عبد العالي الصافي: الدورية الثلاثية.. شرود قانوني وحقوقي

عبد العالي الصافي: الدورية الثلاثية.. شرود قانوني وحقوقي عبد العالي الصافي

يخوض المحامون بجميع أنحاء المغرب معارك نضالية وبطولية من أجل التراجع عما أصبح يعرف إعلاميا بـ "الدورية الثلاثية"، هذه الدورية الموقعة من طرف وزير العدل من جهة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة من جهة ثانية.

الدورية المثيرة للجدل أثارت حفيظة مجتمع العدالة بالمغرب من محامين وموظفين وعدول ومفوضين قضائيين ونساخ.. وتسببت في شل عمل المحاكم وتعطيل قطاع العدل الذي يعتبر مرفقا حيويا ومحوريا بالنسبة لأية دولة في المعمور.

الدورية الثلاثية التي أصبحت تعرف بين صفوف المحامين بدورية الذل والعار هي باطلة لأربعة أسباب رئيسية:

 

أولا: أن الحكومة تتحدث خطابين متناقضين وتتبنى ازدواجية المعايير، ففي الوقت الذي تقول فيه بأن التلقيح اختياريا، تمنع المواطنين من الولوج للفضاءات العامة والإدارات والمؤسسات العمومية دون الادلاء بجواز التلقيح، وبالتالي، فإن إجبارية الجواز تسقط جوازية التلقيح ويصبح إلزاميا بحكم الواقع، وهنا نتحدث عن ازدواجية الخطاب مع مواطنيها وهذا لا يجوز أخلاقيا وينم على ما يمكن أن نسميه نوع من "التذاكي".

 

ثانيا: دبجت الدورية قرار المنع بالمرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ: 23 مارس 2020 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، ونحن بدورنا نقبل بالاحتكام للمرسوم -المذكور في غياب نص يفعل الدفع بعدم دستورية القوانين وبالمناسبة هو مطلب أصبح آنيا ومستعجلا، ونقبل أيضا أن نحتكم للمادة 2 من المرسوم التي أسندت للحكومة أي السلطة التنفيذية- استثناء وحصريا- الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية وتمديد النطاق الترابي لتطبيقها ومدة سريانها والإجراءات الواجب اتخاذها، كما أسند لها أن تتخذ بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات، كل التدابير اللازمة لمواجهة الحالة اذن، نحن نتحدث عن الجهاز التنفيذي أو السلطة التنفيذية، وليس هناك أية إشارة لسلطة أخرى، فكيف يمكن توصيف الدورية الصادر بشكل مزدوج عن السلطتين التنفيذية في شخص وزير العدل، والقضائية في شخص الرئيس المنتدب ورئيس النيابة العامة من الناحية القانونية.

 

ومعلوم أن القرارات الإدارية التي تصدرها السلطة التنفيذية قابلة للطعن فيها أمام المحكمة الإدارية ذات الاختصاص او امام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض إذا كان القرار يشمل مجموع التراب الوطني.

فكيف يمكن الطعن في قرار صادر عن السلطة القضائية؟ وما هو السند القانوني خصوصا أن أحد موقعي الدورية وهو الرئيس المنتدب وهو أيضا الرئيس الأول لمحكمة النقض، أم أن القضاء لازال تابعا للسلطة التنفيذية؟ ومن سيراقب قرارات السلطة التنفيذية في هذه الحالة؟

 

ومعلوم أن القضاء الإداري أحدث من أجل مراقبة سلوك السلطة التنفيذية والحد من تجاوزاتها، لكن وأما مباركة السلطة القضائية ممثلة في الرئيس المنتدب، الرئيس الأول لمحكمة النقض بصفته تلك لقرار اداري والتوقيع عليه يكون قد أغلق باب الطعن فيه وما يترتب عن ذلك من مس خطير بالأمن القضائي.

حينما تحدث "مونتسكيو" عن فصل السلط كان يهدف إقرار مبادئ دستورية أخرى من قبيل توازن السلط -المراقبة المتبادلة للسلط- والحد من شطط الجهاز التنفيذي.. وحينما تطورت الفكرة تعالت الأصوات لاستقلال السلطة القضائية لتكون الكابح لتغول الإدارة، التي لها نزعة دائمة وأبدية للسيطرة والتسلط.

