عمر أربيب: حقوق الإنسان في برامج الأحزاب السياسية

عمر أربيب: حقوق الإنسان في برامج الأحزاب السياسية عمر أربيب

شكل المدخل الحقوقي في فترات تاريخية، وخاصة في جوانبه المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية، كحرية الرأي والتعبير، الحق في التظاهر والتنظيم وحرية تأسيس الجمعيات، والحق في المشاركة السياسية وتدبير الشأن العام، وانتقاد المنظومة القانونية والتشريعية غير المنسجمة مع القانون الدولي لحقوق الانسان، حيث كانت هذه القضايا وغيرها كالمساواة والتنصيص الدستوري على الفصل الحقيقي بين السلط، وتقوية الضمانات المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية، كانت تتصدر البرامج الانتخابية لبعض الأحزاب، بل إن هناك أحزاب كانت تلجأ الى المطالبة بإحداث انفراج سياسي عبر مطالبتها بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتوسيع هامش الحريات وربطها بالانتقال نحو الديمقراطية.

كما شكل إسناد السهر على تنظيم الانتخابات إلى هيئة مستقلة تحت إشراف القضاء كتعبير عن أبعاد وزارة الداخلية عن ذلك.

 

كل هذه القضايا الى جانب الحريات الفردية وحرية المعتقد وحماية المعطيات الشخصية وحرية الصحافة بما فيها الفضاء الرقمي، تبدو غائبة وأن حضورها في البرامج الحزبية إن وجد فهو محتشم، ويأتي في ذيل الاهتمامات، مع استثناءات قليلة لبعض القوى السياسية.

 

وتبدو السمة الطاغية على البرامج الحزبية الانتخابية مقتصرة على الخطاب الدعائي بما يشبه الماركوتينغ السياسي لترويج بضاعة استهلاكية لم تعد تغري بذلك، حيث الوعود والشعارات المتشابهة والمتكررة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والملاحظ أنه خطاب دعائي ديماغوجي لأنه بالنسبة على الأقل للأحزاب الحكومية لا يقدم الحساب عن الفترة السابقة، إضافة إلى كونه لا يستند على آليات التنزيل وإمكانيات التفعيل، نظرا لغلوه وإفراطه في المزاعم والتقديرات التي يفندها الواقع والمؤشرات الاقتصادية والتنموية، مما يجعله خطابا صعب التحقق في ظل بنية الفساد والريع وغياب الشفافية والنزاهة والمحاسبة، وهذه كلها محددات ضرورية للتخليق، ونظرا لأنها أصبحت بنيوية فلا نعتقد أن من كان سببا في تراجع هامش حقوق الإنسان وإغلاق قوس الانفراج قادر على خلق ثغرة في جدار السلطة السميك للوصول إلى دولة الحقوق والحريات ومجتمع الديمقراطية الحقة في كل أبعادها.

 

لذا فإن غياب المقاربة الحقوقية في برامج الأحزاب الانتخابية هو معطى أكيد سيكرس الاستمرارية ومزيدا من تقليص مجال الحريات الأساسية العامة والفردية، والضغط على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لعموم المواطنات والمواطنين.

 

ونعتقد أن مجال الحقوق الاجتماعية ذات التكلفة المالية من صحة وتعليم وسكن وتشغيل، وحماية اجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة، حسب المؤشرات الملموسة والمقاربة المروج لها في الخطاب الدعائي الانتخابوي، لن يكون وضعها أحسن، ما يؤكد ذلك ما تعيشه أغلبية المواطنات والمواطنين والذي تؤكد الأرقام الرسمية نفسها وكشفت عنه الجائحة بشكل واضح، فمبلغ الخصاص كبير ويحتاج إلى كثير من الإبداع والابتكار ومقاربة سياسية واقتصادية واجتماعية تروم التغيير الجاري وبناء اقتصاد وطني يلبي الحاجيات الأساسية للمواطن والتوزيع العادل للثروة وجعل القطاع الخدماتي العمومي رافعة أساسية لتفعيل الحقوق الاجتماعية، ولأن هناك ترابطا بين الحقوق في شموليتها فلا يمكن تجاوز وضعية الإعاقة والحجز الحالي دون توفير مناخ سياسي يقطع مع الاستبداد، مبني على تعاقد اجتماعي حقيقي ينطلق من أن الشعب مصدر كل السلط  وصاحب السيادة ويمارسها بكل حرية للتعبير عن إرادته، تعاقد يشدد على فصل السلط وتمتيع كل واحدة منها بصلاحياتها، ويضمن المساواة بين الجنسين ويمنع التمييز المجالي واللغوي أو بسبب اللون أو الوضع الاجتماعي، و يستوطن حقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها، ودون أية انتقائية أو تجزيئ وتحفظ أو تأويل في غير مقاصدها في التشريعات ويقر بسموها ويعمل أساسا على احترامها، تعاقد يكون نتاجا لعملية ديمقراطية شكلا ومضمونا لفتح المسار لبناء الديمقراطية الشاملة كآلية لممارسة السلطة الخاضعة للمحاسبة الشعبية، لأنه بدونها وبدون احترام حقوق الإنسان، لا يمكن بناء دولة المؤسسات والحق والقانون، ومجتمع الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، فالديمقراطية الحقة في كل ابعادها وكما هو مؤسس لها في النظم والأعراف والمواثيق الدولية، شرط أساسي للتنمية والتطور. وهذا ما يغيب عن برامج جل الأحزاب.

 

- عمر اربيب، فاعل حقوقي