سؤال يجيب عنه فاعلون: القرار الحكومي بفرض جواز التلقيح.. قرار حمائي أم انتهاك لحرية الفرد؟

سؤال يجيب عنه فاعلون: القرار الحكومي بفرض جواز التلقيح.. قرار حمائي أم انتهاك لحرية الفرد؟ من اليمين: عمر مروك، صافي الدين البدالي وبدر الدين دسولي ونموذج لجواز التلقيح

مازال القرار الحكومي بخصوص فرض جواز التلقيح يثير المزيد من السجال داخل المجتمع المغربي، بين من يقول بأنه قرار سليم ومشروع ويأتي في إطار تعزيز الإجراءات الاحترازية حماية للصحة العامة؛ وبين من يقول عكس ذلك ويرى بأن فرض مثل هذا الجواز قرار تعسفي وانتهاك مباشر للحرية الفردية.

"أنفاس بريس" استقرأت آراء مجموعة من الفاعلين والمهتمين، وأعدت الورقة التالية:

 

يرى صافي الدين البدالي، فاعل حقوقي وسياسي، أن اتخاذ الحكومة إجبارية التلقيح كان قرارا مفاجئا ينم على أن الحكومة المغربية ما زال يعتريها التدبير البيروقراطي للشأن العام. فهي دأبت كسابقاتها من الحكومات على تصريف الأرقام والنسب الرقمية التي لا تعكس الواقع المعاش للشعب المغربي، مما يجعلها تسقط في تناقضات قاتلة مع المواطنين والمواطنات. فالشعب المغربي ظل دائما يستجيب لما تفرضه الحكومة حتى في تدبير الأزمات التي تتسبب فيها السياسات الحكومية على حساب صحته وتعليمه وعيشه الكريم. لكن الحكومة لم تقدر هذه الاستجابة حق قدرها. فلما طلبت من الشعب أن يخضع لعملية التلقيح ضد فيروس كورونا كان الشعب عند الطلب رغم أن الحكومة لم تقم بعملية التتبع لآثار التلقيح على عدد من الملقحين وفق المتطلبات العلمية قبل وبعد عملية التلقيح.

 

وتساءل البدالي قائلا إنه إذا أرادت الحكومة تطبيق هذا القرار على الرافضين للتلقيح وجعلهم في إقامة جبرية غير معلنة.. فمن هي الجهة التي مخول لها قانونا أن تقوم بالمراقبة عند المساجد وفي الأسواق الأسبوعية وفي الضيعات الفلاحية وفي أوراش البناء بالبوادي وبالمدن وفي المناطق الجبلية والصحراوية. ومن له السلطة التقديرية حتى يطلب من جواز التلقيح من اي مواطن أو مواطنة ويقوم بمنعه من التنقل أو الولوج إلى الأماكن المفتوحة والعامة؟

 

ليخلص الفاعل الحقوقي إلى أنه على الحكومة أن تدخل مدرسة الشعب التي تربي الفرد على الواقع الحلو والمر الذي يعيشه الشعب المغربي في كل موسم من مواسم الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ لأن من يريد أن يدبر شؤون الشعب عليه أن يتعرف عليه حتى يعرفه قبل أن يخطط له؛ لأن أي تخطيط في غياب المقاربة التشاركية للشعب المغربي عبر الوسائل المشروعة وعبر الممثلين الحقيقيين والمجتمع المدني سيكون مصيره الرفض أو الفشل الذريع.

 

وهو ما ذهب إليه عمر مروك، الباحث وعضو مركز شمال إفريقيا للدراسات والبحوث وتقييم السياسات العامة، عندما أشار إلى الجدل الحالي بين صانعي القرار الحكومي واللجنة العلمية، وكان من المفروض أن يتم اعتماد نقاش عمومي هادئ، من خلال مقاربة تشاركية للرأي العام الوطني قبل الخروج بقرار فرض التلقيح الذي أربك الجميع.

