قراقي: قطع الجزائر لعلاقتها مع المغرب تحكمت فيه 7عقد تاريخية لكابرانات فرنسا

قراقي: قطع الجزائر لعلاقتها مع المغرب تحكمت فيه 7عقد تاريخية لكابرانات فرنسا عبد العزيز قراقي
يفكك عبد العزيز قراقي، نائب العميد المكلف بالتعاون والبحث العلمي والشراكة بكلية العلوم القانونية بجامعة الرباط، قرار الرئيس الجزائري الذي تلاه، رمطان لعمارة، وزير خارجيته، والقاضي بقطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب، في سبع نقاط:
 
كان من الممكن ألا أعير أي اهتمام لمبادرة السلطة السياسية في الجزائر، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، لأن ذلك يعتبر عملا سياديا تقوم به الدولة وليست ملزمة بتقديم الحساب أو شرح مبررات اتخاذ القرار لأي أحد، غير أن التفسير الذي قدمه وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، استوقفني كثيرا، وبعد تردد قررت أن أبدي الملاحظات التالية:
أولا: إن البيان الذي تلاه الوزير هو باسم رئيس الجمهورية، وهو بمثابة رد على مضامين خطاب العرش، الذي وصفه الكثير من المتخصصين باليد الممدودة نحو الجزائر، ورد أيضا على رسالة التعزية التي وجهها الملك للرئيس الجزائري، جراء وقوع عدد من الضحايا بسبب الحرائق التي شهدتها بعض المناطق في الجزائر، مثلما يحدث في كل صيف بعدد من الدول في الفضاء المتوسطي.
ثانيا: أكد البيان بنوع من اليقين على أن السلطة السياسية في الجزائر تعتبر المغرب عدوا أبديا، وتقدم قراءة خاصة للتاريخ؛ لكي تعزز هذه الرؤية، غير أن ما لم يقل يستدعي التوقف عنده، ولعل التاريخ الذي تقرأه السلطة السياسية هناك بشكل برغماتي لتعضيد موقفها، له قراءة أخرى يمكن أن تساعد على فهم هذه العداوة التي تحولت إلى نوع من الفوبيا، ذلك أن فكرة الضباط الأحرار التي استلهمها الراحل جمال عبد الناصر من مصطفى أتاتورك، تحولت إلى مشروع ارتأى الكثير من المؤمنين به، بضرورة إسقاطه على كل الدول العربية، وهو الأمر الذي نجح في جر عدد من الدول إلى عهد مظلم من الاستبداد، تراجعت فيه قيم الحرية والمساواة وغابت عنه التعددية، وفرض فيه على الحناجر ترديد شعارات تمجد الدولة الشمولية، ولعل شعار " من تحزب خان " الذي كان يردده الكثير من الليبيين إبان حكم الراحل معمر قدافي، دليل ومثال على ما كان يوجد في البلدان التي شهدت انقلابات عسكرية، حلم أصحابها باستنبات مشروع أتاتورك في أوطانهم. لقد رفض الراحل هواري بومدين أن يكون المغرب مختلفا في كل شيء، وشكل ذلك عقدة أساسية لديه، وسعى عبر كل الوسائل من أجل تغيير نظام الحكم في المملكة المغربية، غير آبه باختيارات الشعب المغربي ولا بخصوصياته، إلى الحد الذي جعله يقفز على مشروع كانت إسبانيا تنوي إقامته في الصحراء المغربية، مستغلة وموظفة في ذلك أدبيات الأمم المتحدة التي أفرزها مناخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ودونما مراعاة لا للتاريخ ولا لحسن الجوار ولا للأخوة... أغدقت السلطة السياسية في الجزائر على مؤسسي البوليزاريو العطاء ووهبتهم أرضا جزائرية أرغم الكثير من الصحراويين الآمنين على التنقل إليها، تارة بالعنف، وتارة باللجوء إلى نقل الأطفال إلى هناك من أجل إرغام أسرهم على اللحاق بهم فيما بعد، وحولت مشروع الشباب الصحراوي الذي كان بمثابة امتداد لمشروع جيش التحرير المغربي الرامي إلى ضرورة استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية، إلى مشروع انفصالي وظفت من أجل تحقيقه ثروات الشعب الجزائري وأراضيه.
ثالثا: ذكر البيان بسنة 1963 التي شهدت ما سمي بحرب الرمال، وهذا يفيد أن رؤية السلطة الجزائرية لازالت تحكمها هذه اللحظة التاريخية، ويؤكد بالفعل أن القرار السياسي بالجزائر يحكمه المنطق العسكري، ذلك أن الجيش في كل دول العالم كسائر المؤسسات له ذاكرة يسجل فيها كل المحطات التي مر منها، وما يميز ذاكرة الجيوش هو أنها تحتفظ بذكرى الحروب التي سبق أن خاضتها، فبقدر ما تنتشي بالانتصارات، تسكنها رغبة عارمة في التخلص من تاريخ الهزائم، وهذا الأمر يغذي رغبة دائمة ومستمرة في الثأر ويجعل خوض الحرب من أجل محو آثار ما سبق واردة، بل قد تتحول إلى عقيدة تسكن الجيش، وتدفع قيادييه إلى التعبئة المستمرة حول ذلك، ولعل من يقرأ تاريخ الحروب سيفهم هذا، وسيعرف كيف أن الحرب العالمية الأولى، مهدت منذ مؤتمر فرساي إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، التي أدت الإنسانية ثمنها باهظا، وأسكتت صوت الجيوش في أوروبا إلى الأبد، وحكمت عليها بضرورة الابتعاد عن السياسة، وترك ذلك لحكمة رجال الدولة القادرين على بناء مستقبل تخلص من أحلام الجيوش المتعطشة للمعارك، ولبناء مجد القيادات العسكرية على حساب الشعوب وسعادتها، ولست في حاجة إلى التأكيد والتذكير بمغامرة أمغالا الأولى وما نتج عنها، حفاظا على ما يجمعني من علاقات أخوية طيبة بعدد من أهل العلم من أبناء الشعب الجزائري الشقيق.
