محمد الطيار: هل هناك علاقة بين استهداف سائقي الشاحنات المغاربة وعملية معبر الكركرات

محمد الطيار: هل هناك علاقة بين استهداف سائقي الشاحنات المغاربة وعملية معبر الكركرات محمد الطيار و مشاهد لشاحنات سائقين مغاربة بمالي
أكدت السفارة المغربية بالعاصمة المالية بماكو أن عناصر مسلحة تعرضت  يوم السبت11 سبتمبر2021, لشاحنة مغربية محملة بالبضائع عبرت الكركرات إلى موريتانيامتوجهة  الى بماكو. وقد وقع الحادثعلى مستوى بلدة ديديني على بعد 300 كلم من العاصمة المالية بماكو، حيث اعترضتهم مجموعة مسلحة كانت مختبئة بين الأشجار على جنبات الطريق وأطلقت الرصاص مستهدفة  السائقين المغاربة.
وقد اكد شهود عيان أن المهاجمين كانوا مقنعين ويرتدون واقيات من الرصاص ولديهم أجهزة اتصال لاسلكي، وانهم  لم يقوموا بسرقة أية أغراض ولم يستولوا على البضائع،وقد لاذوا بالفرار مباشرة بعد ارتكابهم الجريمة.
هذه هي المعطيات الاولية المتدولة في انتظار ماستسفر عنه التحقيقات التي باشرها جهاز المخابرات الخارجية المغربي بالتنسيق مع السلطات المالية، غير أن هناك العديد من الاسئلة تقفز الى السطح انطلاقا من طبيعة الحالة الامنية القائمة في مالي ومن لديه مصلحة في استهداف سائقي الشاحنات المغربية، وفرضية ارتباط الحاث بعملية  معبر الكركرات سنة 2020، التي انهزمت فيها البوليساريو الجزائر، و أصدرتا أنذاك تهديدات صريحة إلى السائقين وأصحاب الشاحنات المغاربة وغيرهم من  الذين يستعملون معبر  الكركرات.
 
طبيعة المعضلة الامنية بمالي
 
يسيطر تحالف المهربين والمتطرفين وتجار المخدرات بشكل واضح على المشهد في مالي ، وقد نجح هذا الثلاثي في إرساء نظام اقتصادي أصبح مع الوقت إطارا (شرعيا ومقبولا)
للتبادل التجاري وخلق فرص العمل، حيث تحتل الأهداف الاقتصادية وتبادل المنافع المادية الأولوية، وليس الدافع الديني أو الأيديولوجي، فرغم أن العمليات العنيفة للجماعات المتطرفة تتخذ غطاءا دينيا وأيديولوجيا، إلا أنها لا تستطيع إخفاء سعيها وراء المكاسب المادية من خلال مطالبتها بالفدية، ونشاطات أخرى موازية مثل تعاطيها لمختلف أنشطة الجريمة المنظمة وتهريب البضائع، كما أن هذه المجموعات لا تتقاسم نفس الأهداف السياسية ولا تشترك في الغالب في نفس الولاءات، وكثيرا ما تتبدل التحالفات فيما بينها وينتقل الأفراد من مجموعة إلى أخرى وفقا للإغراءات والمخاطر، مما يجعل الدافع الديني دافعا ثانويا لهذه الجماعات.
ويختلف الإرهاب في مالي وفي  منطقة الساحل الإفريقي  عموما عن سواه في مناطق العالم الأخرى، حيث أنه أحيانا من الصعب التفرق بين الجماعات المسلحة التابعة للقبائل والإثنيات، وبين الجماعات التي تدعي الجهاد، إذ فيمكن أن ينتقل الأفراد من هذه الجماعة إلى تلك بكل سهولة، ثم أن التنظيمات التي تدعي الجهاد، قد تنسج علاقات متبادلة بمؤسسة الدولة في منطقة الساحل الإفريقي وكذا بالنظام العسكري الجزائري ، حيث تدخل معها أحيانا في توافقات وتتدخل لديها عن طريق وسطاء لفك اسر الرهائن الغربيين مقابل الفدية، التي قد يحصل مسئولي الدولة على نصيب منها عند تحصيلها.
 
