د. المصطفى شكدالي: نظرة المجتمع للمرضى النفسانيين احتقارية وتدخل ضمن "الطابوهات"

د. المصطفى شكدالي: نظرة المجتمع للمرضى النفسانيين احتقارية وتدخل ضمن "الطابوهات" الدكتور المصطفى شكدالي مع نموذج من امرأة مصابة بمرض عقلي

يرى المصطفى شكدالي، مختص في علم النفس الاجتماعي، أن فشل مختلف الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال في تجاوز الأعطاب التي تعاني منها الصحة النفسية يعود إلى كونها لا تنظر إلى الأمراض النفسية والعقلية نظرة علمية.. مضيفا أنها لا تعتبرها ضمن الأولويات، حيث يتم الاهتمام بالمجتمع المعافى مع إغفال أن المجتمع لا يمكن أن يكون معافى دون أن نستطيع محاربة الفقر والحرمان وتقوية «المعرفة الاجتماعية»  حتى يتحول هذا الاحباط وهذا الحرمان الى سلوكات غير متوازنة.

 

+ كيف تقرأ حادث إقدام شخص مختل عقليا على قتل سائحة فرنسية ومحاولة قتل سائحة بلجيكية؟

- للأسف يتم الحديث عن أن الشخص مختل عقليا في غياب تشخيص دقيق. فحينما نتحدث عن مختل عقلي فنحن نقوم بالإشارة إلى أمراض عقلية وليست بالضرورة أمراضا نفسية. فهناك فرق بين المرض العقلي والمرض النفسي حتى وإن كانا يلتقيان في بعض الخصائص. طبعا ما يمكن أن نشير إليه هو أن من يقوم بهذا العمل الإجرامي في حد ذاته لابد أن يكون في إدراك معطوب، وأنا حينما أحيل إلى إدراك معطوب فأنا أحيل إلى قضية نفسية بالدرجة الأولى ولا أحيل على قضية ترتبط بخلل عقلي أو أمراض لها تشخيص دقيق من طرف الأطباء النفسانيين. فمن المؤشرات القوية جدا هو كيف يمكن أن تكون مختلا وأن تختار ضحاياك بدقة، لأنهم أجانب، لأنهم "كفار"، لأنهن سائحات أجنبيات. وبالتالي فأطروحة «المختل العقلي» في اعتقادي ليس لها مصداقية على هذا المستوى، وحينما تحدثت عن الإدراك المعطوب في البداية فكأنني أتحدث عن نوع من التدجين ونوع من التربية المقصودة التي وكأنها كممت عقل هذا الشخص الذي قام بهذا العمل بنية القيام بعمل ديني بغية أن ينال «الجنة». إذاً فالافتراض الأول في اعتقادي هو على هذا الأساس، بمعنى أن هذا الشخص كان لقمة سائغة في يد المتطرفين على أساس أن يقوم بهذه الجريمة على أمل الحصول على الجنة، وهنا يمكن أن نشير إلى أن الرغبة في قتل الآخر من أجل الظفر بالجنة هي مؤشر قوي عما يمكن أن نسميه الاحباط في اشباع رغبات، وفي إشباع غرائز معينة في هذه الحياة، وكأنه يقوم بعمل تعويضي عن طريق القتل، وهذه مقاربة التحليل النفسي. لذلك فالكبت والحرمان والاحباط قد يكون محركا أساسيا من الناحية السيكولوجية، والذي ربما كان وراء تحول هذا الشخص إلى لقمة سائغة من طرف إيديولوجية تدينية، لأن الصور التي ظهرت توضح أن هذا الشخص بلباسه الأفغاني وشكله الخارجي يتبنى ايديولوجية، وهذا التبني وصل به الى حد ما يمكن نسميه "العمى".

 

+ لماذا في نظرك يتم تغييب الصحة النفسية والصحة العقلية في الخطاب الاجتماعي المغربي؟

- هذا السؤال قد يطول شرحه، فالمجتمع بحد ذاته له تصورات معينة عن الأمراض النفسية، فهو يعتبرها مسا ويعتبرها جنونا، ويعتبرها بفعل السحر، بمعنى أن هذا المجتمع لم يرق إلى أن يدرك بأن الأمراض النفسية والعقلية هي أمراض قبل كل شيء، لأننا دائما نجد تفسيرات معينة ولا ننتبه. وبالتالي لا نأخذ الحيطة والحذر، وهذا يمكن أن نلمسه في كيفية تصورنا للأمراض النفسية وكيفية التعامل معها، وقد نجد هذه النظرة التي توجد لدى فئات في المجتمع لدى أناس أحسن من غيرهم في التراتبية الاجتماعية، وبالتالي فهذه الفكرة تظل مرسخة وتجعلنا لا نهتم بهذا الجانب اللاتوازني على المستوى السيكولوجي وعلى مستوى إدراك الآخر وإدراك الواقع، بمعنى أن هناك خلل وعطب في هاته النظرة، حيث أصبح من السهل أن تقول أنا مريض جسديا ولكن من الصعب أن تقول أو يقول محيط إنك أحمق أو أخرق أو مختل. فالموضوع «طابوهي» جدا ولذلك هناك تخصص دقيق يحاول أن يشرح علاقة الخطاب الاجتماعي حول المرض. وفي ذلك مرض بطبيعة الحال، لأنه إذا كان الخطاب الاجتماعي في حد ذاته معطوبا، فنحن أمام مرضين: أمام المرض النفسي اللاتوازني على المستوى السيكولوجي والخطاب الذي يصبح كذلك مريضا، لذلك فنظرة المجتمع للمرضى النفسانيين هي نظرة احتقارية ونظرة تقزيمية، وبالتالي تدخل ضمن «الطابوهات «.

 

+ لماذا فشلت مختلف الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال في تجاوز الأعطاب التي تعاني منها الصحة النفسية؟

- كما قلت سابقا، ربما لا ننظر إلى هذه الأمراض سواء كانت نفسية أو عقلية نظرة علمية، فربما هناك أولويات أخرى ونعتبرها دون تلك الأولويات. ربما نهتم بالمجتمع المعافى وننسى أن هذا المجتمع المعافى لا يمكن أن يكون معافى دون أن نستطيع أن نحارب الفقر والحرمان ونقوي بما نسميه في علم النفس الاجتماعية «المعرفة الاجتماعية» حتى لا يصبح بإمكان الإنسان أن يحول هذا الاحباط وهذا الحرمان إلى سلوكات لاتوازنية وإلى سلوكات عنيفة بما فيها قتل الآخر والاعتداء على الآخر، وهي سلوكات تطرفية.