عابدين الزرهوني: معلمة من معالم الإبداع بحاضرة عبدة

عابدين الزرهوني: معلمة من معالم الإبداع بحاضرة عبدة الزميل أحمد فردوس يتوسط عابدين وجمال الزرهوني

على بعد أمتار من شاطئ بحر "اَلْكَابْ" الجميل بحاضرة المحيط ، ينبض قلبه بالحب والعشق، ويتفاعل الفنان الودود والطيب عابدين الزرهوني مع محيط المنطقة التي عرفت أحداثا تاريخية كان لجده من والده  القايد الحاج محمد بن ملوك نصيبا أوفر فيها (كانت له إحدى عشرة زوجة )، على اعتبار أنه يعتبر فقيها ومثقفا من بين علماء المنطقة وتجارها الذين انتصروا لقبيلة أولاد زيد كثائرفي تلك الفترة التاريخية من الصراع والإنتفاضات ضد جبروت القائد الكبير عيسى بن عمر. (وبعد ذلك ستتم المصاهرة بينه وبين القائد سيدي أحمد بن عمر) .

الفنان عابدين الزرهوني عاش في وسط فني بعد أن رأى النور من صلب والده السي عبد الرحيم الزرهوني بدوار القائد الزرهوني بمنطقة البحاثرة الشمالية سنة 1960، حيث اختار أن يشتغل بقطاع الفوسفاط مدة 23 سنة ويُقْدِمْ بعد ذلك على المغادرة الطوعية بعد أن وجد في اختياره، الهوى والمعنى وانصهرت ذاته في آلة لوتار العبدية و الأطلسية وإيقاعات الغناء الساحر، ليخلد بأنامله وقلمه أروع المقطوعات (كتابة ولحنا) في مختلف المواضيع الاجتماعية والإنسانية تغنى بها جمهوره العريض بالمغرب وخارجه.

ساحل "اَلْكَابْ" فضاء الإلهام والإبداع وموطن الأجداد

ساحل "اَلْكَابْ" منطقة شاهدة على فترة تاريخية ساهمت أحداثها في كتابة أروع الملاحم والبطولات ضد كل مظاهر الظلم و القهر والإستبداد بمجال عبدة وأسفي، وربما من هنا قد يكون للفنان عابدين الزرهوني ميلا وجدانيا ونفسيا وروحيا يستقطبه إليها (لا وعيه) لاسترجاع في لحظات معينة جزء من تلك المشاهد، لكن ما يميز الرجل هو كعبه العالي في انتقاء واختيار مواضيع كتاباته وألحانه المتميزة وغنائه الفريد الذي طبع بها مساره الفني الرائع بشهادة أسد الأطلس الكبير السي محمد رويشة (ملك الوتر) وعمالقة الغناء الأصيل.

في جلسة خاصة مع الفنان عابدين لاسترجاع أهم ذكرياته الفنية المشتركة مع الراحل محمد رويشة يحكي لجريدة "الوطن الآن" قائلا:

" في سنة 1995/1996، كنت أتمرن على مقطوعة غنائية بفندق ماجيستير بشارع لالة الياقوت بمدينة الدار اليضاء، كتبتها تحت عنوان (مَالْ اَلْحَالْ ظْلَامْ؟) رفقة مجموعة من الفنانين المنحدرين من الأطلس، فدخل علينا فجأة الفنان محمد رويشة ، مما اضطرني إلى التوقف عن العزف والغناء احتراما للرجل وعلاقتي به كفنان مغربي داع صيته عالميا.لكنه طلب مني الاستمرار في الأداء..".

 وبعد أن أنهت مجموعة الشيخ عابدين الزرهوني غناء تلك المقطوعة الجميلةـ يضيف عابدين ـ : "طلب مني رويشة أن أعيد غنائها مرتين متتاليتين، أحسست أنه استمتع وانبهر بالكلمات النافذة واللحن الجميل والأداء والعزف الساحر". لكن الجميل في هذه اللحظة الفنية المائزة يقول ضيف الجريدة: "طلب مني أسد الأطلس السي محمد رويشة نص المقطوعة ليؤديها بنفسه ويقدمها للجمهور (بغايت المقطوعة السي عابدين)، ولم أتردد في تلك اللحظة وقلت له فهي لك سيدي محمد". يوضح عابدين الزرهوني.

مقطوعة (مَالْ اَلْحَالْ ظْلَامْ) التي كتبها و أهداها عابدين الزرهوني لصديقه محمد رويشة في لحظة تميزت بتلقائية التفاعل الفني لم يقمبتسجيلها عابدين إلا بعد أن أداها رويشة وسجلها لنفسه في شريط (كَاسِيطْ) ولقيت إقبالا منقطع النظير من طرف الجمهور في مختلف المناسبات الفنية...وبعد ذلك أعاد تسجيلها بصوته العذب وأدائه الرائع وجدد روح هيكلها بنغم الوتر والإيقاع والشدو الأطلسي الممزوج بنبرة طبقاته الصوتية المتفردة.

