وحيد مبارك: حتى لا نصنع الهزيمة بأيدينا

وحيد مبارك: حتى لا نصنع الهزيمة بأيدينا وحيد مبارك
استطاعت بلادنا منذ مارس 2020 أن تواجه الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 بكل قوة ومسؤولية وشجاعة، وتفادت السيناريوهات القاتمة المختلفة، بفعل التدابير التي تم تبنّيها بفضل التتبع الشخصي للملك محمد السادس للوضع الوبائي وتعليماته المستمرة للتخفيف من الوقع الصحي والاقتصادي والاجتماعي للوباء، بل أن المغرب تقدّم أشواطا كثيرة وهو يوقع على اتفاقيات للحصول على اللقاح الصيني المضاد للفيروس، قبل أن ينوع مصادره التلقيحية، فضلا عن خطوة التصنيع المحلي، وأصبح بذلك مثلا يحتذى به تشيد به الأصوات من مختلف ربوع العالم.
تدبير سليم وعقلاني للجائحة، رغم بعض الملاحظات التي قد تثار، لكن قياسا بما عاشته مجموعة من الدول المتقدمة، التي لها أنظمة صحية متطورة واقتصادات قوية، كان المغرب متقدما ومتميزا. فما الذي حصل بين الأمس واليوم، ولماذا صرنا نعيش نكوصا وبات الفيروس يتقدّم يوما عن يوم، في الوقت الذي استفادت دول عانت الأمرّين من الدروس واستطاعت أن تنهض من كبوتها وتواجه نفس الفيروس بحزم أكبر؟
أسئلة لا يمكن إلا أن تكون مشروعة، لأن كل العوامل لمواجهة الفيروس ومتحوراته هي متوفرة في بلادنا، لكن وعوض أن نواصل الحرب ضد الوباء بنفس الجدية والمسؤولية والقوة والعزيمة، بات التراخي السمة الرئيسية لممارساتنا اليومية، وأصبح المواطنون يعرضون عن التلقيح، ولا يطبقون الإجراءات الوقائية والتدابير الحاجزية، وينظرون لخرجات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ومسؤوليها بنظرة شك تفتقد للثقة التي هي عنوان نجاح أية علاقة تجمع طرفين أو أكثر، ومتى افتقدت انهار كل شيء وبات من الصعب تحقيق أي تقدم أو نجاح.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، من حقنا أن نتساءل جميعا، كيف تدبر الوزارة ومسؤوليها وباقي المتدخلين الجائحة الوبائية لعلّنا نجد بعض الأجوبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعيدا عن ترقب المعجزات التي تبشّر بانتهاء الفيروس من خلال تمحوراته، بما أن كل الفرضيات والتوقعات التي تم تداولها منذ ظهور الفيروس في يوهان لم تتحقق كلّها، وهو ما يتطلب التسلح بالعلم وبالجدية لتحقيق التراكمات الإيجابية في انتظار ما قد تأتي به الأيام.  لقد مررنا خلال هذه الجائحة بعدد من الموجات وبلحظات مدّ وجزر، فهل أشرفت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية على تنظيم لقاءات لتقييم كل موجة بعد أن خفتت حدّة الإصابات بالفيروس، هل انفتحت على المواطنين وكل الفاعلين والمتدخلين، واستدعت الصحافيين، والمصابين، الذين عانوا من التبعات الوخيمة للفيروس والذين مرّ عليهم مرور الكرام، وأعلنت خلاصات ذلك؟ هل استغلت وضع التهدئة و"الهدنة" لتوفر الأدوية وتريح مهنييها المتعبين، ولتعدّ مسارات خاصة لتأمين التكفل بالمرضى في حال تسجيل موجة ثانية، مع توفير كل وسائل الوقاية، واستمرار التكفل بالمرضى المصابين بأمراض أخرى حتى لا تقع انتكاسات صحية، كما وقع بالنسبة لمرضى السرطان وغيرهم؟ هل سعت لتوفير اختبارات الكشف عن الفيروس بالشكل المطلوب، حتى يتم فحص أكبر عدد ممكن من المواطنين والكشف عن البؤر مبكرا، والاستعانة في ذلك بالمرافق الصحية وبمختلف الفضاءات العامة، بما يسمح بتعقب الفيروس أينما كان لحماية المجتمع؟ هل استعانت بالمراكز الصحية التي بات يلجها الرضيع والمرأة الحامل والمصاب بالسكري وبالضغط الدموي جنبا إلى جنب مع المصاب بالكوفيد، مما يسهّل من انتشار الفيروس بشكل واسع، لكي تضع البروتكول العلاجي وتشرع في علاج المرضى الحاملين للأعراض، بدون إجراء اختبار الكشف، وكلما تم علاج عدد كبير من المصابين إلا وتمت حماية فئة عريضة من مرضى الكوفيد ومحيطهم، بما أن إجراء التحاليل ليس في متناول الجميع؟ وهنا يمكن الاستدلال بمثال في هذا الباب كشف عن نجاعة الخطوة، والمتمثل في الطريقة التي تمت بها مواجهة الملاريا في وقت سابق.
