محمد حبش: سيداو.. المرأة المظلومة في العالم ضد كل أشكال الجاهلية

محمد حبش: سيداو..  المرأة المظلومة في العالم ضد كل أشكال الجاهلية محمد حبش رفقة بابا الفاتيكان
إنها اليوم رسالة، وأسأل الله الإخلاص والثبات... وهو دفاع عن المرأة التي كرمها الله ولكن المجتمع المتخلف نظر إليها كفتنة لعينة، وضلع عاجز وعقل قاصر، ومنعت من السفر للعلم، ومنعت من إظهار وجهها، ومنعت من حقها في قرار الزواج والطلاق، ومنعت من حقها في العمل السياسي، ومنعت من حقها في الفن والغناء، واعتبرت زينتها وعطرها زنا وإثماً، مارس عليها الذكور أباً وزوجاً وأخاً وابن عم الصفع والضرب للتأديب!! وومنعت من حقها في الملكية وإدارة أموالها، ومنعت حتى من نصف الميراث وأجبرت على الزواج طفلة، وأجبرت على الصبر على حياة الجحيم.... وقبل قليل كنت أواجه مشكلة منع النساء حتى من العمل التطوعي والإغاثي وكل ذلك بحجة سد الذرائع....!!
سيداو.. محاولة قام بها المجتمع الدولي منذ 1980 لمساعدة المرأة المظلومة في العالم ضد كل أشكال الجاهلية وهو صلب مقاصد الإسلام...... ولكن..
تشتد الحملة هذه الأيام على سيداو بوصفها كالعادة مؤامرة صهيونية ماسونية عالمية تهدف إلى تخريب الأديان ونشر الفحشاء وتبرير المثلية.
سيداو تهدف لرفع الظلم عن المرأة وتمكينها من العمل والزواج والسفر والمساواة والمشاركة السياسية ومنع استغلال النساء ومنع التمييز ضدهن، وهي تتفق بشكل جوهري مع قيم الدين الكبرى في تمكين النساء وحماية الأسرة.
وفي الواقع فإن هذا الوهم الذي يمارسه الخطاب الانفعالي ليس جديداً ولكن المؤسف هو انضمام بعض المشاهير في حقل الوعظ الديني لهذه الحملات الساخطة، وهو ما بات يفرض مناقشة هادئة واعية، ويتأكد ذلك لجملة أسباب:
 
أولها: الاتفاقية تم توقيعها اليوم في 54 دولة إسلامية من أصل 57، يعني كل الدول الإسلامية إلا إيران والصومال والسودان، وهناك تحفظات معروفة في 12 دولة منها، ولا شك أن هذا الهجوم الساحق على الاتفاقية يعني ضمناً تورط 95% من الدول الإسلامية في هذا المشروع الإجرامي!! وبالتالي هو دعوة للغضب والريب والشقاق الاجتماعي وتقسيم المجتمع بين ملحدين ومؤمنين، وبين دعاة الرذيلة ودعاة الفضيلة، على أساس إقرار سيداو أو رفضه، وهذه كارثة اجتماعية بكل المقاييس.
 
