ياسين بلقاسم: 2021 "عام الديمقراطية والانقلاب" في العالم

ياسين بلقاسم: 2021 "عام الديمقراطية والانقلاب" في العالم ياسين بلقاسم

كانت الديموقراطية والانقلابات عليها القواسم المشتركة لعام 2021 بين العديد من الدول في العالم، سواء كانت ديموقراطية مدنية حقة احتكمت إلى صناديق الاقتراع بشفافية أو تلك التي انقلب عليها الرئيس أو تلك التي اغتصبها العسكر أو تلك الغائبة أصلا.

 

خلال الأسبوع الأول من يناير 2021 كانت عاصمة الولايات المتحدة، واشنطن، مسرحا لمحاولة قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أعطت الفوز لجو بايدن على حساب دونالد ترامب في البيت الأبيض. اندلعت مظاهرات عنيفة في الشوارع قادتها أوساط تزعم "تمثيل الإرادة الشعبية" وعليها "مقاومة مؤامرة الدولة العميقة المناهضة لترامب". فشلت المحاولة، لكن الرسالة التي تم تسليمها للرئيس الجديد كانت واضحة: الحفاظ على سياسة ترامب التي انتهجها على المستوى العالمي منذ انتخابه عام 2016. ويعتبر الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان جزءا من هذا السياق. إنه قرار ترامب نفذه بايدن، للاستجابة للمصلحة الاستراتيجية المتمثلة في إنهاء "حرب مكلفة" في بلد لا يهم سوى موقعه بين الفضاءات التركية والإيرانية والروسية والصينية. وبذلك تختفي يوتوبيا الديمقراطية في كابول بعد عشرين عاما. وأكد عام 2021 أن الديموقراطية "نظام حكم عزيز" على القوى الغربية لكنه "غريب" على تاريخ وحساسيات أفغانستان التي سيطر عليها تنظيم الطالبان المسلح بكل سهولة، فلا تعددية ولا انتخابات.

 

 في ألمانيا انتهى عهد أنجيلا ميركل عبر صناديق الاقتراع وتم تكوين حكومة بالتراضي؛ بينما اختارت إيطاليا تعديلا حكوميا برئاسة ماريو دراجي عوض اللجوء إلى الانتخابات بمبررات إكراهات الأزمة الاقتصادية والتكلفة المالية للانتخابات والتزامات الحكومة السابقة مع الاتحاد الأوروبي لتقديم الحساب في ظرف وجيز حول الدعم المالي الأوروبي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على المجتمع الإيطالي.

 

في المغرب، تلقى حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة لعقد من الزمن، هزيمة مدوية في انتخابات شفافة تشريعية وجهوية ومحلية في شتنبر 2021 فاقت المشاركة فيها نسبة 70% في مدن الصحراء المغربية، وكون تحالف حزبي ثلاثي حكومة بأغلبية برلمانية مريحة وبحقائب وزارية عددها أقل من الحكومات السابقة.

 

وفي تونس، أطاح الرئيس قيس سعيد بالحكومة والبرلمان، فسيطر على السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية، مما أسفر عن "خيبة أمل شعب راهن على ربيع عربي" تبين أنه "مغشوش" حسب ملاحظين مستقلين.

 

في الجزائر الذي تسيطر على دواليب حكمه الطغمة العسكرية، دخل دستور جديد حيز التنفيذ بعد استفتاء شارك فيه أقل من 10% من السكان، استمر الصراع المحتدم بين أجنحة الجيش وتصفية الحسابات بينها حيث وصلت حدود مثيرة ومرشحة للانفجار في المستقبل. الحديث عن اعتقال أكثر من أربعين ضابط سامي بين جنيرال وعقيد وفرار آخرين إلى الخارج بتهم "الخيانة ومحاولة الانقلاب"، ورغم القمع الممنهج والاعتقالات التعسفية للمعارضين فإن الحراك الشعبي يطالب بدولة مدنية ويرفض حكم العسكر، بينما الطغمة العسكرية التي تتحكم في البلاد والعباد منذ الاستقلال بقبضة من حديد تسعى إلى تصدير أزماتها عبر انتساب جميع كوارث البلاد إلى جارها المغرب، واستمر قمع والتضييق وانتهاج سياسة الأرض المحروقة في الجزائر عامة وفي القبايل المحتلة خاصة. للتذكير، فقد قدم الزعيم فرحات مهني، رئيس حكومة جمهورية القبايل، مذكرة رسمية لدى الأمم المتحدة للمطالبة باستقلال القبايل عن الجزائر.

 

مازالت ليبيا تعيش أزمة داخلية حادة. لم ينجح الفرقاء في تنظيم انتخابات دجنبر 2021، ويبدو أن مضامين الكتاب الأخضر للعقيد القذافي الراحل "اللجن في كل مكان ومن تحزب خان" ما زالت تخيم على بلد كان يريد البديل لكنه سقط في مستنقع تتصارع فيه الميليشيات والدول الأجنبية، أضف إلى ذلك أن الاحتكام إلى السلاح غيب أدوات المنافسة الديموقراطية من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني لتأطير وتمثيل الشعب.

 

في فلسطين لازالت الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعيدة المنال، فأبو مازن يراوح مكانه منذ رحيل ياسر عرفات، وحماس تسيطر على غزة، وحركة فتح وباقي الفصائل على الضفة الغربية خالدين.

 

لا حديث عن الديموقراطية والسلم في اليمن وسوريا وإيران والاحتكام إلى السلاح هو السائد.

 

لبنان بلد الطوائف المسلحة والأجندات الأجنبية لا ينعم بالاستقرار والأمن.

 

شهدت إفريقيا، مرة أخرى هذا العام، انقلابا عسكريا في مالي قد يستفحل أزمة البلد إلى ما لا نهاية في مشهد تنافس شديد بين القوى الغربية والروسية للسيطرة على منطقة الساحل الاستراتيجي الحيوي بثرواته الباطنية.

 

وفي غينيا أقدم عسكري فرنسي سابق ومستشار رئيس الدولة على اعتقال رئيسه المنتخب والإطاحة به، ولم يقدم العسكر السلطة للمدنيين بعد ولا انتخابات في الأفق.

 

انقلاب آخر عرفه شرق إفريقيا في السودان المعروف ببلد الانقلابات والانقلابات المضادة. بشكل درامي، تم اعتقال رئيس الوزراء ثم تمت إعادته لمنصبه في الخرطوم.

 

في إثيوبيا بلد المائة إثنية، استمرت الحرب الأهلية المسلحة بين السلطة المركزية وإقليم تيغراي.

 

في أمريكا اللاتينية هذا العام، أنتجت "الديمقراطية" مفاجآت انتخابية في البيرو والشيلي، حيث ينتمي رؤساؤها الجدد إلى اليسار المتطرف البعيد تاريخيا عن الحكم؛ في فنزويلا ونيكاراغوا فاز اليسار المتطرف أيضا في ظروف مثيرة غير مبالية بالإرادة الشعبية وواقع البلاد. فاز دانييل أورتيجا (نيكاراغوا) في نونبر دون مشاكل كثيرة بعد أن سجن منافسيه الرئيسيين.

 

فهل ستكون السنة الجديدة 2022 سنة الديموقراطية والقطع مع ما يشوبها ومع الانقلابات العسكرية؟

 

سنة سلم وسلام حتى مطلع يناير المقبل للجميع...