محمد بوبكري: الزعيم وفكر الغاب

محمد بوبكري: الزعيم وفكر الغاب محمد بوبكري
لم أكن أظن أن زعامة الاتحاد الاشتراكي ستحطم رقما قياسيا في تزوير المؤتمر الذي قد ينعقد في أواخر شهر يناير الحالي، حيث لم تقم بانتخاب مندوبي هذا المؤمر، بل كلفت الأعيان بتعيينهم بشكل يمكن الزعيم من الحصول على عهدة ثالثة على رأس هذا الحزب. هكذا، فقد تجاوزت درجة التزوير كل الحدود، فأصبح الاتحاديون متخوفون على مصير حزبهم، الذي صار على مشارف الانقراض، لأنه أصيب بانحراف فكري وتنظيمي وأخلاقي، ما عزله عن المجتمع المغربي حتى صار المغاربة يتألمون لمصيره المأساوي هذا، وباتوا يشعرون بأنه تعرض للمسخ من قبل الزعامة الحالية…
ولم تتوقف الزعامة عند هذا الحد، بل لجأت إلى طرد كل الذين يناهضون العهدة الثالثة للزعيم، ما يؤكد استبداد هذه الزعامة التي لم تعد تطيق الفكر المختلف، ما يعني أنها ضد التعددية الفكرية. لذلك، فإن من لا يقبل التعددية داخل الحزب لن يقبلها خارجه، كما أن هذا السلوك الرافض للاختلاف والتعدد داخل الحزب، والرامي إلى فرض العهدة الثالثة للزعيم، يعني أن هذه الزعامة ترفض التناوب داخل الحزب الذي هو سنة الطبيعة والحياة. ويعني رفض التناوب داخل الحزب رفضه في المجتمع، ما يفيد أن هذه الزعامة إذا ما تمكنت من عهدة جديدة، فإنها ستفرض الاستبداد في المجتمع، لأنها ستسعى إلى فرض نظام الحزب الوحيد، وما يستتبعه ذلك من قمع وعنف…
ومن الغريب أن الزعيم ما يزال يتحايل من أجل فرض نفسه زعيما لعهدة ثالثة، حيث دفع بالبرلمانيين، الذين منحهم التزكيات إلى إصدار بيانا يتشبثون به فيه "كاتبا أولا" لعهدة ثالثة. ويبدو أن هدفه من ذلك هو السعي إلى تأكيد أنه يمتلك شرعية شعبية، وهو أمر لا يعدو مجرد تضليل، ومحاولة للمزايدة على القضاء، لأنه يعتقد، عن جهل، أن شرعية هؤلاء البرلمانيين فوق شرعية القضاء الذي هو اليوم بصدد دراسة مختلف الدعاوى المرفوعة ضد زعيم الاتحاد. لذلك، فإن ما يعتبره هذا الأخير شرعية شعبية هو مجرد شرعية فاسدة، لأنها ناجمة عن استعمال المال الحرام من قبل هؤلاء الأعيان. هكذا، إذا كان هذا الزعيم يفتخر بالمساندة التي يحظى بها من قبل هؤلاء الأعيان، الذين قام بتوظيفهم لمسخ سحنة الحزب وفكره وسياسته وتنظيماته، فإنه لا يعلم أن هؤلاء الأعيان قد دخلوا الحزب من أجل الاستفادة من الريع، والتغطية على فسادهم، وقد يشكلون مستقبلا قوة مضادة للزعيم ذاته، لأنهم سيطمعون مستقبلا في الاستيلاء على سلطاته التي تذر عليه موارد مادية طائلة. هكذا، فلا قيم سليمة تجمع هذا الزعيم بهؤلاء الأعيان، حيث إن ما يهمهم جميعا هو الاستفادة من الريع الذي قد يخلق منافسة طاحنة بينه وبينهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى زوال الزعيم. أضف إلى ذلك أن هذا الأخير لا يفهم أن هؤلاء قد يتخلون عنه في أي منعطف، ولأدنى سبب، إذا تأكد لهم أنهم لن يجنوا شيئا مقابل مساندتهم له. لذلك، فما دامت الأمور قائمة على الاستفادة من الريع، فإن كل شيء معرض للاهتزاز، بما في ذلك الصدارة التي يحتلها الزعيم على رأس الاتحاد. فضلا عن ذلك، فإن ما يتناساه الزعيم هو أنه قد تسبب في فقدان الاتحاد الاشتراكي لامتداداته المجتمعية في مختلف القطاعات الحساسة للمجتمع، ما جعله يحتل موقعا هامشيا في الساحة السياسية المغربية.
