النهري: الحكومة المقبلة يجب أن تستحضر التأكيد الملكي على ضرورة التوفر على مؤسسات قوية

النهري: الحكومة المقبلة يجب أن تستحضر التأكيد الملكي على ضرورة التوفر على مؤسسات قوية حميد النهري  استاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة
عرفت الاستحقاقات  الانتخابية  8 شتنبر 2021 عدة مفاجأت بدء بنسبة  المشاركة المكثفة  التي فاقت 50% ثم الانهزام  المدوي الذي وصف بـالعقابي  لحزب العدالة والتنمية ، وتكليف الملك محمد السادس رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" عزيز أخنوش بتشكيل الحكومة بناء على الفصل 47 من الدستور.
"أنفاس بريس" ناقشت مختلف هذه الجوانب والتطورات المرتقبة مع الدكتور حميد النهري  استاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة في الحوار التالي: 
 
-ماهي قراءتك لنتائج الانتخابات؟ والتي تميزت بما وصفه الكثيرون الانحدار الكارثي لحزب العدالة والتنمية؟
غالبا في اي انتخابات تكون هناك توقعات من خلال دراسات واستطلاعات للرأي وذلك بناء على مؤشرات 
 وبالنسبة لانتخابات 8 شتنبر2021؛ فيمكن القول انها تداخلت فيها التوقعات العلمية وغير العلمية، لكن النتائج خالفت كل التوقعات وعلى جميع المستويات وبالنسبة للانحدار الذي عرفه حزب العدالة والتنمية اعتقد ان هناك عدة اسباب ساهمت في ذلك.
- انتخابات شتنبر تميزت بنهج اول مرة  لتجربة تنظيم انتخابات مجتمعة تشريعية جهوية جماعية. وتاثير ذلك على نسبة المشاركة حيث لم يعد هذا الحزب وحده صاحب امتياز التحكم في كتلته الانتخابية كما كان الحال في التجارب السابقة.
- السياق العام المختلف والذي يقتضي ضرورة استحضار مجموعة من العوامل فلا ننسى أن حزب العدالة والتنمية هيمنته جاءت نتيجة ظرفية استثنائية ما بعد احداث  2011 ؛ هذه الاحداث جعلته يقود الحكومة لولايتين متتاليتين وما حمله هذا التدبير الحكومي من حصيلة سلبية تميل اكثر الى المحدودية على جميع المستويات السياسية الاقتصادية والاجتماعية،.
على مستوى الاحزاب المشاركة في التدبير الحكومي الى جانب العدالة والتنمية فالعلاقة لم تكن مثالية بل جعلتنا امام حكومات متعددة حصيلة قرارتها في العديد من الاحيان كانت ضد انتظارات المواطنين؛ بل زادت من تراجع العديد من مكتسباته.
صحيح ان هناك فريق حكومي يشارك فيه العديد من الأحزاب الا ان فاتورة هذا الحصيلة السلبية يتحملها حزب العدالة  والتنمية.
الذي لم يستطع مجاراة التحولات التي يعرفها المغرب ويفرض نفسه كحزب قوي فشل في تقديم عرض سياسي يتجاوب مع هذه التحولات. 
بل اكثر من ذلك العرض السياسي المحدود لحزب العدالة والتنمية ساهم بشكل قوي في تدني منسوب الثقة في العمل السياسي ببلادنا، واصبحنا امام حزب سياسي يفرض وجهة نظره على انها هي الحقيقة او هي الحل!؟ وتارة يهاجم احزاب الاغلبية المشاركة معه في الحكومة! وتارة يهدد ما يعرف بوزراء السيادة! وتارة ينتقد المجتمع المدني بل في العديد من الأحيان تم تهديد الدولة نفسها.

