يوسف لهلالي: هل تتحول قناة المانش بين فرنسا وبريطانيا الى مقبرة جديدة للمهاجرين

يوسف لهلالي: هل تتحول قناة المانش بين فرنسا وبريطانيا الى مقبرة جديدة للمهاجرين يوسف لهلالي
بعد المأساة التي شهدها بحر المانش الأسبوع الماضي حيث ابتلع البحر 27 مهاجرا، بدأ السؤال يطرح حول تحول هذا المعبر الجديد والقديم بين فرنسا وبريطانيا إلى مقبرة جديدة للمهاجرين، بعد أن احتفظ البحر المتوسط لوحده لفترة طويلة بهذه الصورة المأساوية حيث ينتهي حلم الهجرة الوردي لعدد من المهاجرين إلى ظلام في أعماق البحر.
بعد المأساة الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام الدولية صورة الشابة مريم وهي امرأة عراقية غادرت بلدها للانضمام إلى خطيبها في عاصمة الضباب، والتي انتهت رحلتها وحلمها بالغرق في أعماق بحر المانش دون أن تعيش بقية عمرها إلى جانب شريك حياتها وأكدت أسرتها وجودها بين الضحايا.
وفي الوقت الذي يستمر فيه تبادل التهم حول المسؤولية في هذه المأساة بين باريس ولندن، يستمر البحر في التهام هؤلاء المهاجرين ومن بينهم أطفال ونساء، الذين أصبحت مؤسساتهم وقودا للحملة الانتخابية وللحسابات الشعبوية لسياسيين، في غياب أية حلول من اجل استقبال هؤلاء الهاربين من الحرب وعدم الاستقرار الذي تشهده عدد من بلدان الشرق الاوسط وأفريقيا.
ورغم استمرار الماسي التي يستغلها المهربون وبعض السياسيين تستمر الاجتماعات السياسية حول الموضوع، دون ان يتم اتخاذ أي قرار لحل هذه الأزمة للهجرة نحو أوربا. والتي انتقلت من حدودها الجنوبية والشرقية الى الحدود الغربية مع بريطانيا التي غادرت الاتحاد الاوربي، وهو ما يجعل العلاقة متوترة بينها وبين بلدان الاتحاد حول الهجرة وحول الصيد البحري.
وتزايد الضحايا بقناة المانش مرتبط بالتحول الذي عرفته الحدود البرية بين فرنسا وبريطانيا بعد البريكسيت، فبعد اغلاق ميناء كالي والنفق عبر المانش الذي كان يستخدمه المهاجرون من خلال الاختباء بالمركبات الكثيرة التي كانت تعبر يوميا بين البلدين، ومنذ سنة 2018 تغير الوضع، وأصبحت الهجرة الغير النظامية تعتمد على الزوارق المطاطية القابلة لنفخ والتي نسميها في المغرب "الزودياك " ويبلغ طول بعضها 10 امتار ولها قاعدة صلبة، وبفعل العدد الكبير الذي يضعه المهربون في المركبة، فإنها عرضة للانقلاب بفقدان التوازن لعلو الأمواج بهذا البحر أو الغرق بسهولة خاصة ان الاغلبية الساحقة لركاب لا تعرف السباحة ولا تتوفر على وسائل الانقاذ في بحر معروف بهيجانه و بكثافة حركة المرور للبواخر بمختلف الاشكال والإحجام.
بلدان الاتحاد الاوربي المعنية بهذه الحدود لم تتخذ إجراءات لتفادي هذه المأساة الإنسانية، وطالبت فرونتيكس، شرطة الحدود الأوربية باستعمال طائرة مراقبة بالمنطقة، دون اتخاذ قرارات عملية لوقف هذه الهجرة عبر فتح مكاتب لتسجل هؤلاء اللاجئين. رفع سياسة التشدد في اللجوء من طرف هذه البلدان كما طالبت بذلك العديد من المنظمات الغير الحكومية.
ومباشرة بعد هذه الفاجعة التي أودت بعدد من المهاجرين دعت فرنسا إلى اجتماع اوربي حضرته كل المؤسسات الاتحاد الاوربي المعنية بهذا الملف من اجل مكافحة شبكة المهربيين التي تتاجر في البشر حسب باريس، وذلك دون حضور بريطانيا التي استبعدتها فرنسا لتفاقم الخلافات بين دجونسون وماكرون جول تدبير هذه الازمة.