لا يمكن اليوم الاستمرار في قبول الكيفية التي يتم بها الرد على خطابات التشكيك في نجاعة اللقاحات، والحث على تلقي الجرعات، التي لا يمكن وصفها إلا بالببغاوية، فكثير من مسؤولي الوزارة يطلون على المواطنين من خلال شاشات التلفاز لترديد خطابات تفتقد لكل عناصر التواصل مع المتتبعين، ويغيب عنها آليات الربط الاجتماعي والإنساني، لتبقى بذلك مجرد عبارات جافة جوفاء، بالرغم من حمولتها العلمية لكن طريقة إيصالها هي التي تعاني من عيوب كثيرة. وليس من اللائق بتاتا أن تواصل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إصدار بلاغات عبارة عن ردود فعل، بعيدة عن الواقع ويعرف المغاربة كلهم بأنها بلاغات مجانبة للصواب، كما هو الحال بالنسبة لموضوع الأدوية المفتقدة من الصيدليات، فقد خرج صيادلة ومسؤولين في القطاع لتأكيد ليس الخصاص وإنما ندرة مجموعة من الأدوية وغيابها المطلق، وعانى مواطنون في بحثهم عنها، وأنجز صحافيون روبورطاجات وكتبوا مقالات في الموضوع، ثم أتت الوزارة في نهاية المطاف لتكذّب الجميع؟
ليس من المسؤولية في شيء أن يهتم مختلف مدبري مصالح الوزارة في المستشفيات والمديريات الإقليمية والجهوية بتعقب الأخبار لتكذيبها عوض التواصل وتقديم الأجوبة عن الأسئلة الموجهة لهم وتوفير المعلومات التي يبحث عنها الجميع، لأن سلوكات من هذا القبيل، لا تصنع إلا الهزيمة، وتعاكس تيار الإيجابيات الذي تحقق منذ بداية مواجهة الوباء. نحن نحتاج إلى تعزيز الثقة بين الجميع، وإلى خلق مناخ صحي تتوحد فيه كل الجهود لحماية الذات والمجتمع ولتحصين وطننا من مخاطر الجائحة المتعددة، ونحتاج إلى إحساس أكبر بالمسؤولية وثقلها، أفرادا وجماعات، لأننا نتحدث عن مصير وطن، واستمرار مجموعة من السلوكات الفردانية، وتواصل سوء التقدير من طرف مسؤولين وإدارات ومقاولات ومواطنين، هو وصمة عار على جبيننا جميعا.
نحن اليوم نكتب صفحة من صفحات تاريخ الغد، نحن اليوم نصنع قدرنا وقدر مستقبل أبنائنا بأيدينا، فهل نكون في مستوى اللحظة وحجم التحدي، وهل نصنع انتصارا يشرّفنا يستحضره الجميع غدا أم هزيمة تسيء لنا تظل شاهدة على كبوتنا وسوء تدبيرنا؟ الاختيار بأيدينا، كل من موقعه، فإما نتنازل عن أنانيتنا ونتحمل مسؤوليتنا كاملة، كل من موقعه، أو نواصل استهتارنا بأرواحنا وأرواح غيرنا والمقامرة بمصير أحبابنا ووطننا.