ثانيها: التيار الانفعالي المحارب بضراوة لسيداو بات يرى أن كل مطلب تحرري للمرأة ينصفها ويحمي كرامتها هو مؤامرة دولية، وشهدنا لدى مشاهير الوعاظ تراجعاً كبيراً في خطاب تمكين المرأة وعودة لتمجيد خضوع المرأة لزوجها وتلذذها بضربه وسخطه وصبرها على شراسته ومزاجيته، وتنهاها عن حقوقها، كما تحول التعدد من ضرورة تأذن بها الشريعة بشروط دقيقة إلى فضيلة يجب أن يتسابق إليها المتدينون!! وكذلك فقد صار اعتراض المرأة وحريتها حتى في حدود رغباتها الجسدية تمرداً على الله تلعنها به الملائكة ويهتز له عرش الرحمن!
ومع أنني كتبت كتاباً كاملاً عن سيداو منذ 2003 وطبع عدة طبعات، ولكنني اليوم أفضل أن أناقش هذا النص الاتهامي الذي يتم الترويج له على منابر المشاهير بغضب، دون أن يدرك هؤلاء الغاضبون حجم المغالطات التي يتضمنها خطاب كهذا يقفز فوق العقل والعلم ويمارس الكذب والتلون، لمصلحة العقلية الذكورية التي لم تعد تبالي حتى بقيم القرآن نفسه في المساواة والحريات.
وحتى لا نتهم بالمبالغة فقد تم تداول هذا النص في فقراته العشر على مواقع التواصل أكثر من مليون مرة!! وتداوله مشاهير الواعظين من السنة والشيعة، ولعلها إحدى المرات القليلة التي يتفق فيها خطاب الواعظين السنة والشيعة، وسأذكر الفقرات العشر واحدة واحدة:
 
1- سيداو تقول إن المرأة مثل الرجل!!!. والقرآن يقول: “وليس الذكر كالأنثى”
وجوابي: أن الله لم يقل وليس الذكر كالأنثى وإنما هي حكاية عن أم عمران، ولا يصح نسبة ذلك إلى الله، بل إن لغة الجندر في القرآن تشمل المساواة ألف مرة، وفي آية واحدة وردت المساواة إحدى عشرة مرة: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات…
 
2- سيداو تقول لا يسمح للرجل بالتعدد!!!. والقرآن يقول: “فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع”.
وجوابي إن سيداو لم تذكر كلمة التعدد أبداً، ومع ذلك فإن آية التعدد مشروطة بالعدل، وقد قال القرآن الكريم: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، والحقيقة أن كثيراً من فقهائنا الراسخين يدعون إلى الزوجة الواحدة وكان رسول الله يأخذ العهد على أصهاره ألا يتزوجوا على بناته، وهو نفسه لم يتزوج على أم عياله أبداً حتى ماتت.
وزاد بعضهم أن سيداو تدعو إلى تعدد الأزواج للمرأة!! وهو تصور كاذب تماماً والمساواة في حق الزواج لا تعني أكثر من وجوب موافقتها ومنع الإجبار على الزواج، وإذا كانت الأمم المتحدة تناهض تعدد الزوجات!! فكيف نتصور أنها تطالب بتعدد الأزواج؟؟.
 
3- سيداو تقول الأولاد ينسبون لأمهاتهم في التسمية!!! والقرآن يقول: “ادعوهم لآبائهم”.
والحقيقة أن سيداو لا يقول انسبوا الأولاد لأمهاتهم بل لآبائهم في حالة ، أما الولادة من حرام فإن الشريعة وسيداو يأمرون بنسبة الولد لأمه بنص الحديث الشريف: الولد للفراش…
 
4- سيداو تقول: لا يوجد عدة للمرأة!!! والقرآن يقول: “والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”.
والحقيقة أن سيداو لم يتعرض للعدة في قليل ولا كثير…
 
5- سيداو تقول الرجل لا يملك الولاية على المرأة والأب لا يملك الولاية على بناته!!!. والقرآن يقول  “الرجال قوامون على النساء”.
والواقع أن سيداو لم يقل إن الرجل ليس قواماً، بل دعا إلى التشارك في المسؤولية، وتبادل الخدمة والقوامة وهو قريب جداً من كلام الله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.
 
6- سيداو تقول الذكر والأنثى في الميراث واحد!!!. والقرآن يقول: “للذكر مثل حظ الأنثيين”.
والواقع أن سيداو لم يقل هذا، بل دعا إلى المساواة والعدالة، ويجب القول إن الميراث في الشريعة أيضاً مداره على العدالة، وهو يدور على أحوال مختلفة تتساوى فيها المرأة مع الرجل وأحياناً تناصفه وأحياناً تزيد عليه وأحياناً تنقص عنه، ومدار ذلك على اجتهاد الصحابة والتابعين والفقهاء.
 
