فيراشين: ستظل الجبهة الاجتماعية إطارا موحدا للنضال ضد التوجهات النيوليبرالية للحكومة

فيراشين: ستظل الجبهة الاجتماعية إطارا موحدا للنضال ضد التوجهات النيوليبرالية للحكومة يونس فيراشين، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل
قراءة المشهد السياسي والسياسات الحكومية يقتضي الوقوف على السياق العام بكل تقاطعاته. فالعالم اليوم يعيش على وقع تداعيات أزمة صحية غير مسبوقة ومازالت مستمرة، وما أحدثته من رجة قوية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى العلاقات الدولية بكل أبعادها، حيث جعلت الجميع يقف على هشاشة النظام الاقتصادي النيوليبرالي وأكدت على أهمية البعد الاجتماعي والبيئي، وهدمت ما كان يعتبرها البعض يقينيات حول اقتصاد السوق، وأعادت للإنسان قيمته باعتباره محور وهدف كل السياسات. لكن النظام الرأسمالي، كعادته، يجعل حتى من المآسي الإنسانية فرصا للربح ومراكمة الثروات. ولعل الصراع حول اللقاحات خير دليل على جشع لوبيات المال التي لم تستخلص دروس الجائحة. 
عاشت بلادنا كسائر أنحاء العالم تداعيات الأزمة الصحية التي أكدت بما لا يدع مجالا للشك عن عمق الأزمة الاجتماعية وهشاشة بنياتنا الاقتصادية، والضعف المزمن لمنظومتنا الصحية، وكذلك هشاشة العلاقات الشغلية الحماية الاجتماعية للآلاف العمال الذين فقدوا مصدر دخلهم. في هذا السياق الاستثنائي أجريت انتخابات 8 شتنبر 2021 التي كان من المفروض أن تشكل قطيعة مع التجارب الانتخابية السابقة وتعيد الثقة للمؤسسات التي تفرزها صناديق الاقتراع باعتبارها تعبيرا عن الإرادة الشعبية، خاصة ونحن أمام نموذج تنموي جديد، كان من المفروض كذلك أن يحدث قطيعة مع الاختيارات السابقة. لكن للأسف شهدت الانتخابات بكل مراحلها استعمال المال وكل أشكال الإفساد ولم تشكل لحظة للتنافس والاختيار الديمقراطي بين مشاريع وبرامج انتخابية. اليوم وبعد تشكيل الحكومة التي تمتلك أغلبية مريحة ليس فقط في البرلمان، بل كذلك على مستوى الجهات والجماعات الترابية، جاء التصريح الحكومي، بكل أسف، مخيبا للآمال. وتأكد مع مشروع قانون المالية ألا تغيير في التوجهات الكبرى، وأن الحكومة لم تستخلص الدروس المناسبة من سياق الجائحة، رغم الشعارات الاجتماعية التي زينت التصريح الحكومي. لقد حضرت أساسا مصالح الرأسمال وتم تغييب مطالب وتطلعات الطبقة العاملة والشرائح الاجتماعية المتوسطة والهشة، ولم يقدم قانون المالية أجوبة حقيقية عن إشكالية الفوارق الاجتماعية والمجالية واتساع دائرة الفقر والارتفاع المهول في نسب البطالة واستمرار فقدان العمال لمناصب شغلهم، كما غابت إرادة إصلاح القطاعات الاجتماعية الأساسية وتجويد الخدمات العمومية. بل على العكس من ذلك تتجه الحكومة نحو المزيد من التفويت للقطاع الخاص و تفكيك الوظيفة العمومية وفرض المرونة في العلاقات الشغلية بمبرر تشجيع الاستثمار، رغم أن تقارير مجموعة من المؤسسات الدولية تؤكد أن العائق الأول للاستثمار في بلادنا هو الفساد الذي غيبت الحكومة في برنامجها كل آليات محاربته ووقف كل أشكال الريع والاحتكارات والامتيازات. 
لقد عشنا طيلة عشر سنوات الماضية على إيقاع ضرب المكتسبات الاجتماعية وسياسات عمومية بخلفية نيوليبرالية متوحشة وبخطاب يستغل المشترك الديني لتبرير التراجعات. ويبدو اليوم من خلال المؤشرات الأولى أننا أمام استمرار لنفس الاختيارات بخطاب ديماغوجي جديد وبرؤية تكنوقراطية تبرر زواج المال والسلطة ومصالح الرأسمال الريعي الاحتكاري وتدبر الشأن العام بمنطق المقاولة والمواطنين باعتبارهم زبناء.
يحدث ذلك في سياق العودة القوية للسلطوية وتضييق كبير على الحقوق والحريات والحق في الاحتجاج والتعبير عن الرأي وقمع الحركات الاحتجاجية التي تعبر عن مدى الاحتقان الاجتماعي نتيجة أوضاع فئات واسعة من الشعب المغربي، ونتيجة القرارات المتسرعة والارتجالية للحكومة كان آخرها قرار فرض الجواز الصحي. 
إن الوضع الذي نعيشه يقتضي أكثر من أي وقت مضى تكتل القوى الديمقراطية لمواجهة هذه التوجهات النيوليبرالية وتنزيلها المتسارع عبر قرارات وقوانين لا شعبية ولا اجتماعية. وقد سبق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن ساهمت في إخراج فكرة الجبهة الاجتماعية، التي نعتبرها إطارا موحدا للنضال من أجل الحقوق والحريات والتعبير عن المطالب الاجتماعية لمختلف الشرائح الاجتماعية المتضررة من السياسات الحكومية. بالاضافة إلى ذلك ستظل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وفية لانحيازها الطبيعي لصالح الطبقة العاملة وكافة الفئات الاجتماعية ضحية التوجهات اللااجتماعية، سواء من داخل المؤسسات أو في الشارع. وقد أكدنا على ذلك أثناء مناقشة التصريح الحكومي وسنستمر كذلك خلال مناقشة مشروع قانون المالية في مواجهة وفضح هذه التوجهات. الرحلة تقتضي وحدة فعلية للنضالات من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.