يوسف لهلالي: زمور وافد جديد يلخبط أوراق الحملة الانتخابات الرئاسية بفرنسا

يوسف لهلالي: زمور وافد جديد يلخبط أوراق  الحملة الانتخابات الرئاسية بفرنسا يوسف لهلالي
لا احد كان ينتظر أن الترشيح المحتمل لأيريك زمور سوف يخلط الأوراق المنظمة للحملة الانتخابية الرئاسية بفرنسا. المرشح المحتمل صحافي يروج لأفكار اليمين المتطرف الفرنسي، ومن أتباع والمؤمنين بنظرية "الاستبدال الكبير" العنصرية لرونو كامي. زمور اليوم وحتى قبل ترشحه أصبح يؤثر على مجرى النقاشات التي ترافق الحملة الانتخابية، بل يفرض المواضيع التي يتم تناولها والتي تدور أساسا حول الهجرة، الإسلام والهوية.أخر ضحايا شطحاته، هو المرشح اليساري ارنو مونتبورغ، وهو وزير سابق بحكومة فرنسوا هولند الاشتراكية، واحد قادة الحزب السابقين، والذي قال في آخر لقاء صحفي له، انه إذا أصبح رئيسا سوف يمنع التحويلات المالية التي يقوم بها الهاجرون لعائلاتهم في حال عدم قبول بلدانهم استلام المهاجرين بدون إقامة. وذلك من اجل الضغط على البلدان الأصلية، وهو ما اثأر ضجة في أوساط اليسار ودفع أنصاره من الشباب إلى سحب دعمهم لحملته الانتخابية، وجعل مونبتورغ يتراجع عن اقتراحه بسرعة. لكن أفكار ايريك زمور انتصرت وهيمنت على الحملة الانتخابية، وتجاوز تأثيره اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف لتصل إلى احد ممثلي اليسار . هذا الضغط وصل إلى الحكومة الفرنسية أيضا وهو ما جعلها في الشهر الماضي تهدد دول المغرب العربي بالحد من عدد التأشيرات إلى النصف، في حالة عدم قبول هذه البلدان لرعياه الذين يتم ترحيلهم. هذه القرارات التي تبدو عادية وتدخل في إطار ممارسة فرنسا لسيادتها، لكن دوافعها ليست كذلك، بل الركود وراء هذه الأفكار حول الهجرة ، هي أفكار يرددها مرشح لم يعلن عن نفسه بعد بشكل رسمي وهو ايريك زمور، الذي يقوم بحملة غير مباشرة لأفكاره من خلال جولة مند منتصف أكتوبر للترويج لكتابه ويعقد "محاضرات أدبية" هي أقرب إلى اجتماعات انتخابية، أمام جماهير معجبة به أساسا.
ويستغل الصحافي الدعاية لكتابه عبر المدن الفرنسية من اجل تجريب شعبيته وسط الفرنسيين، حيث بينت الاستطلاعات انه بإمكانه هزم ممثله اليمين المتطرف الكلاسيكي مارين لوبين وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أنه يتقدم على منافسته في الدورة الأولى من الاقتراع، وأنه سينافس ماكرون - الذي لم يعلن هو أيضا بعد ترشحه رسميا - في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
ويتحدث كاتب الافتتاحية السابق عن الهجرة أساسا بشكل سلبي وباعتبارها تهدد وجود فرنسا وحضارتها، أن المهاجرون سوف يستبدلون السكان الأوربيين بل يتسببون في حرب أهليه، وباستثناء حديثه عن الهجرة وقراءته الجديدة لتاريخ الفرنسي فحتى الآن لم يقدم زمور برنامجا اقتصاديا و اجتماعيا.
باستفزازاته وتصريحاته التي تنم عن تطرف كبير وهاجس الهجرة الذي يتحدث عنه باستمرار، لا يخفي المرشح المرجح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيريك زمور إعجابه بدونالد ترامب ويستوحي منه إستراتيجية من اجل الوصول إلى السلطة.قال كاتب الافتتاحية السابق قبل فترة قصيرة، إن ترامب نجح خلال مسيرته المظفرة إلى البيت الأبيض في 2016، "في توحيد الطبقات الشعبية والبرجوازية الوطنية. هذا ما أحلم به... منذ عشرين عاما". ويعتبر زمور نفسه أيضا الرجل القادر على "قلب الطاولة" ونسف "النخب".
ويعتبر نفسه أيضا قادرا على توحيد "السترات الصفراء" ، هؤلاء الفرنسيون الذين ينتمون إلى الطبقات الشعبية وتسببوا في واحدة من أخطر الأزمات الاجتماعية في ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون التي تستمر خمس سنوات، مع "البرجوازية الكاثوليكية التقليدية" التي تحدث أمامها في فرساي مؤخرا.فهو يطمح إلى جمع شمل فئات غاضبة من السياسة المنتهجة دون أن يجمع بينها أية مصالح اقتصادية واجتماعية، لكن المفارقة أحيانا أن هذه الفئات تصوت في نفس الاتجاه ولصالح اليمين الراديكالي الذي يردد خطابا وطنيا محافظا، وسياديا على المستوى الاقتصادي والسياسي، الذي يعتبر طوباويا مقارنة بالواقع المعيش.
