حمادة لبيهي: الجزائر ومعها البوليساريو تواصلان  انتهاك حقوق الصحراويين

حمادة لبيهي: الجزائر ومعها البوليساريو تواصلان  انتهاك حقوق الصحراويين حمادة لبيهي

تمثل مخيمات اللاجئين بتندوف وضعاً شاذاً؛ فلا هم بلاجئين يتمتعون بامتيازات منظمة غوث اللاجئين من حيث الإحصاء أولا وتقديم المساعدات ثانيا، وكذا منحهم بطاقة تبين هويتهم كلاجئين، ولا هم بمواطنين كاملي المواطنة، مادام أن الدولة غير قائمة إلا في مخيلة جبهة البوليساريو.

في هذا الحوار مع حمادة البيهي، رئيس الرابطة الصحراوية للديمقراطية وحقوق الإنسان، يتحدث هذا الأخير عن هذه الأوضاع الحقوقية المنتهكة في مخيمات تندوف برعاية من الجزائر...

 

+ ما هو سياق مشاركتك ضمن وفد حقوقي في أشغال الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف؟

- نحن كفاعلين حقوقيين من الأقاليم الجنوبية، نسعى من خلال مشاركتنا في مثل هذه الدورات الحقوقية، أن نرسل للمنتظم الدولي حقيقة ما يجري على الأرض، بعيدا عن مزاعم خصوم وحدتنا الترابية، من خلال التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذا الحقوقية، ويكذب من ينكر هذه التطورات الميدانية، طبعا نحن نطالب بالمزيد من تحسين وضعية حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية وعموم المملكة، وكذا الحرص على صيانة المكتسبات. اليوم في الأقاليم الجنوبية كل الحقوق مكفولة، بدء من الحق في التعبير إلى الحق في التجمع وباقي الحقوق، التنقل والتظاهر السلمي والصحة والتعليم.. عكس ما يدعيه البعض..

 

+ ارتباطا بهذه الحقوق، ما الذي شكلته نتائج المشاركة الانتخابية في الأقاليم الجنوبية في الاستحقاق الأخير على سؤال التمثيلية؟

- صحيح، لقد شكلت مرة أخرى نسب المشاركة المكثفة في استحقاقات 8 شتنبر 2021، من قبل ساكنة الأقاليم الجنوبية ردا واضحا، على من يدعون تمثيلية «الشعب الصحراوي»، وهذه النسب العالية دحضت وبصفة نهائية أكذوبة «البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين»، لأن استحقاقات 8 شتنبر أعتبرها بمثابة استفتاء وشكل من أشكال التعبير عن تقرير المصير، فقد خرج الصحراويون عن بكرة أبيهم للمشاركة في هذه الاستحقاقات، سواء من حيث عدد اللوائح الانتخابية المتنافسة ولا الالتفاف الجماهيري حول المرشحين ولا أيضا ارتفاع نسب المشاركة، فهل هناك شكل أرقى من هذا الشكل في تقرير المصير؟ كل هذا يبين إيمان ساكنة الأقاليم الجنوبية بالمشروع السياسي الوطني وهذا استفتاء ما بعده استفتاء، وهذا بشهادة المراقبين الدوليين، وبمشاركة الهيئات المستقلة المعنية بالانتخابات.

اليوم هناك رسالة واضحة نوجهها لخصوم المغرب، وهي الضغط على الجزائر، بالانخراط مع المجتمع الدولي لحلحلة هذا النزاع الذي عمر أكثر من 45 عاما، ونطلب من قادة جبهة البوليساريو بألا تبقى حبيسة الدوغمائية السياسية والأوهام، فكل المعطيات اليوم تغيرت على أرض الواقع، النزوح للمخيمات كانت لها سياقات إقليمية ودولية، الدخول في حرب عسكرية، لم يعد يجدي، والعالم ليس بحاجة لبؤرة أخرى، والأمم المتحدة لم يعد النزاع في الصحراء ضمن أولوياتها، مادام أن الوضع جامد، والضحية الأول والأخير هم الصحراويون في المخيمات، وعلى الجزائر أن ترفع يدها عنهم، ليقرروا مصيرهم، والالتحاق بأرض الوطن إلى جانب إخوانهم وأبنائهم وأبناء عمومتهم، ونحن نناشد أبناء عمومتنا في مخيمات تندوف للانخراط معنا في هذا المشروع السياسي والتنموي، والذي لا محالة سنكون رابحين فيه جميعا، اليوم على المنتظم الدولي أن يعلم علم اليقين أن المملكة المغربية تقدمت بمشروع سياسي للخروج من هذا المأزق عبر منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا يضمن الكرامة ويحقق العدل للساكنة ويحافظ على هويتها الحسانية كجزء لا يتجزأ من تاريخ المملكة العريق كما ينص عليه دستور فاتح يوليوز 2011، وبالتالي لا خيار آخر أمام الجميع.

