مناورات حقوقية لتخفيف حكم الإعدام في حق قاتل الطفل عدنان

مناورات حقوقية لتخفيف حكم الإعدام في حق قاتل الطفل عدنان
10 سنوات.. ظل الفرح والسرور سمة الاحتفال بعيد ميلاد عدنان وسط أسرته وأصدقائه، كيف لا، وهو نتاج زواج ظل الأمل في إنجابه ضئيلا لسنوات قبل أن يكون هو أمل والديه. لكن رقم 11 لم يكتب له أن يوضع على قطعة الحلوى يوم 12 أكتوبر 2020. فقبل هذا التاريخ بحوالي شهر نزل الخبر الصاعقة على أسرة الطفل عدنان، اختطاف واعتداء جنسي وعنف وقتل وتمثيل بالجثة ودفن خفية وطلب للفدية..
 
 
هي قصة ستظل شاهدة على إجرام خطير لشخص اعترف بالمنسوب إليه بعد محاصرته بالحجج والبراهين، جريمة قتلت القيم الإنسانية وقتلت الكرامة، وشكل مقتله بعد اغتصابه واختفائه حالة استثنائية لقيت تعاطفا من الرأي العام الوطني، وانخرط الملك محمد السادس بدوره في هذا التعاطف من خلال رسالة تعزية ومواساة لأسرة الطفل في فقدان فلذة كبدهم، مستنكرا هذا الفعل الإجرامي الشنيع الذي ذهب ضحيته الطفل عدنان، مستشعرا مع أسرته وجميع الأسر المغربية التي تعاطفت معهم جسامة هذا الرزء الفادح، داعيا للفقيد بالرحمة والغفران ولأهله بالصبر والسلوان.
 
إعادة تركيب
 
عودة «الوطن الآن» لهذا الموضوع هو من باب المتابعة، حيث من المقرر أن يعرض ملف هذا الحادث الإجرامي على محكمة النقض يوم الأربعاء 5 يناير 2022، بعد أن قضت غرفة الجنايات الاستئنافية تأييد القرار الجنائي الابتدائي بإعدام المتهم، بالنظر لخطورة الأعمال الإجرامية المرتكبة.
وتعود وقائع هذه القضية إلى 7 شتنبر مسجلا بلاغا باختفاء ابنه القاصر عدنان الذي يتابع دراسته بالسنة السادسة من التعليم الابتدائي.
تمت الاستعانة ضمن التحريات القضائية بالكاميرات المثبتة ضمن كل المسارات المحيطة ببيت الطفل، حيث تم رصد مقطع فيديو للطفل عدنان وهو يرافق أحد الأشخاص في الثلاثينيات من عمره بمحض إرادته، كما رصدت كاميرا أخرى نفس الشخص وهو يقوم بعملية سحب الأموال من أحد الشبابيك البنكية، وقد تم تزويد رجال الشرطة بكل المعطيات المتعلقة بهذا الشخص، لتمتد التحقيقات لمقر عمله، وخلال عمليات البحث توصل والد الطفل عدنان برسالة نصية يطالبه فيها هذا الشخص بفدية 100 مليون سنتيم.
وبعد التوصل إلى منزل المعني بالأمر، تم القبض عليه وحجز هاتفين نقالين ونظارة طبية و8 بطاقات اتصال. كما تبين أنه حلق وجهه بالكامل ووضع كمامة واقية لإخفاء ملامحه.
 
