عبد الغني السلماني: الذكرى الخامسة لإغتيال ناهض حتر

عبد الغني السلماني: الذكرى الخامسة لإغتيال ناهض حتر عبد الغني السلماني
لازال العالم الحر يتذكر لحظة اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتّر صبيحة يوم الأحد 25 شتنبر 2016، اغتيل بثلاث رصاصات أمام قصر العدالة وسط عمان، وذلك بعد حوالى أسبوعين من إطلاق سراحه بكفالة مالية إثر إيقافه لشهر بسبب نشره على فيس بوك رسما كاريكاتوريا اعتبر مسيئا للذات الإلهية. 

وللتذكير أن حتر حذف المنشور من صفحته بعد أن أكد أن الرسم يسخر من الإرهابيين وتصورهم لله  والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الإلوهية. وآخر ما كتبه ناهض حتر على  صفحته الشخصية إن "الذين غضبوا من هذا الرسم نوعان: أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين وتنزيه للذات الإلهية عما يتخيل العقل الإرهابي، وهؤلاء موضع احترامي وتقديري " والنوع الثاني "إخونج داعشيون يحملون الخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية. وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون " بهذا التعبير يكون ناهض فكر وأعاد النظر واعتذر لمحبيه  بأن الرسم لا يمس الذات الإلهية بقدر ما يستفز مخيال وخيال المتعصبين  وتصورهم للجنة ... وبهذا تكون حياة ناهض حتر انتهت في طريقه إلى المحكمة متّهمًا، بعد استقرار رصاصات برأسه، كحكمٍ مُبيّتٍ جزاء كاريكاتير نشره عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي ، فاعتبرته السلطات الأردنية ازدراءً للأديان، فقررت محاكمته في 25 سبتمبر الجاري، لكن المنفّذ لعملية الاغتيال، كان قد حكم عليه بالفعل وبالإعدام رميا بالرصاص ، وكان حكمه الموت، هذا مُلخصٌ واختصار قصة  اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر.

هذه الجريمة  النكراء لقيت استهجانا وإذانة من قبل الكثير وخاصة مرتادي شبكة التواصل الإجتماعي الفايس بوك، ورأت أن الخطر الكبير يتمثل في أنه ولأول مرة يتم إزهاق روح كاتب من قبل شخص نتيجة تحريض واسع في وسائل التواصل الاجتماعي .وبهذا تبقى  عملية القتل التكفيرية لناهض حتّر هي عملية جديدة تهدد السلم المجتمعي في المجتمعات الإسلامية  وتعمق الشرخ فيها ، ويبقى  المستفيد الوحيد من هذا العمل الجبان  الفئات المتعصبة في التدين والدين. 
 
وبهذا فإن عملية اغتيال حتّر هي اغتيال لقيمة الأمن والعدالة والحرية والفكر، الاغتيال السِّياسي هو القتل أو التَّصفية الجسدية بسبب سياسي، ويبقى  الدَّافع السِّياسي هو الأرجح في هذا النوع من التصفيات، وما أكثر فتاوى القتل بسبب ديني، سواء التي  تصدر خِلسةً أو في بالمكشوف، وأن عملية الاغتيال تكشف عن مأزق اجتماعي له علاقة بانتشار الفكر المتشدد والمتطرف ، وبهذا السلوك تكون  الدولة والمجتمع يمارسان حالة إنكار لوجود فكر داعشي  من المحيط إلى الخليج يترنح ويأخذ الدعم المعنوي من التيارات الدينية وخاصة تيارات الإسلام السياسي.

لذلك على الدول الإسلامية مراجعة لطبيعة المزاج في المجتمعات الإسلامية المتنكرة لفكر الإختلاف  الذي يستثمر فيه الفكر المتطرف  وجوده  ويقايض به الدولة والمجتمع، إن ما وقع يذكرني بمآسي عرفها  الواقع العربي المعاصر  باغتيال عمر بنجلون، وأيت الجديد محمد بنعيسى، والمعطي بوملي ونجيب محفوظ  من قبل عصابات الإسلام السياسي. هذا الحادث المؤلم  يعتبر لحظة كاشفة لهذا المأزق الاجتماعي الذي يتاسمح مع التطرف ولا يساعد في بناء مجتمعي يدعم الحرية والاختلاف والتقدم.