 

ففلسفة وروح المبدأ الدستوري "فصل السلط" يستند ويمتح من فكرة أساسية مفادها رسم مجال عمل كل سلطة، بحيث أن القانون الجنائي جرم تدخل سلطة في اختصاص سلطة أخرى، وذلك من أجل خلق توازن يقي الدولة من الانزلاق في مستنقع الاستبداد والتغول، الشيء الذي قد يهدد أمنها ويعصف باستقرارها.

فالمحامي حينما ندد بالدورية، ليس من نافذة استثنائه من اجراء قانوني ما- وهي نافذة ضيقة على المحامي- بل من باب كبير دستوري وحقوقي كوني، مفاده، ما مدى شرعية ومشروعية دورية مصدرها ومبدؤها خاطئ، وهو بذلك يسائل المسؤولين عنها ويسائل سندها وقانونيتها ومشروعيتها.

 

ثالثا: هي دورية معطلة للعدالة ولمبدأ الولوج المستنير وهو مبدأ نص عليه ميثاق اصلاح منظومة العدالة بالمغرب.

ففي الوقت الذي جعلت الحكومة التلقيح اختياريا، فهناك بالضرورة – مواطنون غير ملقحين، جزء من هؤلاء المواطنين يتخذون مراكز قانونية بالمحاكم اما كمتهمين أو مشتكين أو شهود أو مدعي او مدعى عليهم، او أن لهم مصالح بالمحكمة كمرفق عام.

فهم مارسوا حقهم في اختيار عدم التلقيح لكنه سيتم منعهم من الولوج للمحاكم للدفاع عن أنفسهم أو عن احضار شهود غير ملقحين بسبب هذا الرأي، وبالتالي سنكون أمام خرق لمبدأ دستوري أخر وهو حق الدفاع.

 

فالمحامون ليسوا ضد التلقيح وتقريبا أغلبيتهم ملقحون بالكامل وبنسبة كبيرة جدا، وتستطيع الأجهزة أن تتأكد من ذلك بالرجوع لقاعدة البيانات الممسوكة من طرف وزارتي الداخلية والصحة، لكن لا يجب التمييز بين المواطنين بسبب الرأي ولا يجوز منعهم من الولوج للمحاكم لذات السبب، فالمادة 26 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية تنص على أن " جميع الأشخاص متساوون أمام القانون ومن حقهم التمتع دون أي تمييز وبالتساوي بحمايته، ويحرم القانون في هذا المجال أي تمييز...."

 

وتنص المادة الخامسة من الاتفاقية الدوية لمكافحة كل أشكال التمييز على ما يلي: تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، ولضمان حق كل انسان دون تمييز ...لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: -الحق في معاملة على قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات التي تتولى العدل، وتعرف المادة الأولى التمييز العنصري بأنه أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل....

وجواز التلقيح هو تفضيل واستثناء وتقييد يقوم على الرأي ضد غير الملقحين الذين يحملون رأيا.

 

رابعا: إذا كان المرسوم المستند عليه ينص على أحقية الجهاز التنفيذي بتنظيم حالة الطوارئ، فانه قيد ذلك بعدم المساس بانسيابية العمل وعدم عرقلة السير العادي للمرافق العمومية.

وإن الدورية عرقلت السير العادي لقطاع العدل، وكبلت يد الفاعلين القانونيين والحقوقيين للطعن في الدورية لأنها لم تعد قرار إداريا وانما شيء اخر غير منصوص عليه في جميع قوانين المملكة، وذلك حينما تم توقيعها من طرف السلطة القضائية الشيء الذي نزع عنها اختصاص أصيل وهو البث في الخصومة لأنها خصم ولا يمكن أن تكون حكما، وهو شرود قانوني ومطب حقوقي.

 

المحامي ليس ضد التلقيح وليس ضد الجواز نفسه لكن ضد خرق المشروعية وعدم الالتزام بالمبادئ العامة لسير السلط والاختصاصات، فالتشريع اختصاص أصيل للسلطة التشريعية، وطرق هذا الباب ليس عصيا على الإدارة، وما عليها إلا إرجاع الأمور إلى نصابها حتى لا يتم المساس بدولة المؤسسات والقانون في المخيال والتمثل الجمعي للمواطن المغربي وبذلك يكون المحامي ضمير القانون وقد أدى الرسالة.

 

عبد العالي الصافي، محام بهيئة القنيطرة