إنكار ثم اعتراف
 
حاول عبد الله، وهذا اسمه، أن ينكر في البداية لكن بعد مواجهته بمقاطع الفيديو، اعترف مبدئيا بأنه استدرج القاصر عدنان إلى منزله وأنه مارس عليه الجنس بطريقة شاذة من الدبر بالعنف، وأنه أمام صراخ القاصر وخوفا من افتضاح أمره قام بخنقه إلى أن فارق الحياة، مقرا بأنه قام بدفنه بمحيط المجموعة السكنية بنفس الحي، ليتم مرافقته إلى عين المكان وبإرشاد منه، تم العثور على مكان دفن الضحية الذي تم استخراج جثته بحضور عناصر مسرح الجريمة ونقلها وإيداعها بمستودع الأموات لإجراء تشريح طبي عليها.
اعترافات تقشعر منها الأبدان، كيف تعقبه وكيف استدرجه، وكيف تأكد من خلو زقاق بيته من الناس، وكيف أغلق الباب وأمسك القاصر من إحدى يديه لممارسة الجنس عليه وهتك عرضه، وكيف حاول الطفل المسكين مقاومته والصراخ بأعلى صوته، وكيف ارتطم رأس الطفل وهو يحاول التخلص من المعتدي، وكيف بدأ الدم ينزف من جبينه، وكيف خارت قواه، ومع ذلك زاد إصرار المعتدي على إتمام جريمته لتحقيق شهوته بعد أن تمكن من السيطرة عليه وتمديد جسده فوق سرير إسفنجي، ومع ذلك استعاد الطفل وعيه، ليستعطفه بأن يخلي سبيله ويعطيه 20 درهما، كان والده قد أعطاها إياه لاقتناء دواء من الصيدلية..
 
هتك عرض وخنق
 
لا يبدو أن الطفل عدنان كان أمام شخص سوي، ومهما كانت المبررات النفسية، فهي غير ذي جدوى، شخص في الثلاثينيات من عمره قوي البنية الجسدية، يصر على ممارسة الجنس في حق طفل ذي 11 ربيعا، بعد أن قام بتجريده من ملابسه إلى أن أشبع غريزته الجنسية، ولولا أنه سمع طرقات بالباب الخارجي للمنزل، الله أعلم بماذا كان يخطط أيضا، وخوفا من افتضاح أمره، حمل هذا الوحش الآدمي جسد الطفل وهو شبه مغمى عليه وصعد به إلى السطح، ووضع كيسا بلاستيكيا حول رأسه وخنقه بقوة باستعمال كلتا يديه على مستوى عنقه إلى أن فارق الحياة.
عاد إلى الغرفة التي ارتكب فيها جريمته، ونظفها من كل آثار قطرات الدم، وفي نفس الليلة، وفي وقت متأخر قام بحفر حفرة بجانب الحديقة المهملة بجانب المنزل، وعاد في حدود الساعة الرابعة ليلا، إلى سطح المنزل حاملا جثة الطفل عدنان مجردة من ملابسه حيث قام بدفنها ثم عاد إلى المنزل. وفي اليوم الموالي، وعند انتشار خبر اختفاء الطفل عدنان، قام بحلق لحيته ورأسه، في محاولة لتغيير ملامح وجهه. وللتمويه، أرسل رسالة نصية لرقم هاتف والد الطفل بلهجة مشرقية قصد تحريف مسار البحث.
 
مناورات حقوقية
 
خلال أطوار القضية، وعلى غير العادة، فإنه عندما تنتصب الجمعيات الحقوقية، تدافع عن حقوق الضحايا، إلا أنه في هذا الملف بدأ ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يبحث عن أمور يراد منها التشكيك في المنسوب إلى المتهم الذي أقر بأفعاله، من قبيل التشكيك في الخبرة الجينية، وتسجيلات الكاميرات، والانتدابات مع شركات الاتصال، وكذا تقرير التشريح الطبي، متسائلا هل الاعتداء الجنسي حصل قبل الوفاة أم بعدها؟ وعن السبب الحقيقي للوفاة، ملتمسا استدعاء الخبير لأنه لا وجود لحديث عن اعتداء جنسي، دفوعات ارتكز عليها دفاع المتهم الرئيسي الذي قال عنها «دفوعات مؤسسة ومفيدة لتوضيح حقيقة الملف».
بل  عاد ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خلال مرافعته في الموضوع، إلى التأكيد أن هناك أمورا جديدة وأدلة ظهرت من خلال تصريحات المتهم الذي زعم أن أشخاصا آخرين ضمن نفس الملف هم شركاء معه، وبأنه لم يستدرج الضحية بالعنف.
 