وأن الخطر بعد عملية الاغتيال يتمثل في أنه بمجرد أن يٌخطئ  أي كاتب في التعبير أو فاعل عن موقف سياسي أو ديني من غير توفر سوء النية لديه، فإنه معرض للتصفية والاغتيال، وهذا تهديد صريح للفكر الحر فنحن اليوم والأمس  في مواجهة فكر متطرف يرفض الآخر بالمرة و المطلق.

بلابد من التذكير أن  جماعة الإخوان المسلمين  تتخذ من العنف منهجًا لمواجهة الفكر الحربدعم وتوجيه من الغرب، فلجأت لعمليات الاغتيالات للتخلص من أعدائها، وخير دليل على تلك الرؤية أن الغرب لم يٌجرم آنذاك أي نوع من أنواع العنف الذي مارسه الإخوان المسلمون في كل دول العالم، لسبب بسيط أنه كان موجهًا ضد القوى المحسوبة على المعسكر الشرقي" الإشتراكي "، لهذا كانت الدول التي تسمى إسلامية في غالبيتها تعيش معركة في صفوف الغرب ضد الشرق.. ولأن التاريخ الإخواني مليء بعمليات الاغتيالات التي يطول الحديث عنها ربما نرجع لذلك لاحقا وافحالة والتوثيق لتاريخها الدموي الملوث بدماء الشرفاء. 

أهمية الإختلاف :
عندما يقدِم شخص على قتل مواطن يختلف معه في الفكر وربما العقيدة  ويعتقد سادجا  أنه، بهذه الطريقة، يخدم الإسلام ويدافع  عنه ويواجه أعداءه ويشخص  معنى الانتماء الحقيقي إليه، فإن ذلك يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كان هذا الشخص ينطلق  من «إسلام» خاص به، لا علاقة له بالإسلام الشائع والمتداول بين عموم المؤمنين و المسلمين، أم يمتح  من بعض جوانب سلوكه  من منظومة التفكير التي يعتقدها طاهرة وآرية والتي قد يمثلها الإسلام العام ؛ ولا نقصد بهذا الإسلام العام جوهر «الرسالة السماوية» للديانة، بل نقصد به مآلها والطريقة التي فُهمت بها وما صنعه الأفراد بها وكيف حولوها إلى ثقافة دينية يومية من أجل الإرتزاق والمنافع الدنيوية.

