تارزيفتْ.. عادة صحراوية بين الإبقاء والإلغاء

تارزيفتْ.. عادة صحراوية  بين الإبقاء والإلغاء
تتعدد مظاهر الفرح والكرم والتضامن في المجتمع الصحراوي، وتتعدد مناسباتها بين الأعراس والأفراح بل وتمتد إلى اقتناء منزل جديد أو أداء عمرة أو حج.. ويبقى القاسم المشترك في مثل هذه المناسبات هو تقديم الهدية للمحتفى به، وهو ما يطلق عليه بالحسانية «تارزيفت»، حيث لوحظت الظاهرة مؤخرا عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات التي نظمت في شهر شتنبر 2021، واستمرت تداعياتها، ليس فقط بالنسبة لتشكيل التحالفات وانتخابات المكاتب والرؤساء، بل امتدت تداعياتها في الشارع والبيوت، وأصبحت ساكنة الأقاليم الجنوبية نهاية كل أسبوع تعاين مسيرات لمواطنين ومواطنات من هذه القبيلة أو تلك، وهم يتقدمون جملا أو أكثر، متوجهين إلى بيت فلان أو فلانة قصد تهنئته بفوزه في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.
ويرى عدد من المتتبعين أن هذه العادة ضاربة في عمق التاريخ البيظاني، رغم أن هناك أقوالا تؤكد أنها مأخوذة عن الثقافة الأمازيغية، وهي مظهر من مظاهر التضامن التي يمتاز بها المجتمع الصحراوي، وقيمة أخلاقية تنم عن عمق وسمو العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الصحراويين، غنيهم وفقيرهم في ما سلف من الزمن، تستهدف من كان ذا قلة يد أو مسّه وأهله ضر ما، أو كان ينتظر اكتمال فرحة بسواعدَ إخاءٍ تعينه على تكاليف الفرحِ ، فـ «التارزيفت» وفق ما تواتر في ثقافة البيظان هدية لا تنتظر ردا عيْنِيًّا  من المُهدَى (المرزوف)، ولا يبتغي إثرها المُهدِي جزاءً أو شكورا.
هكذا على الأقل كانت تسير طقوسها قبل أن يُلحفها البعض لحافا غائيا بلونِ المجاملة والزهو، تُرجَى وراءه مصالح سينقضي أجلها غداة بيْنٍ قريب.. هكذا يقول محمد مولود الأحمدي، مضيفا في لقاء مع موقع «أنفاس بريس» أن عادة «تارزيفت» زاغت عن أهدافها لما أصبحت ذات طابع مجاملاتي سياسي، مما جعل البعض يستغلها لقضاء مآرب أخرى، داعيا في الوقت ذاته إلى مراجعتها.
مؤكدا أنه إذا كان الإهداء ابتغاء الأجر والتواب، فهناك من هم أولى بـ «التكبرة»، فقراء معوزون ومرضى على أرائك الحاجة متكئون، وثكالى وأرامل وأيتام باحت الدموع بألم الفقدان من على خدودهم، هؤلاء هم من يستحقون هذا التهافت حقا، أما الميسورون فتهنئة شفوية عبر الهاتف أقصى ما يستحقون من إهداء..
بالمقابل يرى آخرون أن «تارزيفت» تبقى عادة صحراوية أصيلة، لا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاؤها، طبعا دون غلو ولا مغالاة، وإن طرأت عليها أمور ليست من صميمها، فإنه وجب إزالة ذلك والحفاظ على صفاء ونقاوة العادة التي تبين تضامن المجتمع الصحراوي الأصيل، بدليل أن عادات أخرى منها ما يمحوه الزمن ويبليه الدهر، ومنها ما يستعصي على الزمان ويغالب الدهر، فيبقى حيا يرزق مع توالي الأيام.
وشدد هذا الرأي على أن عادة «تارزيفت» تعد سلوكا اجتماعيا راقيا يعكس مفهوم التآزر والتعاون والترابط فيما بين أفراد المجتمع بشكل طوعي وعفوي، دون غلو أو تكلف يعكس ذلك مثلهم الشعبي القائل “حمل الجماعة ريش” والذي يعني كما تبرز ذلك مفرداته أن أي حمل، والمقصود كل ما يمكن حمله، تحمله الجماعة يكون خفيفا بوزن الريش مهما كان ثقيلا، لأن الوزن يكون قد تقاسمته كثرة الجماعة فصار خفيفا.