واهم من يعتقد بأن ملف الصحراء سيتم حله بفكر السبعينيات، اليوم علينا أن نتحمل المسؤولية أمام الله والتاريخ والوطن لنغتنم الفرصة للانخراط في هذا المشروع الذي وصفه المنتظم الدولي بالجدي والجاد والواقعي وذي مصداقية، وهو الحل الكفيل للخروج من هذه الأزمة، اليوم الطرف الآخر ما زال يتمسك بالأوهام، مدعوم من قبل الجنيرالات الجزائرية، وأصبح ملف الصحراويين في المخيمات، مصائب قوم عند قوم فوائد، الجزائر ستظل تستغل هذا الملف وتحاول الإطالة فيه، لأنها الرابح فيه على حساب الصحراويين، لأنها ترى في ذلك إعاقة للنمو عند المغرب، وشكلا من المواجهة غير المباشرة مع المملكة المغربية، وبالتالي قضية مخيمات تندوف أضحت صكا تجاريا لدى الجنرالات الجزائرية وقادة البوليساريو، ونحن كفاعلين حقوقيين من الأقاليم الجنوبية لا نريد ذلك ويؤلمنا وضع إخواننا في المخيمات، نحن اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، أبدية العيش في الحمادة والمخيمات أو قبول الانخراط في المشروع المغربي للحكم الذاتي، للأسف الطرف الآخر ومعه الجزائر لم يقدم مقترحا واقعيا وجديا ولم يتنازل عن شيء، وعليه نرى أن المغرب قدم كل مقترحاته ونواياه حسنة للخروج من هذا المأزق الذي تتخبط فيه الجزائر ومعها البوليساريو، بدء من «إن الوطن غفور رحيم» إلى الحكم الذاتي، وهنا أناشد الشباب والشابات في مخيمات تندوف للانتفاضة ضد قادة الجبهة الفاسدة والهرمة ومنتهية الصلاحية التي جثمت على نفوس الصحراويات والصحراويين لأزيد من 45 عاما، لم تقدم لهم فيها سوى الدمار والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والضياع والتشتت والتفرقة والتمزيق، وسيخلد في التاريخ أن قادة الجبهة زجوا بالصحراويين المدنيين في مخيمات عسكرية جهنمية عانوا فيها الأمرين، واليوم عليها، إن أرادت التكفير عن مظالمها، الخروج من مخيمات تندوف والعودة لأرض الوطن، ورفع الحصار عن الصحراويين الذين أصبحوا رهينة لدى العسكر الجزائري يعذبونهم ويذيقونهم الويل والمرارة، فهل يتعقل قادة الجبهة ويحرروا أنفسهم من التبعية للجنرالات الجزائرية، أم يزيدون في تواطئهم وخذلانهم للصحراويين؟ وبالمقابل نخاطب الأمم المتحدة وأمينها العام، لقد سئم صحراويو المخيمات من هذا الوضع، لقد ملوا من خطاباتكم ووعودكم، وهم اليوم في أمس الحاجة لخطة إنقاذ شاملة ترفع عنهم القيود للالتحاق بذويهم في الأقاليم الجنوبية.

لقد عشت في هذه المخيمات 40 عاما، وعشت مراراتها داخل وخارج تندوف، وتم شحني بأفكار مغلوطة، وكان تصوري للمغرب والأقاليم الجنوبية غير ما عليه في الواقع، وأبسط الحقوق لا يتوفر عليها صحراويو مخيمات تندوف، وهي الحصول على صفة لاجئ، بل يتم التضييق عليهم أثناء التنقل، وللأسف مصيرهم بيد بلطجية عسكرية هي من تسير أمورهم، في ضرب صارخ لما هو معمول به في مخيمات أخرى للاجئين عبر العالم حيث تسير أمورهم منظمة غوث اللاجئين، وبالتالي أصبح وضعهم في مهب الريح، وينبغي استفتاؤهم لمن يريد الاستمرار في حياة الحمادة أم الالتحاق بأرض الوطن؟

 