نسبة تدهور الوضع ارتفعت أكثرمما سبق، كما زادت وتيرة الاتجار بالمخدرات وتمويل الإرهاب عن طريق أنشطة الاتجار غير المشروع، وتزايد استخدام دروب الاتجار لتدفقات الهجرة غير القانونية. التصعيد الذي شهدته نسبة العمليات الإرهابية، أدى إلى القضاء على النشاط التجاري في العديد من المراكز الحضرية، وتوسعت الحوادث العنيفة التي استهدفت المجتمعات المحلية، وزادت أعمال اللصوصية، والاغتيالات المتبادلة بين مختلف الجماعات المسلحة، وانتشر قطاع الطرق بسبب الغياب الطويل للأمن الوطني. فمنذ استئناف الهجمات الدموية، توقفت المبادلات التجارية وأصبحت الدكاكين خاوية من المواد الغذائية. أرقام المبادلات التجارية بمنطقة كيدال والمناطق المجاورة لها تراجعت منذ 2013م بسبب عدم قدرة التجار على جلب السلع خوفا من قطاع الطرق، حيث يتم إيقاف الشاحنات والسيارات من قبل مسلحين مجهولين، يقومون بسرقتها ويصل بهم الأمر أحيانا إلى حد قتل الأشخاص المتواجدين عليها، وأصبحت الأطعمة الأساسية مثل الأرز وزيت الطهي، نادرة وعلب التبغ لم تعد موجودة بسبب عمليات السطو على الشاحنات والسيارات الخاصة، مما جعل التجار وحتى السائقين يترددون في نقل البضائع من غرب تنبكتو ومن موريتانيا المجاورة.
كما أن الرعاة أصبحوا يخشون من أخذ قطعانهم للمرعى خارج التجمعات السكنية، والمخاطرة بالذهاب خارج المدينة بسبب مخاطر الألغام المنتشرة في الكثبان والمراعي، وأصبح من الصعب الوصول إلى منابع المياه بسبب ذلك. كما وصلت حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة إلى "مستويات حرجة" في المناطق المتضررة من النزاع حول تمبكتو وغاو.
اما فيما يخص مايعرف بالتنظيمات الجهادية،  فتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وفروعه، يرتبط بالإستراتيجية الأمنية الجزائرية، حيث يتحرك في شمال مالي نحو ليبيا وتونس والنيجر ونيجريا وموريتانيا وبوركينا فاسو وكوديفوار، ويضرب هنا وهناك مستفيدا من الدعم اللوجستيكي القادم من الجنوب الجزائري بدون تدخل السلطات لمنع ذلك، ونفس الأمر يتكرر مع التنظيم المستحدث سنة 2017 المسمى "نصرة الإسلام والمسلمين" بقيادة إياد غالي، الذي أصبح يشكل منصة لكل التنظيمات الجهادية في شمال مالي التي أعلنت بيعتها لتنظيم القاعدة.
وفي اطارهذا  المشهد الامني بمالي،يسيطركذلك  الأمن العسكري الجزائري على بعض أمراء الجماعات المسلحة، الذين يحمل الكثير منهم الجنسية الجزائرية ويملكون عقارات وتجارة في المناطق الجنوبية الجزائرية خاصة في مدن تمنراست، البرج، تيمياوين، وجعل منهم شبكة موالية له توقع على مختلف الاتفاقيات مع حكومة مالي منذ عقود دون أن تتقدم عملية السلام، لتستمر بذلك حالة انعدام الأمن، ويجني جنرالات الجيش الجزائري  من وراء توسيع أنشطة التهريب المختلفة - خاصة الكوكايين- ثروات كبيرة يوضع أغلبها في البنوك الجزائرية.
 
فرضية علاقة استهداف سائقي الشاحنات المغاربة بمالي  بعملية الكركرات
 
عمل النظام العسكري الجزائري طيلة السنوات الماضية على عرقلة تدفق التجارة عبر معبر الكركرات ،واستعمل مليشات البوليساريو من اجل تحقيق هذا الهدف، كما عمل سنة 2018  على فتح طريق تجارية بديلة تنطلق من الاراضي الجزائرية صوب موريتانيا، وقد منيت كل هذه المحاولات كلها بالفشل ،فقد  استعاد المغرب سنة 2020 معبر الكركرات بعد محاولة السيطرة عليه،كما بسط سيادته الكاملة على المنطقة العازلة على حدود إقليم الصحراء المغربية  المجاور لموريتانيا و استعادت الحركة التجارية نشاطها وحيويتها اكثر من السابق واعلن عن عزمه في اعادة تعمير منطقة لكويرة، مما  حشر  الجزائر في زاوية الضعف والهزيمة وجعلها حينها تصدر العديد من التهديدات .
 ففرضية استهداف الشاحنات من طرف كومندوس تابع للامن العسكري الجزائري،أو توظيف مرتزقة من المنطقة   تبقى واردة، لان الهدف من ترهيب  سائقي الشحنات التجارية المغربية ،هو نفس الهدف الذي كان وراء محاولة إغلاق معبر الكركرات، أي  منع تدفق التجارة وخاصة البضائع المغربية.
 
كماأن فرضية استخداف عناصر البوليساريو من اجل تنفيذ هذه المهمة تبقى هى الاخرى واردة وبقوة، خاصة وان  الأمن العسكري الجزائرياعتاد أن يستخدم عناصر "لبوليساريو" في إطار صراعه مع بعض الحركات الأزاوادية في شمال مالي التي ترفض الخضوع له، ومن الأمثلة عن ذلك، ما حدث في نوفمبر 2009 حيث اختطفت مجموعةُ مسلحة من قبيلة لبرابيش العربية في شمال مالي، أربعة من قادة "جبهة البوليساريو" ضمنهم القائد المساعد للمنطقة العسكرية الأولى في "البوليساريو" الطالب آمي الديه، واقتادتهم من الأراضي الجزائرية حيث نقلوا إلى منطقة تاودني في مالي، ليطلق سراحهم خلال أيام بعد أن دفعت قيادة "البوليساريو" فدية مالية.
وفي سنة 2016  قامت الجزائر بنقل أربعة من الأزواديين إلى داخل الجزائر لمحاكمتهم، بعدما كلفت مجموعة مسلحة من" البوليساريو" باختطافهم من منطقة كيدال شمال مالي، وقد ردت أنداك “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” باعتقال ثلاثة من الصحراويين، وهددت بتصفيتهم ما لم يطلق سراح مواطنيها، وأضافت حينها الحركة الأزوادية بأنها ستقوم باختطاف كل من عثرت عليه من الرحل الصحراويين المحسوبين على" البوليساريو".
هذه فرضيات من بين غيرها،  تبقى واردة في خضم البحث والتقصي إلى حين  الإعلان عن نتيجة التحقيقات .
 
محمد الطيار / باحث في الدراسات الاستراتيجية والامنية