-بعد تعيين اخنوش الامين العام لحزب الاحرار الذي تصدر نتائج الانتخابات ما هو المنتظر والمأمول من الأحزاب التي ستشكل الحكومة المقبلة لإعادة ثقة  المغاربة  في العمل السياسي والحزبي؟ 
أولا تعيين السيد اخنوش رئيسا للحكومة في حد ذاته درسا في الديمقراطية واحترام الدستور، لاننا لاحظنا للاسف مرة أخرى بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات عودة لبعض التحليلات والتصريحات غير المنطقية وبدات تقدم تصورات وتفسيرات للفصل الدستوري؛ وبدأت ترشح الشخصيات القابلة لتحمل مسؤولية قيادة الحكومة المقبلة وذلك من خلال خرجات اعلامية اقل ما يقال عنها انها غير منطقية وبعيدة عن احترام مبادئ الديمقراطية.
اما فيما  يخص التحالف الحكومي ، فنحن اليوم امام سيناريوهات متعددة ولا اظن انها ترتبط بالبرامج الحزبية بل عليها أن ترتبط باستيعاب حجم تحديات المرحلة وانتظارات المواطنين، كما اننا لا يجب ان نغفل مسالة اساسية ومهمة تتمثل في الارادة الملحة للمؤسسة الملكية التي تؤكد على ضرورة التوفر على مؤسسات قوية برلمان حكومة ؛ قادرة ان ترفع هذه التحديات الكبرى بدءا من تجاوز تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية الاجتماعية وحتى السياسية.
وضرورة الاندماج في المشاريع الكبرى التي يراهن عليها المغرب والتي اصبحت مسالة تنزيلها ضرورة قصوى. 
كما تؤكد المبادرة الملكية على ضرورة تحمل هذه المؤسسات لمسؤوليتها كاملة من خلال الاستيعاب العملي لتصورات النموذج التنموي الجديد؛ وخلق تصورات عملية قابلة للتنفيذ في سبيل إنجاح مقتضيات هذا النموذج.
اذن الاحزاب التي سَتُكون الحكومة وستدير المرحلة الجديدة عليها مسؤولية خلق مبادرات تتجاوب مع مبادرات المؤسسةالملكية وتُكملها، فهذه الاحزاب مطالبة بالتفاعل مع تحديات المرحلة وتقديم عرض سياسي جديد وتصورات جديدة قادرة على رفع منسوب الثقة للمواطن في العمل السياسي بصفة عامة
ولن يكون ذلك في الحقيقة ممكنا الا اذا قدمت تصورات حقيقية وعملية تستجيب لانتظارات المواطنين.
وبصراحة لكي نشرح بوضوح خطر هذا التهافت الذي عبر عنه البعض؛ فمن خلال النتائج يظهر ان المواطن كان واضحا اختار تصويتا يؤدي الى خروج احزاب ومن معها وصعود احزاب ومن معها.
لذلك اي خروج عن هذه المنهجية الواضحة سيكون ضربا لارادة الناخبين! وسيؤدي الى رجوع من اخرجته الصناديق من الباب يدخلون عبر النافذة اي عبر حلفاء الامس!!، واساس الرهان وبالتالي سنعيش عدم الاستقرار الحكومي الذي عشناه في التجارب السابقة لان ستظهر دائما تناقضات تهدد الانسجام الحكومي.
 
-كيف تتصور التحالفات الحزبية الممكنة  لتشكيل الحكومة ؟
ستبتدئ مفاوضات تشكيل الحكومة واغلب السيناريوهات تربط الاحزاب التي احتلت المراتب الاولى بالمشاركة في الحكومة حتى ان هناك تهافتا على المشاركة في الحكومة المرتقبة باي طريقة. 
في الحقيقة نفس  الاخطاء التي سقطت فيها سيناريوهات 2016 قبيل تشكيل الحكومة وكنا قد انتقدناها حينها.
ومن الخطأ اليوم اعادة بناء نفس السيناريوهات الغير منطقية بدعوى ان هذا حال  السياسة والمصالح الكبرى للوطن........
كما يجب أن نستحضر ان المواطن المغربي عاش سنوات من التدبير الحكومي المتناقض للاسف؛ شاهدنا احزاب تشارك في الحكومة وتنتقد قرارات الحكومة واحزاب هي نظريا في المعارضة وعمليا من اكبر المساندين للحزب الحاكم بمعنى هناك اغلبية ومعارضة افرزتها صناديق الاقتراع 2016 لكن عمليا وبشكل غريب برزت في السنوات الاخيرة اغلبية ومعارضة لا علاقة لها بصناديق الاقتراع لانتخابات 2016 !!؟وقد  اثر ذلك على المسار الديمقراطي واثر تاثيرا سلبيا على المشهد السياسي المغربي بشكل عام.
لذلك اليوم الجميع مطالب باحترام المبادئ الديمقراطية المتعارف عليها؛ وكما يجب ان نفكر في المشاركة في الحكومة يجب ان نفكر في مؤسسة المعارضة التي يجب ان تكون قوية وان لا تبقى فقط حبيسة النص عليها في الدستور. 
كما يجب ان نحترم ارادة المواطنين فلا يعقل ان احزاب اصطفت مع بعضها خلال الحملة الانتخابية وراهنت على بعضها من خلال توقيع اتفاقيات ومواثيق وتفعيل ذلك من خلال تصريحات وخطابات على وسائل الإعلام الرسمية المخصصة لهذه الانتخابات بموجب القانون؛ واليوم عندما خسرت هذه الأحزاب الرهان نجدها تنتقل الى خطاب اخر مع نفس الفريق الذي كان  بالامس يعتبر عدوا مع ضرب عرض الحائط جميع مبادئ الديمقراطية.
وهذه المسالة ستكرس رداءة المشهد السياسي المغربي اكثر بدعوى ان هذا هو حال السياسة.
اذن الاحزاب التي من المرتقب ان تشكل الحكومة يجب ان تحترم وعي المواطنين وارادة الناخبين؛ الذين عبروا عنها خلال انتخابات 8 شتنبر ،وان تستفيد من التجارب السابقة وان تتجاوب مع توجيهات الخطب الملكية في سبيل ارجاع منسوب الثقة للمواطن المغربي الذي يسعى الى التغيير.
فحذار من كل ضرب للمبادئ الديمقراطية و تهييئ تصورات منافية لهذه المبادئ ؛وعلينا ان نعترف ان هناك تهافت البعض باساليب يحكمها منطق الريع الشخصي وغير مؤطرة ولا تستند الى مخرجات الهياكل الحزبية. اصحاب هذه الاساليب للاسف ما فتئوا يعبرون عن ذلك منذ سنوات ومستعدين لتحقيق هذه المصالح ولو اقتضى الحال التحالف حتى مع الشيطان!! فقط مع اختلاف الأجندة وهذا الامر يكرس رداءة المشهد السياسي ويسيء للديمقراطية