرب وإبقاؤه تحت الوصاية، وكشف الطوابرية والسمايرية الذين ارتضوا أن يكونوا أداة طيعة لخدمة مصالح هذه الجهات متنكرين لفضل هذا المغرب عليهم، وهم يتساقطون تباعا كما هو حال أوراق الشجر في كل خريف. والأهم من كل ما سبق، كشفت هذه الشهور وطيلة فترة التداول حول هذه القضية أن المغرب عصي على التطويع ويختار من الأساليب للدفاع عن مصالحه أكثرها رقيا وتحضرا لأنه واثق من نفسه.
ربح المغرب معركة بيغاسوس لأن باقي الأطراف عجزت عن مواجهته بالأدلة، وما يزال التحدي مرفوعا أمامها لنشر أدلتها ليس استجابة لضغط المغرب أو مطالبه ولكن لخدمة حق الرأي العام في الاطلاع على الحقائق. وها هو التحدي مرفوع إلى أجل غير مسمى.