هول الجريمة
 
من جهة أخرى أكد دفاع الضحية عدنان أن الضرر أصاب كل الأسر المغربية التي وضعت أيديها على قلوبها من هول هذه الجريمة، ضرر تعدى أسرة الطفل عدنان، وبأن قرار المحكمة هو الذي سيرجع الأمن للأسر، مع أنه ليس هناك أي حكم سيعوض عائلة الضحية. فالجريمة وقعت على الحق في الحياة، وأن هذا الحق تحميه جميع الشرائع وجميع القوانين والاتفاقيات، وكيف أن الجريمة تخطت الحدود الوطنية، وأضحت موضوع الإعلام الدولي، ما دفع منظمة اليونسيف إلى نشر تغريدة حول وفاة الطفل عدنان، وقبل ذلك كيف أثرت هذه الجريمة في مشاعر الملك محمد السادس، وبعثه ببرقية تعزية ومواساة، واصفا الطفل بالشهيد، والحادثة بالفاجعة والرزء الفادح.
المحامي الزايدي، قال بأن الجريمة بشعة لكونها استهدفت طفلا صغيرا، وأن المتهم سيظل اسما على علم، وسيظل اسمه مرتبطا بهذه الجريمة، وأنه لم يعبر على ندمه من خلال إنكاره أمام المحكمة قتل الضحية، وأن الطفل قتل وهو يدافع عن كرامته، وأنه بمقتله قتل والديه وقتل العديد من الآباء والأمهات نتيجة خوفهم على فلذات كبدهم.
الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أكدت أن جميع عناصر فصول المتابعة قائمة وثابتة، وأن اعتراف المتهم هو سيد الإقرار، بالإضافة إلى تقرير التشريح الطبي، وأن الضحية تعرض لتعذيب بدني بشع وبدم بارد عن طريق الخنق، وأن جميع الاتفاقيات الدولية طالبت بتطبيق عقوبة الإعدام في مثل هذه الجرائم التي يكون ضحاياها قاصرون..
 
ملتمس الإعدام
 
من جهته أكد الوكيل العام للملك أن الواقعة كانت محلية، ثم أخذت بعدا وطنيا ثم دوليا، وأن المتهم عبد الله لم يجد بدا من الاعتراف أمام الضابطة القضائية، وأنه ذكر بكل تفصيل ما قام به من أفعال وكيف عمل على استدراج القاصر إلى المنزل، ومن ثم قام بهتك عرضه بعد أن أزال له ملابسه، وأنه نتيجة مقاومة الضحية، قام المتهم بخنقه وقتله، وهي اعترافات أكدها أمام قاضي التحقيق، وأنه أمام المحكمة يحاول إعطاء سيناريو مغاير، الهدف منه التملص من المسؤولية واقتسامها مع باقي المتهمين، وكيف أنه بعث برسالة نصية لوالد الضحية يطلب منه منحه فدية مالية مقابل إرجاع ابنه له، إضافة إلى أنه مباشرة بعد ذلك قام بحلق رأسه ولحيته وطالب باقي المتهمين بعدم إخبار أي شخص عن هويته.
كما أكد ممثل النيابة العامة على مضمون التشريح الطبي الذي خلص إلى أن الوفاة كانت نتيجة الخنق، كما أن التقرير المذكور خلص إلى وجود عينات من الحمض النووي الخاص بالمتهم على مستوى شرج الضحية، والتمس ممثل النيابة العامة الحكم بالإعدام في حق المتهم.
 