هناك أوجه شبه بين الجانبين وهي التصريحات الاستفزازية والإعلانات التي تنم عن تطرف شديد والجدل الهستيري والهوس بشأن الهجرة والازدراء بما يجمع الفرنسيين، يلتقي زمور وترامب في نقاط عدة وخصوصا في تقديم كل منهما نفسه على أنه "منقذ" هوية مهددة بالانهيار.
لكتاب الأخير لزمور يحمل عنوان "فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة"، وقد يكون صدى لكتاب ترامب "لنعيد لأميركا عظمتها".
ويقوم زمور بمحاكاة الرئيس الأميركي السابق في عدة سلوكيات استفزازية، مثل شعارات فرنسا أولا في جميع المجالات، وأحيانا يردد خطاب الحنين إلى الماضي الاستعماري لباريس بالإضافة إلى سلوكيات يومية منها مهاجمة الصحفيين بشكل عنيف وسلطوي أو تصويبه مؤخرا بندقية على صحافيين في معرض للأسلحة وهي سلوكيات يقوم بتسويقها بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي وتؤمن له ظهورا يوميا وحضور ا في الساحة الإعلامية.
ينحدر زمور من عائلة يهودية جزائرية متواضعة الحال، والتي هاجرت إلى فرنسا في منتصف القرن الماضي وحصلت عائلته على الجنسية بمقتضى الظهير الفرنسي كريميوه الذي يسهل الحصول عليها لصالح الأقليات اليهودية المغاربية و قد ألف الكثير من الكتب الناجحة بينما تتضمن خطبه مراجع واقتباسات تاريخية.
زمور الذي أصبح معروفا بسبب ظهوره في التلفزة والدفاع عن مواقف متشنجة ومحافظة تهاجم النساء والأقليات الأجنبية بفرنسا، ولم ينجو من هجماته وتحريفه لتاريخ بشكل متكرر حتى الأقلية اليهودية بفرنسا التي ينتمي اليها، والتي تسبب مواقفه إحراجا لها ولمسارها. فهو يدافع عن نظام بيتان الذي تعاون مع النازية وقدم اليهود الأجانب والفرنسيين الى المحرقة. وأصبح اليوم كمرشح محتمل، زعيما لليمين المتطرف الفرنسي والأكثر حظوظا لمواجهة الرئيسي الحالي في الانتخابات حسب بعض الاستطلاعات. وهو وضع يحرج اليهود بفرنسا خاصة أن لا يتردد في إبراز هذا الانتماء.
ومن خلال تأييده للنظرية العنصرية "للاستبدال الكبير" وهي كلها نظريات كانت تستهدف اليهود بأوربا في السابق قبل ان تتحول إلى مهاجمة الأقليات المهاجرة من ثقافة مسلمة.
ولم تتردد عدد من الشخصيات اليهودية البارزة والمعروفة في الساحة الفرنسية والتي تحمل الجنسية الفرنسية والإسرائيلية من توجيه نداء إلى الجالية اليهودية للابتعاد عن ايريك زمور، وابرز هذه الشخصيات المؤرخ سيرج كلاسفيرد وابنه المحامي أرنو كلارسفيرد وهو نداء نشرته جريدة لوموند.
وحسب عدة مصادر، فان يهود شمال أفريقيا في فرنسا منقسمون حول المرشح زمور، الذي لا يخفي حديثه وتناوله الغداء مع زعيم اليمين المتطرف جون ماري لوبين الذي أدانه القضاء الفرنسي عدة مرات بمعاداة السامية. واليهود منقسمون بين من يعبرون عن الخجل من تزعم يهودي لليمين المتطرف وأفكاره بما يرمز له هذا التيار من عداء لسامية، وبين أقلية تراه حصنا في وجه التهديد، بمعنى تصاعد حضور الإسلاميين الراديكاليين، وبذلك فالتحالف ضروري ومرحلي خاصة أن اليمين المتطرف يسيطر على الساحة السياسية لإسرائيل مند عدة سنوات.
المرشح المحتمل ايريك زمور، كان دائما مثيرا للجدل كصحافي من خلال بحثه عن المواضيع المثيرة، اليوم هو مرشح محتمل يقسم الساحة السياسية، بمواقفه وتصرفاته، وهي سلوكات قسمت اليمين واليمين المتطرف حوله، وجلبت له دعما في بعض الأوساط من الرأي العام الفرنسي لكن الانقسام الذي أحدثه وسط المشهد السياسي هو نفسه الذي أحدثه داخل الأقلية اليهودية بفرنسا والمنتمية لشمال أفريقيا.