محمد يسين: حيرة الرقم "ثمانية"

محمد يسين: حيرة الرقم "ثمانية"

وأنا أحتسي قهوتي، على نغمات النتائج النهائية للاستحقاقات، أثار انتباهي من استوطن المرتبة الثامنة، عبر سقطة غريبة من الطابق الخامس والعشرين...

بمقدار ما استهواني السقوط، بقدر ما تناسلت مجموعة من الأسئلة وأنا أتأمل الرقم السحري "8"، سطعت أمام عيناي، صورة لجدتي وقد علت الحمرة وجنتيها، أمام فرن تقليدي، حين ابتسمت وقالت: حبيبي سأصنع لك "جْمِيَّلْ " فرحت كثيرا، تتبعت حركة سبابتها وإبهامها وهي تقبض برفق على رغيف من العجين، ليستقر على مجسم للرقم "8"، ثم وضعت بسبابتها ثقب على الجهتين...

واوا، واو، صحت مبتسما، حين أعطتني سَمْنَا بلديا لـ "تطليص" الرغيف.

عدت لراهنية الحدث، على نغمات وزقزقة عصافيري، وهي تصيح:

إوى "طَلِّيصة" هدي أعَمُّو...

عقبت على عصافيري مبتسما: إنه التصويت العقابي يا عصافيري.

 موضحا أننا نحن  معشر البشر، من طينة تنهج منطق  "إنا عكسنا عكسا".

رفرفت عصافيري، معلنة استغرابها لمنطق البشر في مفهوم "التصويت العقابي"...

صاحت عصافيري موضحة: يا عجوز، لو كنا في نفس وضعكم، لأنار طريقنا، الهدهد النبيه، في الابتعاد عن التصويت العقابي، ونهج منطق آخر، يضيع الفرصة على المتربصين وكل من ينهج التدليس والتضليل.

صحت مستغربا نباهة الطير، وقلت هيهات هيهات أن يكون لنا "هدهد" نبيه...

رفرفت عصافيري، قائلة: يا عجوز، كلكم يحمل في طياته وتجويفات دماغه نباهة الهدهد، تحققوا أولا في مكمنها  فيهين الأمر بعدها.

رجعت لمنطق جدتي ، تلك التي لم تطأ قدماها باب التعليم أو "المسيد"، حين سألتها يوما قائلا: لماذا لا تصلي يا جدتي، ألا تخافين نار جهنم؟

صاحت فِيَّ مبتسمة: "إوى أوليدي ما شفنا حتى واحد رجع هارب من ديك جهنم"...

رجعت لمنطق جدتي، في صنع "الجْمِيَّلْ" تأملت الأمر على أكثر من وجه، حاولت التنقيب على قواسم المنطق بين العدد "8" كمرتبة لرمز المصباح و"جْمِيَّلْ" جدتي...

خلت عصافيري تقول: يا عجوز لربما سبقتكم الجدة الوقور في تحديد هوية الرقم، وارتباطه برغيف كان طعما في الأوساط الشعبية، وصار غنيمة في منطق الأحداث… قلت في نفسي لعل  جدتي كانت  سبب السقطة...

صاحت عصافيري، أمركم غريب، معشر البشر، ترجعون للتاريخ لتحديد المسببات، وهي أقرب لكم من حبل الوريد...