مطالب حقوقية غير جدية
 
وضمن حيثيات قرار المحكمة، أكدت أن جميع الطلبات المقدمة من طرف دفاع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان غير مؤسسة ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستجابة لها، مادام أن تقرير التشريح الطبي جاء وفقا للضوابط العلمية والقانونية ومكتملا، إضافة إلى اعترافات المتهم الصريحة أمام الضابطة القضائية وقاضي التحقيق، تجعل كل الإثباتات كافية في الملف وأن خلاصة الخبرة كافية أيضا للقول بإدانته، وبالنظر لخطورة وبشاعة الجرائم المرتكبة من طرف المتهم في حق طفل قاصر لايتجاوز عمره 11 سنة، ارتأت المحكمة عدم تمتيعه بظروف التخفيف، ومؤاخذته من أجل ما نسب إليه والحكم عليه بالإعدام.
 
في رسالة للأسرة: «كلنا عدنان»
 
كلنا عدنان.. رسالة الأسرة لمحكمة النقض هي رسالة تأتي عشية عرض ملف الطفل عدنان أمام محكمة النقض، وسط مطالب حقوقية، وبالضبط من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمراجعة حكم الإعدام في حق المتهم الذي اختطف وانتهك عرض الطفل عدنان، وقتله ودفنه، وطلب فدية من والديه..
تقول الرسالة:
.. ليست العائلة الصغيرة هي الوحيدة التي تقطع قلبها على ابنها البريء عدنان الذي عبثت به أيادي أخطر المجرمين باستدراج ذلك الطفل ذي الوجه الملائكي الجميل مستغلا سذاجته وحسن نيته ليعذبه.. يغتصبه.. يقتله ببرودة دم وإصرار جبان تم يقوم برميه في حفرة بحديقة قرب منزله !!
جميع المغاربة سمعوا وتتتبعوا الواقعة، بل حتى من هم خارج الوطن عبر الإعلام الدولي الذي تتبع الحدث الإجرامي المشين الذي لطخ صورة المغرب والمغاربة. 
إن المجرم المنزوع من إنسانيته قام بجرائم متعددة في هذه الواقعة وكل جريمة من جرائمه تلك تستحق القصاص والاعدام، فكيف لا بكُلها؟
يوم الأربعاء 5 يناير 2022، ستطفو مرة أخرى على السطح قضية عدنان بوشوف وهذه المرة في محكمة النقض.
المغاربة كلهم ينتظرون إنصافهم وطمأنتهم؛ وليست وحدها أسرة عدنان، وليس فقط قصاصاً لعدنان وروح عدنان وإنما أيضاً لاطمئنانهم على أمن وأمان فلذات أكبادهم، لأن تأييد حكم «الإعدام» سيكون درسا بليغاً لكل من تسول له نفسه العبث بأولادنا واغتصابهم وقتلهم.
ومن حقنا أن نسأل بعض هؤلاء «الحقوقيين» الذين يطالبون بتخفيف الحكم ما إذا كانوا سيطالبون بأقل من الإعدام لو حصل لهم أو لإخوانهم أو لأمهاتهم أو لزوجاتهم ما حصل لعدنان.
لقد واسى عاهل البلاد، نصره الله وأيده، الأسرة والعائلة والمغاربة وخفف من حزنهم برسالة تعزية وكذلك ما فعلته الوفود الحكومية التي انتقلت لمدينة طنجة لتقديم التعزية والمواساة.
على القضاء يوم الأربعاء 5 يناير 2022 أن يقول كلمته، ولنا كامل الثقة في القضاء أن يساند قضاء النقض الحكم الابتدائي والاستئنافي ويقضي بإعدام المجرم ليطوى هذا الملف ويسدل الستار على هذه الجريمة الشنعاء في حق عدنان وفي حق كل فلذة من فلذات أكبادنا وتنطفئ الحرقة المشتعلة في قلب أم بل أمهات وآباء لا يمكن أن تنطفئ إلا بنطق تأييد لحكم الإعدام.