فضلا عن ذلك، لقد جند الزعيم بعض أتباعه لإقناع بعض المناضلين لسحب الدعاوى التي رفعوها للقضاء ضد خروقاته القانونية، حيث بعث سيدة قريبة منه إلى "سيدي إفني" لإقناع هؤلاء المناضلين الشرفاء بسحب دعاواهم ضده، كما جند إلى جانبها المنسق الجهوي غير الشرعي لإقناعهم بسحب دعاواهم. لكن كان مآل مسعاه كان هو الفشل، حيث حاول مبعوثوه إغراء هؤلاء المناضلين بمقاعد في المجلس الوطني للحزب، وبـ "البقشيش"، لكن هؤلاء المناضلين الاتحاديين الصحراويين رفضوا كل العروض الذي قدمت لهم من قبل مبعوثي الزعيم إليهم، حيث اعتبروها احتقارا لهم ولمبادئهم وقيمهم، وقرروا التمسك بالدعاوى التي رفعوها ضد الزعيم.
علاوة على ذلك، فإن ما فعله الزعيم مع مناضلي "سيدي إفني" يؤكد هلع الزعيم من مناضلي هذه المنطقة، لأنهم يمتلكون أسرارا كثيرة ضده حول ملابسات وفاة المرحوم "عبد الوهاب بلفقيه"، الأمر الذي لا يريد الزعيم له أن يصبح معلوما من قبل المغاربة.
تبعا لذلك، فمادام الزعيم يعتمد على سماسرته لحل مشاكله، فإنه سيفشل في كل شيء، لأن رائحة هؤلاء قد باتت تزكم الأنوف، وأصبحوا مرفوضين من قبل الاتحاديين والمغاربة معا، فأغلبهم صاروا عنوانا للفساد، ما يدل في نظر الرأي العام المغربي، على أن الزعيم يرفض التغيير، حيث إن استمرار تواجد هؤلاء حوله يعني استمرار الفساد داخل الاتحاد الاشتراكي، حيث صار الاتحاديون متشائمون من إصلاح الحزب مع تواجد هؤلاء السماسرة في زعامته.
فوق ذلك، فما يؤكد جنون الزعيم، هو أنه ما يزال يروج في محيطه أنه مسنود من خارج الحزب، حيث يؤكد باستمرار لجلسائه ليلا أن السلطة المغربية لا يمكن أن تستغني عنه، ما جعله يردد، بموثوقية، أن باق على رأس الاتحاد. وهذا ما يؤكد ان هذا الشخص مصاب بعاهة فكرية مستديمة، لأنه لا يعرف قدره، ويروج أنه أذكى شخص في المغرب. لكنني عندما أحاول أن أبحث عن الرصيد الفكري لهذا الشخص، فإنني لا أجد شيئا، لأنه لم يطور أية مشاريع، ولا أية أفكار يمكن أن يستفيد منها المغرب، ما جعلني أستنتج أنه خاوي الوفاض، لا يتقن إلا التحايل على القانون من أجل تزويره، ولا يعي أن ذلك لا يعد جرما في بلادنا، لأن السلطة في المغرب لا يمكن أن تثق في كل من يخرق القوانين المغربية، كما أن القانون المغربي يعاقب كل من يحمل فكر الغاب، كما هو حال هذا الزعيم..