العالم الإسلامي، يجني اليوم من  بعض ما زرعه عبر برامجه ومناهجه التربوية التي تمتلك تصورا يدين ويجرم ويرفض المختلف معه جملة وتفصيلا ، وبهذا السلوك الشاذ  نؤدي ثمن تعثر ورش الإصلاح الديني. ليس هناك أتباع ديانة يمكن أن يعتبروا أنفسهم، كما يحاول أن يوحي إلينا به الكثير، معفون من واجب القيام بهذا الورش الإصلاحي الهام. إن للتاريخ حكما لا بد أن يصدره وإن لسنة التطور آثارا تطال مختلف مناحي الحياة الفكرية والثقافية. لذلك لابد من التذكير أن أوربا شهدت، خلال القرن السادس عشر، حركة إصلاح ديني ناهضت عددا من ممارسات الكنيسة الكاثوليكية المتطرفة  وسعت إلى ضمان مواكبة الحقل الديني لمجمل التحولات الهامة  التي كانت قيد الحصول في القارة الأوربية. لم تقتصر حركة الإصلاح على إعادة هيكلة الكنيسة ووضع حد لمظاهر الفساد والتعسف والتسلط المرتبطة بها؛ فخلافا لما يذهب إليه الإسلاميون الذين ينفون الحاجة إلى إصلاح ديني مماثل في العالم الإسلامي، فإن الحركة شملت، أيضا، مجال تأويل الإنجيل وتبنت شروحا ومفاهيم  جديدة تختلف عن تلك التي كان يعتمدها رجال الدين المحافظون.  وفي الأخير انتصرت حركة الإصلاح بعد مسار مليء بالحروب والانقسامات والتضحيات الجسيمة التي بذلها دعاة الإصلاح، حيث مُنعت كتبهم واضطُهِدُوا وتُوبعوا أمام محاكم التفتيش، هذه التضحيات ساهمت في ميلاذ حركة التنوير، التي مَثَّلَ الإصلاح الديني أحد مرتكزاتها، في الغرب وتعثرت في المنطقة العربية الإسلامية بعد انطلاقها في القرن التاسع عشر. ورغم المجهود التنويري الذي بذله كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورفعت الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي وشكيب أرسلان وقاسم أمين ومحمد رشيد رضا وعلي عبد الرزاق وعلال الفاسي والمختار السوسي  وغيرهم، والتي أدت إلى سلسلة من مظاهر التحديث المؤسسي، فإن دورة التنوير لم تكتمل وأفرزت التطوراتُ، التي حصلت لاحقا، قيام نخب تقليدية جديدة تشكك في جدوى التنوير وتحاول خلق طلب «جماهيري» على العودة إلى الوراء.

دافعت حركة التنوير، في منطقتنا، عن عدم تعارض الإسلام مع مؤسسات الحداثة، وعن ضرورة التخلص من السلطوية والإستبداد وأنماط الحكم الفردي والفكر الخرافي، وعن تجذير القيم العقلانية والانتقال إلى دولة المؤسسات والقانون الوضعي ونبذ التعصب الديني وتطوير الاجتهاد وإرساء مقومات الوحدة والتقريب بين المذاهب ومقاومة النزعات الطائفية.

واليوم، تُخاض ضد الإرهاب، الممارس باسم الإسلام، حرب ضروس، أمنية واستخباراتية وقضائية، وتتعرض الكثير من منابعه المالية المفترضة للتجفيف؛ ولكن هذه الحرب، في نظرنا، يجب ألا تشكل بديلا عن المهمة التاريخية الأساسية المتمثلة في الإصلاح الديني؛ وعليه، يتعين الانتقال، ربما، من مركزية شعار محاربة الإرهاب إلى مركزية شعار الإصلاح الديني. ويرمي هذا الإصلاح إلى إعادة بناء منظومة العقل المسلم وتحريرها من العناصر الدافعة إلى إتيان ردود الفعل الموسومة بطابع التطرف والغلو واللاتسامح والعنف والتحجر أو المُسَوِّغَةِ لردود الفعل هذه. يجب أن يرتد الماضي إلى دوره الأصلي كماض وألا يتعداه إلى ممارسة الوصاية على المستقبل. إننا سنظل مسلمين بدون أن نظل صورة طبق الأصل لما كنا عليه. إذا كان على «الآخرين» أن يتحرروا من عقدة (الخوف من الإسلام) فإن علينا، بالمقابل، أن نتحرر من عقدة (الخوف على الإسلام) وأن نكف عن اعتبار الكثير من مستجدات الحياة العصرية مجرد بدع وُضِعَتْ بغاية فك ارتباطنا بهويتنا الدينية ولم تأت لسد حاجات حقيقية وموضوعية. وعلينا أن نتخلى عن المبالغة في طرح قضية الخصوصية، والتي تصل إلى درجة إنكار وجود أي مشترك بين بني البشر. لقد حُورِبَ التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي، في المجتمعات الأخرى، في مراحل تاريخية معينة، بدعوى الخصوصية، أيضا. والمفروض أن البشرية طوت صفحة الخصوصيات التي يمكن أن يُهدم، بواسطتها، أساس الديمقراطية وحقوق الإنسان. والمستوى المقبول من الخصوصية، في هذا المجال، هو ذلك الذي يظل حبيس المساحة التي تسمح له بها المرجعية الكونية أي مرجعية حقوق الإنسان . لأن المفروض أن هذه الأخيرة هي، في النهاية، محصلة عملية الجمع بين الخصوصيات، وكل ما يفيض عنها من صكوك ونظم يتم إعداده في دائرة مفتوحة أمام كل ديمقراطيي العالم  حيث تعكس التنوع الثقافي العالمي.  
 