 

وأوضح مروك أن النقاش العمومي حول فرض اللقاح للولوج لمختلف المرافق يعبر في مستوى أعلى أن هناك أزمة بنيوية في ليبرالية الدولة، أي وجود إشكال بين مفهوم الديمقراطية المبني على فكرة المشاركة الشعبية من جهة، والمساواة التي تفترض قدرة المواطن على التعبير عن مصالحه وتقرير مصيره عبر صيغة تمثيلية تنتج نخبا سياسية تعبر عن هذه المصالح في البرلمان وفي البرنامج الحكومي، وبين الليبرالية الاجتماعية التي تفترض حماية الحقوق والحريات الأساسية من تعسف الدولة.

 

وأضاف المتحدث بأن جائحة كورونا ضربت في العمق مقومات الفردانية الليبرالية وتبخرت معها قيم الحرية واحترام الاختلاف، بمقابل عولمة مفاهيم الانصياع التام والقوة وتضييق العيش والتنفس داخل البيت أو صندوق يضيق أكثر، يوما بعد يوم.. وبالتالي فالحجر على قدرة الناس في اختيار التلقيح من عدمه هو ضرب للدستور وللمواثيق الدولية.

 

واعتبر مروك أن الحكومة اليوم هي في مواجهة مع النفس لكونها إضافة لمهمتها وكفاحها للحد من انتشار فيروس كورونا، هي أمام تحدي البحث عن سبل تعزيز التماسك الاجتماعي والحرية في الاختيار وإبداع مسار جديد للثقة والحياة الطبيعية والعمل على أنسنة تدابيرها الليبرالية والحرص على عدم انتهاك السيادة الشعبية وحقوق الأقليات في التعبير عن حقوقها ومصالحها؛ كما يثار من جهة أخرى إشكال الجدوى من رفع شعار المناعة الجماعية والتلقيح الاجباري، وهو لن يمنع العدوى ولن يقي المواطنين من خطر المتحورات الجديدة، و كيف يمكن الانبهار بخطاب المناعة الجماعية الذي أسست له لوبيات اللقاحات وشركات الأدوية وأنظمتها السياسية، الرابحة الوحيدة من الجائحة؛ ورغم كل ما سبق لا ننكر مجهودات الدولة ماديا ولوجيستيكيا وبشريا لمواجهة الجائحة وانخراطها لمواكبة الخطاب الملكي الداعي لتظافر الجهود من أجل تحقيق السيادة الصحية للمغرب وتوفير اللقاحات بشكل كاف، في أفق انخراط المغرب لتصنيعه مستقبلا، وما يخدم الاستراتيجية الملكية في أفق تحقيق الأمن والسيادة الصحية والغذائية والطاقية.

 

وفي نفس السياق أكد الدكتور بدر الدين دسولي، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، بأن مسألة التلقيح الإجباري التي كثر الحديث عنها اليوم تطرح معها مقولة "حرية الفرد تنتهي عند انتهاكها لحرية الآخر"؛ وبالتالي فالموضوع في حد ذاته هو فلسفي أكثر منه طبي؛ لأنه إلى حد الآن ما يلاحظ هو أن التلقيح متواصل، ولكن العدوى ما زالت قائمة كذلك!؟ ولا أحد يملك حقيقة هذا الامر؛ وهل للتلقيح مضاعفات أم لا؟

 

وفي غياب يقين تام وخاصة أمام عدم التوفر على دواء أو وسيلة أخرى للقضاء على هذا الفيروس؛ يبقى اللقاح هو السبيل والامل الوحيد؛ كما أن هذا الوضع قد يشكل لمن لم يقم بالتلقيح خطرا على الآخرين؛ وتصبح حريته إذن مضرة، ولا يسمح له أن يعبث بصحة الآخرين؛ ولهذا فمن المفروض أن يخضع للتلقيح لتفادي القتل غير العمد الذي قد يتسبب فيه.

 

وأوضح الدكتور دسولي قائلا، نحن مع التلقيح لأنه الاختيار الذي يملك نسبة الأمل بصفة أكثر؛ ويمكننا معه الخروج من المأزق بنسبة 60 إلى 80% أما السؤال عنه هل هو اختياري أم ضروري؟ فيبقى الجواب عنه مسألة فلسفية؛ لكن ندعو إلى طريقة مكثفة وسلسة وغير زجرية في توعية وتحسيس المواطن بالتلقيح؛ فبها وبشكل تدريجي يتم الإقناع...