+ في نظرك لماذا تتهرب الجزائر من تحمل مسؤوليتها وهي طرف في هذا النزاع؟

- فعلا، الجزائر ومعها البوليساريو ترفض إحصاء ساكنة المخيمات وهو رفض في باطنه تريد منه الجزائر والبوليساريو الكشف عن أصول ساكنة المخيمات، هل هم صحراويون أتوا من العيون والداخلة والسمارة وبوجدور، أم أتوا من دول مجاورة، أم من تندوف؟ وأنا دائما أقول أن الصحراوي هوية وليس جنسية، ونحن نصر على معرفة حقيقة أصول ساكنة المخيمات، فليس كل من ارتدى دراعة أو ارتدت ملحفة، أو صب الشاي أو تكلم بضع كلمات حسانية، هو بالضرورة صحراوي، ليس من رأى كمن سمع، وأنا كما قلت لك عشت عقودا في هذه المخيمات، والأكيد أن ساكنة المخيمات ليست كلها من الأقاليم الجنوبية للمغرب، بل هي من دول الجوار، مالي وموريتانيا وتندوف، وللأسف هناك من يصبح صحراويا ويمسي جزائريا أو موريتانيا أو ماليا، يتقاسمون مع الساكنة اللاجئين الصحراويين المساعدات ويساهمون من جهتهم في التضييق عليهم واتخاذهم أداة للقمع، والغرض من الجزائر هو تكثير سواد من يوالونهم حتى لا تنقلب عليهم الأمور يوما ما، وهذا وضع نندد به باستمرار ونعتبره نهجا مقصودا لتهريب المساعدات الإنسانية، لسنا ضد هذه المساعدات لإخواننا في مخيمات تندوف، بل نشكر كل من ساعدهم، لكن نريد معرفة المسار الحقيقي لهذه المساعدات التي نجد بعضها يباع في الأسواق الجزائرية، رغم أنها مخصصة لفئة معينة من الناس، وكنت شاهدا على نموذج من نماذج التلاعب بهذه المساعدات الإنسانية، حيث كنت رفقة 29 شاحنة محملة بالمساعدات عندما انطلقت من وهران، وعندما وصلت إلى تندوف تقلصت لـ 13 شاحنة فقط، بل حتى الشحنات سرقت منها محتوياتها ذات القيمة الغذائية، وما وصل منها إلا العدس واللوبيا والزيوت.. وعليه أعيد التأكيد على أن الرابح في قضية تندوف هي الجزائر وقادة البوليساريو..

 

+ مؤخرا ظهرت أصوات من داخل المخيمات تفضح استبدادية الجبهة ومعها الجزائر، هل بلغ الغضب لهذه الدرجة، ومع ذلك لم يرتدع المسؤولون عن هذه السلوكيات الإجرامية؟

- كما تتبعت جريدتكم مشكورة، الدورة 48 من اجتماع جنيف، فإن عددا من الأصوات من داخل مخيمات تندوف بدأت تتمرد على الأوضاع وتخرج منددة بطول هذه الأزمة، وكيف يستفيد منها قادة الجبهة ومعها الجنرالات الجزائرية، وهو ما جعل الطرفين معا محط اتهام من منظمات حقوقية دولية، وبدأت كشافات الأضواء الحقوقية تسلط على هذه المخيمات، وساهمت منصات التواصل الاجتماعي في كسر هذا الانغلاق، اليوم هناك منظمات في إسبانيا وإيطاليا تنتقد سياسة البوليساريو، بل تم تأسيس جمعيات لضحايا مركبات البوليساريو في الجزائر، وأصبح الحديث عن التهريب وسرقة المساعدات، وبدأ عدد من النشطاء الحقوقيين ينتفضون ضد الجبهة وظلمها للنشطاء في الداخل، لقد سئم الجميع من استمرار هذا المشكل المفتعل بما فيها المنظمات المانحة، ونحن ناشدنا بهذا مرارا وتكرارا، واتضح أن هذه الهيئات وقفت على جدية ما كنا نردده منذ سنوات، وعندما نقول أن البوليساريو لا تمثل الصحراويين، فهذا عن قناعة واقتناع، لأنه عندما نتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهي مفتقدة في المخيمات، بالمقابل هناك حركية سياسية وحقوقية في الأقاليم الجنوبية، وهم يمثلون الأغلبية العددية. اليوم سقطت أسطوانة «الممثل الشرعي والوحيد» وليعلم العالم اليوم أن من يمثل الصحراويين هم النواب البرلمانيون ورؤساء الجهات والجماعات، ممن تفرزهم صناديق الاقتراع الديمقراطية النزيهة والشفافة، وغير ذلك من تمثيلية مزعومة فهي حبيسة الرابوني.

 

+ خيمت على الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، قرارات الجزائر بخصوص المغرب، آخرها إغلاق الأجواء أمام الطيران المغربي، ما الذي تسعى إليه الجزائر من مثل هذا التصعيد؟

- مشكل المغرب مع الجزائر ليس وليد اليوم، بل هو ممتد لعقود، ودائما كانت المواقف السلبية من طرف الجزائر، بدء من قطع العلاقات إلى التصعيد الأخير، بالمقابل المغرب يردد في كل خطاباته الملكية عن مد اليد وسياسة حسن الجوار، بل لم يرد حتى على القرار الأخير بإغلاق الأجواء الجزائرية في وجه الطيران المغربي، وبالتالي فلن يصح إلا الصحيح، والمملكة المغربية قيادة وشعبا متمسكون بحسن الجوار، ونأمل في أن تتعقل القيادة العسكرية في الجزائر، وتكف عن استفزازاتها وتصعيداتها، وليس للمغرب أدنى مشكل مع الشعب الجزائري، بدليل أن هذا الأخير ينتفض ضد هذه القيادة المترهلة وما استمرار الحراك رغم التضييق والاعتقال والتعذيب إلا دليل على انفصام العلاقة بين الطرفين، ونؤكد مرة أخرى أنه لم ولن يأتي شر من المغرب اتجاه الشعب الجزائري، لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل، وعندما تكون الجزائر دولة مدنية دولة مؤسسات وليست دولة عسكرية، حينها ستتغير العلاقات نحو الأحسن...