تحريم الاغتيال:
ربما يسأل المتتبع  لماذا كل هذا الانتقاد للإسلام السياسي ... نقول ان كل المشاكل التي تجري على الارض هي بسبب الفهم الخاطئ للدين ، وجعل الدين المجال الأنسب لتصريف مواقف غريبة طابعها سياسي  الذي يدفع بالبشريه الى الخراب باسم الدين. نمودج تاريخ حركة الإخوان المسلمين ، القاعدة ، داعش .. وغيرها من التنظيمات التي ترى في الدين دستورا وملاذا لطموح سياسي جارف عنوانه "الحاكمية " فالرسالة الإلهية مرة بمرحلتين أساسيتين  المرحلة الأولى وهي  رسالة بعث الله بها الى أهل الارض والتي تمثل الدين الحقيقي الذي يحمله الانبياء والرسل والذين امنوا معهم ، والمرحلة الثانية والتي تمثل الدين السياسي بزعامة المرجعيات الدينيه تحت الفهم السائد "العلماء ورثة الانبياء" حيث وجب الإسقاط  والفهم الخاص للدين وفق المصلحة الخاصة  وبهذا كلما رفع شعار" الدين السياسي " الا وأصاب الأرض  الدمار والخزي والعار وسادت النزاعات والحروب والعداوة والبغضاء والقتل والاغتيالات بين الفرق والنحل ، فيضيع الاستقرار ويضيع الإنسان ويشوه الدين.

من باب الختم :
قاتل ناهض حتر، كان قادماً من حجّ بيت الله الحرام، ولكنّه عاد ليرتكب جريمة نكراء تتنافى تماماً  "ولادة الحاج" و تقاليد الإسلام والسنّة النبوية ولعلّ القاتل (أو من أفتوا له بالقتل) لم يقرأ قصة الشاعر كعب بن زهير الذي هجا الرسول وشبّب بنساء المسلمين ولكن الرسول عفا عنه وخلع عليه بردته فكتب فيه قصيدة جميلة..

على عكس ما انتوى القاتل، فإنّه بفعلته الإرهابية  المشينة أساء إلى الإسلام والمسلمين ورفع راية الانتقام على راية الفكر والتنوير ومنح مواقف الكاتب الشهيد  مساحة أكبر للانتشار والتعريف وأعطاه مصداقيّة وفاعلية أكبر، كما برهن  على حجم الاستعصاء السياسيّ الراهن في المنطقة العربية بين فكر يبرّر الإبادة الجماعية والعنصرية وآخر يبرّر الاغتيالات والإرهاب.

سواء اختلفنا أو اتفقنا مع حتر فانه يجب ادانة هذه الجريمة بأشد العبارات وأقساها لأنه لايمكن تحت اي ظرف كان، ان  يبرر هذا السلوك الاجرامي. لاي انسان الحق في إبداء رأيه وعلى القوى الاجتماعية حماية ذلك الحق والدفاع عنه. وعلى كل الديمقراطيين مواصلة فضح  النضال الفكري  لفضح هذا السلوك  وكل المستفيدين "بريع "الدين سواء في الخفاء أو التجلي.

{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } المائدة28 صدق الله العظيم.
ذكرني بها الفايس وأنا  بدوري أذكر كل الأحرار .من أجل الحياة  ومن أجل الشهداء.
للتاريخ ذاكرة .