مذكرات امحمد التوزاني: تفاصيل التحاقي بالتنظيم المسلح إلى جانب بنجلون وأبو فاضل (الحلقة 19)

مذكرات امحمد التوزاني: تفاصيل التحاقي بالتنظيم المسلح إلى جانب بنجلون وأبو فاضل (الحلقة 19) امحمد التوزاني (يمينا) والراحل أحمد بنجلون

المناضل امحمد التوزاني.. سليل حركة التحرر المغاربية والعربية من مواليد سنة 1938 بتازة، حمل في المنفى 13 اسما حركيا من بينه صديق غسان كنفاني، رفيق درب الفقيه البصري، ناضل بمعية وتحت قيادة الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد باهي، وغيرهم..

التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة التأسيس وتكلف ضمن اللجنة التنظيمية للمؤتمر بالجانب التنظيمي واللوجستيكي إلى جانب المرحوم مصطفى القرشاوي وفاصل الناصري وأحمد الخراص.

التقى أول مرة بالشهيد المهدي بنبركة عام 1962 حين كلف بمهمة استقباله بفاس والذهاب به إلى تاهلة ليؤطر تجمعا جماهيريا كان قد هيأ له الفرع الحزبي هناك.

ساهم في تأسيس حركة الاختيار الثوري بعد انتقاله إلى باريس إلى جانب عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي رغم كفره بمغامرات قائده ومثله الأعلى محمد الفقيه البصري..

"أنفاس بريس" تنشر مذكرات المناضل امحمد التوزاني، والتي تسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب السياسي...

 

+ الأستاذ امحمد التوزاني، أشرت في الحلقة السابقة أن الفقيه البصري كلفك بأول مهمة بالجزائر، هل يمكن أن تحثنا عن هذه المهمة؟

- لما أقمنا بمنطقة حيدرة بالجزائر، كان المكلف بالأكل واللوجيستيك هو خالي موح (سعيد بونعيلات) ولم يكن يقطن معنا فقد كان يقطن مع أسرته، أما بخصوص المهمة التي كلفت بها فقد كانت بسيطة..لقد سلمني عباس (عبد الفتاح سباطة) مطبوع من 40 صفحة يتطرق لتجربة الهاغانا الإسرائيلية في القتال، وطلب مني تصحيحه ونسخ 50 منها.

في البداية رفضت اعتمادها كتجربة وقلت لعباس أن هناك تجارب يمكن أن نعتمد عليها كتجربة تشي گيڤارا وهوشي منه وعبد الكريم الخطابي أستاذهم جميعا، فأجابني بالقول إنه ينبغي علينا الاشتغال على جميع التجارب القتالية والتجارب الثورية، فما كان علي سوى القيام بالمهمة .

 

+ السي امحمد التوزاني، بمعسكرات التدريب بالجزائر كان معكم مناضل شيوعي وهو جنيرال بالجيش الڤيتنامي ألف عنه عبد الله ساعف كتابا واسمه الحقيقي محمد بن عمر الأحرش أما اسمه الحركي فهو أبو فاضل، هل يمكن أن تحثنا عنه؟

- على خلاف كل الكتابات اسمه الحركي ليس أبو فاضل بل أبو فاضن، وفاضن هو اسم نهر بالڤيتنام وقد سمى ابنه البكر فاضن والأب سمي أبو فاضن بالمعسكر. تعرفت عليه هو وعبد المومن أي أحمد بنجلون بحيدرة.

من المعروف أن المغاربة المجندين بالجيش الفرنسي وهم بالڤيتنام كانوا يهربون ويلتحقون بثوار الڤيتنام وكان هوشي مينه في حاجة إلى رجل مغربي مثقف عارف بلغتهم و ثقافتهم كي يؤطرهم فطلب ذلك من الحزب الشيوعي المغربي فبعث له هذا الأخير ب (أبو فاضن) الذي كان شيوعيا سبق أن كان أيضا ضابط صف بالجيش الفرنسي، وقد تمكن من استقطاب عدد من الجنود المغاربة والجزائريين من الجيش الفرنسي الى الجيش الڤيتنامي ولما استقل المغرب بعث هوشي مينه بالرجل الى محمد الخامس كي يساهم في بناء المغرب المستقل.

وما كتب عن الرجل من كونه كان سكيرا يجانب الصواب ويسيء له وهي معلومة لا شك تسربت من طرف من كانوا على خلاف معه لما كان معنا بالتنظيم المسلح.

أبو فاضن كان إنسانا متخلقا ومثقفا و ثوريا واستراتيجيا، وكانت له مشاريع ثورية وأحلام ضخمة عابرة للدول ومرتبطة بالدول الشيوعية وخصوصا الصين وڤيتنام، غير أن احتكاكي به في ميدان التدريب جعلني أكتشف أن خبراته العسكرية الدراسية أو العملية محدودة و إنما أعطاه هوشي مينه رتبة جنرال/ لواء مكافأة على خدماته المدنية داخل جيش الثورة الڤيتنامية.

 

+ وماذا عن علاقتك بمحمد بن عمر الأحرش (أبو فاضن)؟

- كنت أحبه وأقدره وكانت بيننا ثقة كبيرة لدرجة أنه كشف لي عن اسمه الحقيقي وأشياء أخرى وهو ما لم أفعله أنا مع قيادتي في معسكر الزبداني وأيضا لم يفعله معي أحمد بنجلون الذي لم أعرف اسمه الحقيقي إلا حينما اعتقلته سلطات فرانكو الفلسطينية وسلمته الى الفاشستي أوفقير.