وحضر هذا الاجتماع بالإضافة إلى وزير الداخلية الفرنسي جيرار درمنان وزراء المانيا وهولندا وبلجيكا المكلفين بشؤون الهجرة في مقر بلدية كاليه وأيضا المفوضة الاوروبية للشؤون الداخلية يفلا جوهانسون ورئيسا وكالة الشرطة الاوروبية (يوروبول) وفرونتكس.
ويعقد الاجتماع بدون بريطانيا وهي دولة معنية بالمشكلة. فقد ألغى جيرار دارمانان مشاركة نظيرته بريتي باتيل الجمعة ردا على رسالة نشرها رئيس الوزراء بوريس جونسون مساء الخميس على تويتر يطلب فيها من باريس استعادة المهاجرين الذي تمكنوا من دخول بريطانيا بطريقة غير قانونية، اضافة الى تسيير دوريات مشتركة على الساحل الشمالي لفرنسا.
فرنسا في هذا اللقاء ركزت على ان هذه الازمة هي بين بلدان الاتحاد الأوربي وبريطانيا وضرورة إيجاد حل لها في هذا الإطار، وبالنسبة لباريس ان هذه الظاهرة تفاقمت مع بداية البريكسيت، أي خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الاوربي.
لكن الاتحاد الاوربي حتى الان هو عاجز عن تدبير ملف الهجرة وذلك لتباين وجهات النظر الكبيرة بين اعضائه حول تدبير هذت الملف، بين البلدان الغنية للاتحاد التي مازالت في حاجة للهجرة وبين بلدان شرق اوربا ووسطها وهي الأقل غنى، والتي لا ترغب في هذه الهجرة الوافدة من خارج القارة وتريد من الاتحاد الأوربي تمويل جدار لفصل حدودها عن باقي بلدان اوربا الشرقية، وهو ما تطالب به بولونيا بعد الازمة الخطيرة حول الهجرة التي وقعت على الحدود البولونية والبلاروسية، حيث لم تتردد فارسوفيا في اتهام موسكو بوقوفها وراء هذه الأزمة من خلال تشجيع بلاروسيا والضغط على بولونيا وأوربا من خلال استعمال هذه الورقة التي أصبحت حساسة لارتفاع قوة اليمين المتطرف والصورة السلبية التي ينشرها الإعلام حول الهجرة.وهو ما اصبح يطلق عليه الحرب الهجينة التي تستعمل فيها الهجرة العابرة للحدود.
طبعا هناك الخلافات الاوربية- الأوربية والخلاف مع بلدان الجوار خاصة بريطانيا التي تريد غلق حدودها مند انسحابها من هذا التجمع، ويتهمها الاوربيون بعدم احترام الاتفاق الذي تم بعد البريكسيت، وهو ما يفسر الجدل المستمر والطويل بين فرنسا وبريطانيا حول هذا الموضوع.
وسوف تستمر ماسات هؤلاء المهاجرين في ظل تغليب المقاربة الامنية من طرف اوربا في معالجة هذا الملف في مختلف حدودها، ونهج سياسة التشدد في معالجة هذا الملف، وذلك لتصاعد الكبير لحركات اليمين المتطرف والمحافظ في عدد كبير من بلدان الاتحاد الأوربي، وهو ما تشهده الساحة السياسية بعدد من البلدان الاوربية، وأيضا بفعل وجود فاعلين من هذه العائلة السياسية وقدرتهم على لعب دور مهم في هذه الانتخابات من خلال استغلال ماسات الهجرة ودون تقديم اية حلول اقتصادية او اجتماعية، بل ان هذا الخطاب المتشدد حول الهجرة بدأ ينجر له العديد من السياسيين المحسوبين على اليمين الاجتماعي وحتى بعض تيارات اليسار. وأصبح إبراز العداء للهجرة وكل ما يرتبط بها رأسمالا مربحا في مختلف الانتخابات وهو ما برز في الحملة التمهيدية للانتخابات الرئاسية بفرنسا.