7- سيداو تقول الرجل يمكنه الزواج برجل مثله، المرأة يمكنها الزواج من امرأة مثلها!!! والقرآن يقول : “أتأتون الذكران من العالمين”.
وفي الواقع سيداو لم يقل حرفاً واحداً عن الشذوذ الجنسي على الإطلاق!!!! وهذا افتراء محض!!.
 
8- سيداو تعطي المرأة حق الاجهاض!!!. والقرآن يقول: (ولا تقتلوا أولادكم ).
وفي الواقع سيداو لم تتعرض للإجهاض في قليل ولا كثير!!.
 
9- سيداو لا تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزوجية لكلا الزوجين!!! والقرآن يقول : (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة و ساء سبيلاً).
 
والحقيقة أن سيداو لم تتحدث عن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج على الإطلاق، ودعوتها لحرية المرأة والرجل على قدم المساواة، لا تمنع التشريعات التي تعاقب على الخيانة والدعارة والاغتصاب ويمكن للدولة الإسلامية أن تمنع كل أنواع الزنا دون أن يكون ذلك ناقضاً للاتفاقية.
 
10- سيداو تقول: المرأة ترتبط بمن تشاء وتنفصل متى تشاء وتعاود الارتباط متى تشاء!! والقرآن يقول: (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان).
وسيداو لا تقول هذا، وإذ تنص على المساواة مع الرجل في الزواج والطلاق تعني أن لها الحق في رفض الزوج ابتداء، وكذلك طلب فراقه بعد الزواج وهو ما أعطاها إياه الفقه الإسلامي أيضاً بالخلع والفسخ والضرر وهو يتطور باستمرار بجهود الفقهاء الكرام.
 
11 – سيداو تقول: سن الزواج بعد الثامنة عشرة!!! والقرآن يقول: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح).
وفي الواقع لا يوجد أدنى تعارض بين النص والآية، القرآن لا يتحدث عن سن محددة، بل يطلب الرشد، وقد حدد الفقهاء الكرام اجتهاداً سن 18، وقد أقرت ذلك معظم قوانين الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية.
ليس هذا بالطبع رداً علمياً وافياً.. بل هو جواب على استسهالات نطرحها بلغة خطابية غاضبة، دون أدنى تمحيص ونظن أنها حقائق نهائية، ولا أشك أن من كتب هذه الوثيقة الهائجة لم يقرأ الاتفاقية نفسها بعين واعية.
وأكثر ما يوجهه المشايخ هو رفض المادة 2 التي تنص على إدراج المساواة في الدستور، وكذلك المادة 16 وهذا نصها:
تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:
 
(أ) نفس الحق في عقد الزواج.
(ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.
(ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه.
(ح) نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
(هـ) نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة تمكينها من ممارسة هذه الحقوق.
(د) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
(ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل.
(ح) نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض.
وهي المادة التي بنى عليها المشايخ كل التصورات العشرة السابقة السابقة… وهو لزوم ما لا يلزم، وفي الواقع فإن هذه الحقوق بديهية في الفقه الإسلامي، وكان بالإمكان أن ننقلها بالحرف وننسبها إلى فقيه مستنير كالإمام أبي حنيفة أو الشاطبي أو ابن حزم دون أي تثير أي إشكال، وقد سبق كثير من فقهائنا الأمم المتحدة في تقرير ذلك، ويمكن التوقيع عليها دون أن نتخلى عن أي من ثوابت ديننا.
نعم الاتفاقية تلزمنا بالتخلي عن كثير من التراث الفقهي المتعصب، ومنعه من التسلل إلى قوانين الأحوال الشخصية، ولكنها لا تناقض أبداً قيم الإسلام في حماية المرأة، أو على الأقل إنها تطابق تصور فقهاء مسلمين كبار كانوا سباقين إلى إنصاف المرأة ومنحها هذه الحقوق وأكثر.
 
مفكر سوري/ أستاذ في جامعة الشارقة بالامارات العربية المتحدة