كريم مولاي: النظام الجزائري والقمة العربية المؤجلة

كريم مولاي: النظام الجزائري والقمة العربية المؤجلة كريم مولاي
وأخيرا تم تأجيل موعد القمة العربية التي كانت الجزائر تستعد لاستضافتها نهاية شهر مارس الجاري إلى مطلع نوفمبر المقبل، مع التأكيد على أن ملف استعادة نظام بشار الأسد لمقعده في الجامعة سيظل محل المباحثات الثنائية..
لم تنجح ضغوط النظام الجزائري في إقناع الدول العربية في عقد القمة في وقتها المقرر، على الرغم من أن الظروف التي تعيشها المنطقة العربية والعالم غاية في التعقيد والصعوبة، ولا تحتاج إلى قمة واحدة بل إلى قمم متعددة، يمكنها أن تسهم في تذليل الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا وعن الخرلافات البينية بين الدول العربية وشعوبها وبين الدول العربية فيما بينها، وأخيرا وليس آخرا الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي من المتوقع أن تؤدي بالعديد من دولنا إلى الجوع..
لا أحد منا كان يعرف أن دولنا الكبرى، ومنها مصر والجزائر والمغرب تعتمد في مخزونها الغذائي بالأساس على القمح الأوكراني والروسي، إلا بعد اشتداد الحرب، وبداية نفاد الكثير من الأسواق من المواد الغذائية الرئيسية والتهاب الأسعار.. وإذا كان هذا مفهوما في العديد من الدول العربية، فإن الغريب أن تكون الجزائر، وهي صاحبة موقع متقدم ضمن الدول الغنية بالنفط والغاز، تشكو الحاجة والخصاصة، بل ويعاني أهلها من ندرة بعض المواد الرئيسية، ومن غلاء الأسعار الذي أحال غالبية الطبقة المتوسطة إلى حافة الفقر والخصاصة.
في بلاد يموت فيها الأطفال بسبب الكلاب الضالة، وتعجز فيها الدولة عن توفير الأمن الغذائي لسكانها، يصبح الحديث عن الأدوار الخارجية لأي نظام عبارة عن إضاعة للوقت ومزايدة عن المطلوب، ذلك أن مهمة أي نظام بالدرجة الأولى أن يضمن لرعاياه الحاجيات الضرورية للأمن والاستقرار. أما إذا كان الناس يموتون في عرض البحر الأبيض المتوسط، أو بسبب غياب المستشفيات وندرة الدواء، أو بسبب الكلاب الضالة، ومن نجا من هذه جميعا وأراد التعبير عن رأيه حتى في وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن استحال التظاهر في الشارع بسبب القمع، فإنه يموت تحت سياط التعذيب، في هذه الأحوال تستحيل الأوطان إلى مسالخ بشرية..
والغريب في الأمر أن الساحة السياسية في الجزائر، تبدو خالية من أي مبادرة سياسية للحوار، ليس فقط لأجل مواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ما إذا كان لا يزال ممكنا للجزائر وغيرها من الدول العربية أن تقف على الحياد في هذه الحرب، أو أن تقف إلى جانب روسيا في وقت لم يعد مسموحا فيه للضعاف بالمواقف الرمادية.. فمن ليس معنا هو بالتأكيد ضدنا..
لست من أولئك المؤمنين بالمغامرة في اتخاذ المواقف الحدية إزاء الحروب الدولية خصوصا بين الأقوياء، ولكنني أعلم أن مواقف الدول في مثل هذا المنعطفات تبنى على مدى السنوات ولا تأتي فجأة، ولو أن نظاما وطنيا استطاع أن يؤمن الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي وعدم التعويل على الاستيراد خصوصا في المواد الرئيسية، لكان من الوارد اليوم الحديث بشكل مختلف، وبكثير من الحياد والاستقلال، وإلى حد ما السيادة، أما وأننا ننتج ذهبا صافيا ونصدره خاما حتى من دون أي إجهاد، ونستورد به قمحا نعتمد عليه في حياتنا، ولدينا من الأراضي ما يغنينا عن كل هذا التعقيد، فيصبح الحديث عن السيادة والحياد هذيانا لا معنى له إلا أنه وسيلة للانتحار لا غير..
أؤمن إيمانا مطلقا أن الحرب شر مطلق أيا كانت دوافعها وأهدافها، ولكنني أؤمن كذلك بأن شروط الاستخلاف التي حبانا الله بها من دون مخلوقاته، أن نعمر هذه الأرض، وأن مهمة الأنظمة الأولى هي أن تطعم شعوبها من الجوع وتؤمنهم من المخاوف، وإذا ما فشلت في ذلك فإن وجودها يتحول إلى عبء إضافي على الشعوب.. وهذا ما أعتقد أن النظام الجزائري فشل فيه بامتياز..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري/ لندن