التاريخ والجزائر: ما وراء سؤال الرئيس ماكرون المؤذي

التاريخ والجزائر: ما وراء سؤال الرئيس ماكرون المؤذي نعيم كمال وفي الصورة بالأبيض والأسود: بن بلة (يسارا) وهواري بومدين

نشر الصحافي نعيم كمال، في موقعle quid.ma ، مقالا حول الجزائر، استهله بالقول: إنه لا شك في أن التساؤل الأخير الذي طرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول وجود الأمة الجزائرية في فترة ما قبل الاستعمار الفرنسي كان محسوبا، حيث سعى عمدا إلى الاتكاء على المكان الذي من المفترض أن يؤذي فيه. فهو ليس الأول ولا الوحيد الذي يشكك في أسس السرد الوطني الجزائري كما تم تشكيلها من قبل أولئك الذين استولوا على ثمار تحرير الجزائر.

 

وتابع نعيم أنه قبل الاستقلال بوقت طويل، ساءل فرحات عباس، رئيس أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية، ورئيس المجلس الوطني التأسيسي بعد الاستقلال، في عام 1936 "التاريخ الأحياء والأموات زار المقابر" دون لقاء الجزائر. ثم عاد لاحقًا من هذا النفي المطلق ليعيد الاتصال بأطروحات شبابه حول الجزائرية. لكنه سأل السؤال الغاضب.

 

وكتب الصحافي أنه على النقيض من ذلك، فالمؤرخ الجزائري عبد الكريم بادجاجا، المدير العام السابق للأرشيف الوطني، يتتبع تاريخ الجزائر كدولة إلى عام 202 قبل الميلاد. لذلك ستكون أقدم دولة في العالم. والمؤرخ الجزائري وعالم الإسلام محمد أركون يزن أكثر. يرفض فكرة وجود حالة مستمرة منذ الأزل ويفضل التحدث عن حالات سريعة الزوال، دون استمرارية.

 

لكن في هذا النقاش الذي قد يبدو متاخما للبيزنطية، فإن السؤال الحقيقي هو معرفة الجزائر التي نتحدث عنها اليوم؟ تلك التي سبقت الاحتلال الفرنسي في ظل الإمبراطورية العثمانية، والتي تناوبت على مدى ثلاثة قرون خلال "الإدارة المباشرة" ووصاية الباب العالي، أو النوميدي العزيز على عبد الكريم باجاجا؟ لأنه اعتمادًا على ما إذا كنا نتحدث عن أحدهما أو الآخر، فإن المنطقة الجغرافية التي تنتشر فيها الجزائر تغير الأبعاد الإقليمية والعمق العرقي والثقافي. تذهب نوميديا ​​والعثمانيون إلى أبعد من الشريط الشمالي للجزائر الحالية، ويمتدون على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ​، ويتقلبون باستمرار في مساحة متغيرة بين المغرب وتونس. وأضاف أنه ليس إهانة للجزائر أن تقول إن حدودها الحالية تجعلها أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة، فهي مدينة للاحتلال الفرنسي. ويعترف مسؤولوها الأكثر انغماسًا بعظمة الجزائر بهذا الأمر ضمنيًا عندما يدافعون بحماس في المحافل الإقليمية والدولية عن مبدأ حرمة الحدود الموروثة من الاستعمار.

 

وورد في المقال أنه من البديهي أن الحدود وجغرافيتها السياسية قد تغيرت باستمرار مع حركات التاريخ وأمجاد وانحطاط الإمبراطوريات، وبالتالي فإن السؤال الصحيح ليس سؤال إيمانويل ماكرون، بل سؤال معرفة ما إذا كانت الجزائر، من أجل أن تكون، بحاجة فعلا إلى الوجود قبل الاحتلال الفرنسي، أو هل يمكن أن تكتفي بشبابها وتاريخها الحديث الذي نشأ في النضال من أجل الاستقلال لإبراز نفسها في المستقبل بحيوية؟ على سبيل المثال فقط، لم يكن على الولايات المتحدة الأمريكية أن ترتبط بتاريخ يعود إلى الانفجار العظيم، أو لمعرفة ما إذا كانت موجودة قبل المملكة المتحدة وإسبانيا والمملكة المتحدة وفرنسا. على العكس من ذلك، فإنهم ورثة ثقافة يونانية رومانية متباينة، فقد حرروا أنفسهم من أوروبا القديمة وثقل تاريخها ليصنعوا خليطهم الخاص على مدى قرنين من القوة بامتياز.

 

وأشار نعيم كمال إلى أن الجزائر ورثت عند ولادتها أراضي شاسعة وغنية لم تستطع حتى المطالب الإقليمية المشروعة للمغرب في أعقاب الاستقلال، إذا نجحت، أن تفسد الوعود. لقد جعلتها أصولها مستقبلًا مشرقًا: ثورة متسامية وممتعة، والسلطة الأخلاقية التي نتجت عنها، وسياق دولي واعد، وأرض صالحة للزراعة طورها المستعمرون جيدًا، وقبوًا سخيًا، وفجوة علمية وتكنولوجية وثقافية بشكل عام؛ بين البلدان المتقدمة والمتخلفة التي لا تزال قابلة للتعافي (كوريا الجنوبية وإسبانيا هي الدليل)، والمديرين التنفيذيين والشباب المعبأ الذي أراد ذلك..

 

وتساءل: إذن ما الذي حدث في أقل من نصف قرن؟ حتى يتمكن شباب هذا البلد الغني من النظر إلى مستقبله خارج البحر الأبيض المتوسط؟ يمكننا أن نجرؤ على الإجابة، لكننا سنمتنع عن القيام بذلك لأنه أولاً وقبل كل شيء بالنسبة للجزائريين أن يبحثوا عنها ويجدونها داخل أنفسهم. لا يزال يتعين عليهم الموافقة على إعادة زيارة منزلهم المشترك من الأعلى إلى الأسفل. للعودة إلى تواضع معين لتحرير أنفسهم من جنون العظمة، للتخلص من تفاخرهم؛ موضحا أنه لعلاج جنون العظمة الذي يجعلهم يرون مؤامرات ضد وجودهم حيث لا يوجد شيء ولمراجعة مفهومهم عن الدولة المحورية ذات الأرجل الواحدة.

 

وأخيراً وليس آخراً، التوقف عن لوم الآخرين على إخفاقاتهم. لكي نكون صادقين، فإن ما تحتاجه الجزائر والجزائريون هو إعادة أفكار تتعارض مع الخيارات الأيديولوجية لفجر استقلالهم. يبدو الأمر ضخما، لكنه قابل للتنفيذ، يختم الصحافي مقاله.