أبو فاضن كان متزوجا من فرنسية اسمها كاميليا وكانت من الفرنسيين المعمرين بالڤيتنام وكانت تحبه كثيرا وله منها بنتان وولدان: فاضن الضابط بالبحرية الفرنسية وأسد ومريم والابنة الكبرى التي تزوجت واستقرت بالسعودية، ولما كنت أعيش بفرنسا كنت على تواصل مع الأبناء الثلاثة ومن الذين بقوا على اتصال بكاميليا التي كانت تسكن بجواري هم ثلاثة، أنا وأيت قدور وعبد اللطيف منصور أما زوجها فقد توفي بمرض السرطان سنة 1972.

أبو فاضن كان يحب الحياة وكان يرقص هو وعبد المومن على النشيد الأممي للحزب الشيوعي الفرنسي، وقد غادر التنظيم المسلح على إثر خلاف له مع الفقيه لعور الفيکيگي وعاد الى زوجته وأبنائه بفرنسا.

 

+ حياتك النضالية تبدو استثنائية بمعايير متعددة، وتجربتك غنية ومتنوعة، إن طلبنا منك أن تقسمها الى مراحل كبري ماذا تقول؟

- في حياتي النضالية يمكن الحديث عن المرحلة الأولى التي بدأت بالتحاقي بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية أثناء المؤتمر التأسيسي سنة 1959 إلى غاية (هروبي) من المغرب على متن طائرة الورود نهاية سنة 1963، والمرحلة الثانية كانت أثناء التحاقي بجامعة بغداد ثم بالكلية الحربية بحمص وانتهت بالعمليات الأولى في إطار الثورة الفلسطينية بتنسيق مع غسان كنفاني ثم تحت قيادة محمد بودية.

أما المرحلة الثالثة فبدأت لما التقيت بالاشتراكي المدني الجنرال أبو فاضن و بالشاب الدارس لحرب العصابات والتجربة الگيڤارية عبد المومن (أحمد بنجلون )، والمرحلة الرابعة هي لما أسسنا حركة الاختيار الثوري بمعية عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي والفقيه البصري وغيرهم و غادرنا الى فرنسا نهاية 1974.

أما المرحلة الخامسة و الأخيرة فهي لما صدر بالمغرب العفو العام على المنفيين و السجناء السياسيين و عدت الى وطني.

 

+ أحمد بنجلون شقيق الشهيد عمر بنجلون، والأمين العام السابق لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي كان أحد أطر التنظيم المسلح الذي أسسه الفقيه البصري بالخارج، متى تعرفت عليه وماذا تعرف عنه؟

- عشت مع أحمد بنجلون بالمعسكرات منذ أواخر 1967 إلى غاية اعتقاله. كما قلت لك لم أكن أعرفه باسمه الحركي محمود ولم أعرف اسمه الحقيقي إلا بعد أن اعتقل بإسبانيا وتحدثت عنه وسائل الإعلام العالمية و قد تعرفت عليه باسمه الحركي لما كنت بحيدرة بالجزائر.

عبد المومن كان شابا قويا ومتقد الذكاء ومثقفا و هو من كان مكلفا الى جانب الشهيد محمود بنونة بالتكوين السياسي داخل المعسكرات، وكان مطلعا على التجارب الثورية بالعالم وخصوصا تجربة حرب العصابات لدى گيڤارا وهو شخص يتعلم بسرعة وله سرعة البديهة ويمتلك مهارات قيادية وقد كان التحاقه بمعسكر التدريب بالجزائر إضافة نوعية.

فلما التقيت بأبو فاضن وأحمد بنجلون و كنا نحن الثلاثة نتكامل، حيث كان أبو فاضن صاحب خطط مدنية وبنجلون دارس لحرب العصابات وأنا رجل الميدان العسكري أحسست أن مرحلة جديدة في حياتي النضالية قد بدأت.

 

+ بعد إقامتكم المؤقتة في منطقة حيدرة وتعرفك على أبو فاضن، انتقلت إلى وهران، أليس كذلك؟

- انتقلنا الى وهران وعباس هو من ذهب بي الى هناك والتحق بي "ستيتو"، الذي كان قبل أن يلتحق بالفقيه البصري قد خاض تجارب مع مجموعة بنسعيد أيت إيدر وعمر الفرشي وعبد السلام الجبلي وحميد برادة وعبد الفتاح سباطة.

وإذا سمحت ففي هذه اللحظة لما ذكرت بعض الأسماء حضرتني بعض المعلومات منها ما حكاه لي بعض المقاومين عن (المجازر) التي ارتكبت في السنوات الأولى للاستقلال وكان ضحيتها عدد من المقاومين وأعضاء من حزب الشورى والاستقلال ومن منظمة الهلال الأسود، وقد كان حزب الاستقلال هو المتهم الرئيس بشأنها أيام كان محمد لغزاوي مديرا للأمن الوطني، ومازلت أذكر موت ثريا الشاوي أول امرأة كانت ربان طائرة في العالم العربي وأفريقيا. وقد تم تصفيتها من طرف الطويل الذي اشتهر بتصفية وحرق عدد من المقاومين، وقد كان مصيره القتل من طرف منظمة الهلال الأسود.

وجدير بالذكر أنه في هذه الفترة أيضا تمت تصفية أستاذي بجامعة القرويين عبد الواحد العراقي والاستقلالي عبد العزيز بن ادريس، كما تزامنت مع أحداث الغرب التي مات فيها ثلاثة عشر فردا حسب ما أعلنته وسائل الإعلام، وفي نفس المرحلة قتل عباس المساعدي وكل ذلك تم في إطار تصفية الحسابات المتبادلة...