يوم في غرفة انتظار "الحكيم"!!

يوم في غرفة انتظار "الحكيم"!!
يومٌ كئيب يوم يخرج مريض مرشُح لزيارة عيادة طبيب. يستيقظ متجهّم الوجه، لا يحدّث أحداً، لا يقترب منه أحدٌ. الطريق من باب بيته إلى باب العيادة كأنها من الجمر. قبل أن يرنً جرس باب العيادة يتخيّل أنّ الشياطين هي التي ستفتح له الباب للدخول إلى جهنّم. يدخل عابس الوجه، يرى وجوه المرضى فيزداد صدره انقباضاً، هذا معناه أنه سيمكث بغرفة الجحيم زمناً أطول إلى أن يحين دوره. يتسلّى بمشاهدة الهاتف، تتعب عيناه، ينظر إلى الساعة، يتأفّف، يراقب باب الطبيب ويسأل نفسه: هل دخل المريض لإجراء فحص طبي أم ليشاهد مع الطبيب فيلماً سينمائياً؟! يحصي كم من الزمن مرّ؟ وكم عدد المرضى الذين لم يحن دورهم؟ وكم عدد المرضى الذين خرجوا من غرفة الفحص؟

يتحوّل رأسه إلى آلة حسابية يجمع ويطرح ويضرب ليحصل على مجموع "غنائم" الطبيب. يهمس إلى المريض الذي يجلس بجواره: هذا هوما لي كياكلوها باردة!!  يتفق معه، بل يتفق جميع المرضى على أنّ الطبيب "كائن" انتهازي يقوم باصطيادهم وسرقة ما في جيوبهم. يتآمرون في غرفة الانتظار على الطبيب، كل مريض يروي حكاية عن "جشع" الأطباء، ولا يطرح أحدهم السؤال: كم مكث الطبيب في غرفة الفحص؟ هل تناول غذاءه؟ متى يذهب إلى الحمام من أجل التبول؟ كيف ضيّع على نفسه مشاهدة مباراة فريقه المفضل المنقولة على التلفزيون؟!

مريض ينظر إلى الطبيب وكأنه تمساح مستنقعات، ويرى قاعة الانتظار جحيماً. لا ينظر إلى "قيمة" العلاج الإنسانية والشفاء وينظر إلى "ثمن" العلاج.. يرى الفاتورة فيفتح فمه ولا يرى كم استنزف الطبيب من العمر ومن الرحلات العلمية ليكتب لكَ بعض الأدوية على ورقة الفحص، بل لم يسألْ نفسه عن قدرة للطبيب العجيبة لحفظ أسماء الأدوية، ومواقيت تناولها وعدد جرعاتها، يستغربْ فقط عن ثمن "الوصفة" ولا يستغرب عن ثمن "الصحة" التي لا تقدر بكنوز الأرض!!
يمر الزمن ثقيلاً بقاعة الانتظار التي لا تشبه قاعة الفحص. المريض داخل قاعة الانتظار "حاقدٌ" و"متوثّبٌ" و"قنبلةٌ" قابلة للانفجار. "الخوف" من المرض هو الذي يدفع المريض إلى زيارة قبو بلا نوافذ مخصص للتعذيب. "الألم" يكرهك على زيارة الطبيب وأنتَ تجرّ كرة حديدية مغلولة بقدميك. 

في ثقافتتا الطبيب ليس "روتيناً" من حياتنا، وإجراء فحص دوري ليس "طقساً" صحيّاً، يتعرّف فيه الطبيب على أجسادنا. ليس من الضرورة أن تمرض لزيارة الطبيب، بل هو مثل "الواجب" نمنح فيه الطبيب "جواز سفر" في ذواتنا.
هنا داخل غرفة الانتظار الجميع ضد الطبيب، يتحالفون، يتبادلون أرقام الهواتف والأحاديث. لكن في اللحظة التي تنادي السكرتيرة على اسمك تصبح "محسودا" بعد أن كنتَ "حاسداً". هنا المكان يشبه حلبة سباق وخطّ النهاية هو عتبة باب غرفة الفحص، كل مريض لا يريد أن يسبقه الآخر، بالرغم من أنّه يحاول أن يخفي ذلك. ومنْ حان دوره يقف وسط القاعة نافشاً ريشه كالطاووس يريد أن يقول للمرضى: أنا سأعبر قبلكم، فلتشربوا ماء البحر!!

داخل غرفة الفحص تصبح "هرّاً" وديعاً أمام الطبيب تتمسّح بمكتبه، تموء بصوت خفيٍّ.. تقرأ له القصائد في المدح والغزل، وشيطانُك لا يتوقّف عن القيام بمهته السرية، تختفي كل الوعود التي عاهدت بها المرضى قبل قليل بغرفة الانتظار.. لا تفارقك الابتسامة وأنتَ تمتدح طبيبك: دكتور.. الله يكثر من أمثالك!!
لو سمعَك المرضى في الخارج، لو رأوك كيف تحوّلت "هرّاً"، لرجموك بالحجارة.
كلّ مريض "يتعقرب" في غرفة الانتظار هو مشروع رجل "هرٍّ" لا أقلّ ولا أكثر داخل غرفة الفحص!!  
قليلاً من الصمت كثيراً من العدل، نحن في حضرة "الحكماء" و"الأولياء".. قديماً كان يطلق على الطبيب اسم "الحكيم" لعلّكم تتّعظون؟!