في محرابه الفني بجانب شاطئ "اَلْكَابْ" الهادئ في فصل الشتاء والحركي في فصل الربيع والإجتماعي صيفا، وجد الفنان عابدين الزرهوني كل شروط الإشتغال الفني و الإبداع الموسيقي على مستوى الكتابة واللحن بعيدا عن ضجيج واقع الحال:

"في خلوتي الخاصة بمنطقة الكاب أجد نفسي و ذاتي متعلقا بالمكان والزمان، بحكم انتمائي للمنقطة (مسقط الرأس) وأتفرغ كليا للتأمل والإبداع واسترجاع ذاكرتي الفنية، وأصدقك القول أن (الكاب) موطن الإلهام والإبداع، وبنية استقبالية للأصدقاء الفنانين الذين أتقاسم معهم حرقة السؤال الإبداعي".

وأوضح الفنان الشاعري للجريدة بأن ثقافة البحر بالنسبة له "مرجعا أساسيا في الكتابة والإبداع، خصوصا أن هوايتي الثانية بعد الفن هي الصيد بالقصبة ما يمنحني القدرة على الصبر والتحمل أمام عظمة البحر وأمواجه العاتية، في انتظار أن يجود بخيره الوافر".

في سياق متصل يقول شيخ البحر والقصبة والوتر "لا شيء أجمل من التأمل أمام عظمة البحر، وهدوئه، وسخائه الكبير اتجاه من يلجأ إلى مناجاته أثناء هدوئه أو خلال تمرده الطبيعي، حيث تتفاعل نفسية الإنسان أمام هذا الفضاء الأزرق ليفجر ما بداخله"،

هكذا يتواصل الفنان المبدع عابدين الزرهوني مع الطبيعة لتلد أحاسيسه أجمل القول في تيمة الحب والخيانة، وفي موضوع الهجر والوصل، وينتقل بين الجمال والقبح ويترجم شعوره الإنساني واصفا بنظمه وألحانه وترانيم أوتاره ما يخالجه من معاناة وألم يفوق هدير أمواج البحر التي تطرق باب خلوته صباح مساء.

ضيف الجريدة عابدين الزرهوني باب من أبواب الإبداع بحاضرة المحيط، تغنى بالحب وتغزل بالحبيبة متوسلا بالورد، ووصف الطبيعة بمقاييس تقلبات الظهر، وقدم أرقى تعابير الرثاء في مواضيع الفقدان، وأطرب المتلقي بأروع الموشحات والقصائد والمقطوعات الخالدة في الزمن الجميل، وبصم مشواره الفني متفردا ومنتصرا للإنسانية دون حدود، ترسو سفينة فنه على سواحل العطاء بسخاء في زمن تهافت أشباه الفنانين على منصة تشوهات الإبداع.

"في زمن كورونا، اشتغلت على نصوص جديدة سيكون له السبق في تناول مواضيعها الاجتماعية، كتبتها ولحنتها في صمت دون قلم وأنا واقف أمام عظمة البحر، ممسكا بقصبتي التي تتقاذفها الأمواج وتمدني بالطاقة المتجددة...وفي خلوتي بمحرابي أعيد شحنها بروح نغمات أوتاري " يقول عابدين

فن العيطة جزء أساسي من تركيبة المبدع الشيخ الفنان عابدين الزرهوني حيث يؤكد بأن "مساري الفني مع أخي الشيخ جمال الزرهوني له طعم خاص حين أرافقه في العزف والغناء في مختلف التظاهرات الفنية، خصوصا أنه تمكن أن يعيد لفن العيطة الحصباوية ألقها ومضمون مقطوعاتها من خلال إعادة تنقيح وغناء مجموعة من العيوط الحصباوية التي اشتغل عليها نبشا وبحثا، و وثقها سواء في قنواتنا التلفزيونية أو على مستوى الإعلامي والصحفي خلال المهرجانات الوطنية والتظاهرات الفنية".

وختم تصريحه للجريدة قائلا: "الأعمال الفنية التي قمنا بإنجازها ستظل شاهدة على العطاء، وخصوصا على مستوى المزج بين النغمة الأطلسية والنغمة الحصباوية حين أتحفنا جمهور مهرجان أجدير بمقطوعة رائعة امتزج فيها الهول الأمازيغي بالحصباوي مع عمالقة الطرب والنغم رفقة أخي الشيخ جمال الزرهوني الذي يشتغل اليوم على مواضيع وطنية بنفحة عيطية (بلادي يا بلاد الخير/ الصحراء مغربية)"

 

الزرهوني رفقة شبيهه في الصوت والعزف رشيد عابدين