العميد يوسف البحيري في قراءة لموقف إسبانيا المتعلق بدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية

العميد يوسف البحيري في قراءة  لموقف إسبانيا المتعلق بدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش

يقدم العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، في هذا الحوار الذي أجرته معه "أنفاس بريس"، قراءة للرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز للملك محمد السادس، للتعبير عن التأييد المطلق لبلاده لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وفيما يلي نص هذا الحوار.

 

في اعتقادكم ما هي التداعيات السياسية للاعتراف المطلق من طرف اسبانيا بمغربية الصحراء من خلال التأكيد على كون مبادرة الحكم الذاتي هي الحل السليم لقضية الصحراء المغربية؟

أعتقد أن الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى جلالة الملك محمد السادس تحمل بين طياتها اعترافا حقيقيا بالمكانة والريادة السياسية والاقتصادية للمغرب في منطقة جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط، من خلال التأكيد بشكل صريح على مغربية الصحراء والاستعداد لبناء علاقات متينة مع الجار المغربي، بعيدا على المزايدات والتعنت والاستفزاز، واستحضار العوامل التاريخية والجغرافية التي تجمع بين البلدين منذ عدة قرون.

وفي هذا السياق، يمكن تقديم ملاحظتين أساسيتين، مفادهما أولا أن اسبانيا اقتنعت بالموقف الشمولي للمجتمع الدولي الذي يعتبر مقترح الحكم الذاتي، هو أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب في القضية الوطنية المتعلق بالصحراء المغربية، وهذا المقترح يندرج في نشبت المملكة المغربية بمبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين وقناعاته بالحلول السلمية المنصوص عليها في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. الملاحظة الثانية تهم الخطاب السامي بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، التي توجه من خلاله جلالة الملك للدول الصديقة والشريكة وهي رسالة واضحة الى من يهمهم الامر بأن المغرب لن يقبل بازدواجية الخطاب بل على الشركاء ان يكونوا واضحين في المواقف، كما أن جميع مكونات الشعب المغربي تعتبر القضية الوطنية هي جزء من ثوابت الهوية المغربية والسيادة الوطنية وهي غير قابلة للتفاوض.  فالدبلوماسية الإسبانية تعاملت بحكمة وتبصر مع التحولات الاستراتيجية والسياسية التي يعرفها العالم والتي تستدعي الحذر والبحث بناء العلاقات الدولية من منطلق حسن الجوار والسلم، خصوصا مع وجود الإجماع الدولي والموقف الوحد للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن حول اعتبار مقترح الحكم الذاتي هو الحل العادل لقضية الصحراء المغربية، فروسيا تعتبر الحكم الذاتي مقترحا جديا لحل النزاع. كذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بدورها جددت دعمها لمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد لقضية الصحراء المغربية، نفس الامر بالنسبة للوزير الاول الفرنسي فالس من قلب الجزائر أكد عن دعم فرنسا المطلق لمقترح الحكم الذاتي لموضوعتيه وتكامله مع اهداف هيئة الأمم المتحدة.

فمجلس الأمن والدول المؤثرة في القرار الدولي يقدرون مكانة المغرب، لمكانته في هيئة الأمم المتحدة كضامن للاستقرار في المنطقة ودوره الريادي في لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن واعتبار استراتيجيته المتوازنة في مواجهة التطرف والإرهاب، والتي تجمع بين التعاون الامني والاعتدال الديني والتنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي، كما أن المغرب يساهم في عمليات حفظ السلام في افريقيا وآسيا وأوروبا وجنود مغاربة قدموا ارواحهم دفاعا عن الشرعية الدولية ومبادئ الامم المتحدة.

 

يبدو أن إسبانيا استحضرت موقف هيئة الأمم المتحدة والقرار رقم 2548 لتمديد ولاية البعثة الأممية في دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، هل يمكن تقريبنا من هذا القرار؟

بالفعل تم تمديد ولاية البعثة الأممية لتنظيم الاستفتاء بالصحراء المغربية (المينورسو)، لمدة سنة إضافية حتى 31 من أكتوبر 2021، وتم تبني القرار رقم 2548 الذي وافقت عليه هيئة الامم المتحدة بالأغلبية، حيث صوت 13 دولة لصالحه وامتنعت اثنتان عن التصويت روسيا وجنوب أفريقيا. فالمستجد الأول في هذا الاقرار هو أن هيئة الأمم المتحدة تصرح بشكل جلي وواضح بأن خطة الحكم الذاتي المغربية “هي جادة وذات مصداقية وواقعية وتمثل مقاربة واقعية لحفظ السلم والامن الدوليين وتطلعات ساكنة الاقاليم الجنوبية لإدارة شؤونهم الخاصة بسلام وكرامة. واالمستجد الثاني هو أن القرار يعترف بأن الجزائر طرف مباشر في النزاع الاقليمي مع المغرب حول الصحراء، حيث يدعو الأطراف ومنهم الجزائر إلى إظهار التزامهم بحل سياسي واقعي وعملي ودائم على أساس حل وسط من خلال استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية، مشددة على أنه لا يجب أن تعرقل المواقف الراسخة طريق التقدم. ودعا القرار كذلك جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس لا سيما في ضوء الأحداث الأخيرة في الكركرا ت والتي تشكل تهديدا للسلام والاستقرار في المنطقة والزيادة العامة في الانتهاكات التي أبرزها تقرير الأمين العام الأخير علاوة على ذلك فإن التغييرات الأحادية الجانب للوضع الراهن على الأرض لن تساعدنا في الوصول إلى حل دائم وسلمي.

 

في نظركم هل وضعية المدنيين المحتجزين بتندوف ساهمت في تغيير الموقف الاسباني من قضية الصحراء المغربية؟

طبعا اسبانيا استحضرت الموقف الدولي وتقارير المنظمات الحقوقية والانسانية الدولية التي تؤكد على أن البوليساريو تفرض حصارا على المدنيين وتحجزهم في معتقلات بالمخيمات بهدف منعهم من التنقل و مغادرة اماكن الاحتجاز وتمنع عنهم ابسط المستلزمات الضرورية مما يؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأطفال والنساء و  تجويع  المدنيين في تندوف، وهو ما يؤكد بما لا يدعو إلى الشك أن هناك سياسة ممنهجة من طرف البوليساريو تندرج في اطار الأعمال الانتقامية   تروم ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق المدنيين بتندوف بالرغم من أن مقتضيات القانون الدولي الإنساني تلزم الجزائر وصنيعتها البوليساريو باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين بإنشاء مناطق وأماكن آمنة تأوي النساء والأطفال والعجزة وتأمين المواد الغذائية ومواد الإغاثة الضرورية لصحة المدنيين والحوامل والأطفال.

كما أن الإتحاد الاوروبي يحمل المسؤولية القانونية لقادة البوليساريو وجينرالات الجزائر حول المتاجرة في مواد الإغاثة الإنسانية والدواء الخاصة بالمدنيين المحتجزين في مخيمات تندوف وهو ما يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الإنساني، فالمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 تمنع تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب وتمنع حرمان وصول المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة مثل المواد الغذائية والأدوية ومواد الإغاثة الأولية.