رابعا: وما دمنا نتحدث عن التاريخ الذي أراد البيان أن يستلهم منه قوته هل نسيت السلطة السياسية في الجزائر يوم فرقت بين الأسر وفصلت الأم عن أولادها، والزوج عن زوجته، وطردت الآلاف من المغاربة دونما ذنب أو خطأ؟ والمناسبة كانت عيد الأضحى، أيمكن أن تصل الكراهية إزاء هذا الشعب الذي آوى ثوار الجزائر، واقتسم معهم الغالي والنفيس، واختلطت دماؤه بدمائهم إلى هذا الحد؟ ولتسأل السلطة السياسية الجزائرية نفسها بشكل جماعي أو فردي، لماذا تعادي المغرب؟ ماذا أخذ منها؟ هل انتزع منها أرضا؟ أو سلب منها حقا؟ هل تخندق يوما في خندق أعدائها؟ منذ السبعينيات والسلطة السياسية الجزائرية ترفع في وجه المغرب مسألة تقرير المصير كلما طرحت مسألة الصحراء المغربية، كان ذلك مؤلما للشعب المغربي برمته، ومع ذلك لم يخف المغرب قط هذا المصطلح، مع أن السلطة السياسية في الجزائر لم تترك فرصة ولا مجالا ولا مناسبة إلا واستغلت ذلك، فكيف يمكن أن تقبل بالأذى عندما يتعرض له غيرك، وتطلب من الآخرين النأي بك عنه؟ ولعل في ثقافتنا العربية التي تذكرنا أن صاحب بيت الزجاج عليه تجنب رمي الناس بالحجارة عبرة كبيرة لمن أراد لبوس الحكمة.
لقد غضبت السلطة السياسية في الجزائر من عمر هلال عندما قال كلاما شبيها بما ردده ويردده الكثير من السياسيين في الجزائر على مستوى كل المحافل الدولية، ومع ذلك فإن من قدم الإجابة على موقف المملكة حول ما طلبته الخارجية الجزائرية، هو خطاب العرش، حيث من الضروري لفهم ذلك العودة إلى الفصل 42 من الدستور المغربي الذي ورد فيه " الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة" وبالتالي فإذا كانت السلطة السياسية في الجزائر تنتظر ردا من وزارة الخارجية فإن المغرب أراد أن يكون رده منسجما مع مقتضيات الدستور بوصف الملك كرئيس للدولة يسهر على احترام تعهداتها، وفي ذلك تعظيم للشعب الجزائري، وتأكيد على حسن نوايا المملكة، فأن يخصص حيز من خطاب العرش الذي له قيمته الرمزية للجزائر، يفيد المكانة الرفيعة التي يتمتع بها هذا البلد والتزاما صريحا وواضحا وردا على طلب السلطة السياسية في الجزائر.
خامسا: غير خاف على أحد أن المملكة المغربية دولة ذات سيادة وأنها حرة في بناء علاقاتها الإقليمية والدولية، وفق ما تقتضيه مصالحها الوطنية، وإذا أغضب السلطة السياسية في الجزائر تصريح وزير دولة أخرى، فعليها أن توجه كلامها إليها، وأن تحتج وفق ما يسمح به القانون الدولي، و لكن عليها أن تفتح ذاكرة التاريخ وتتذكر اليوم الذي سمحت فيه لوزير الخارجية الإيراني، بزيارة جنود مغاربة أسرى رفقة ضباط سامين من الجيش الجزائري، وسعيه علنا للتأثير على قناعاتهم الوطنية، ولازال البعض منهم على قيد الحياة .
سادسا: أراد البيان أن يقحم المملكة المغربية في ما تعرضت له بعض المناطق في الجزائر من حرائق أودت بحياة مواطن جزائري بشكل بشع، و لعل السلطة السياسية هناك، تدرك أن هذا الأسلوب لا يتعامل به المغرب وليس من شيمه، وبقدر ما هو حريص على سيادته فإنه كذلك يريد أن تكون الجزائر بعيدة عن القلاقل وعن كل ما يتهدد استقرارها وأمنها، وما سبق للمغرب أن تدخل ولا آوى فارا من القانون فوق أراضيه، ولا يمكن أن يقبل المغاربة جميعهم أن يمس ضر مواطنا جزائريا كيفما كانت معتقداته أو أفكاره السياسية، لقد عاش بيننا جزائريون نعتز بأخوتهم، ولازال التاريخ المعاصر يذكر كيف أن الرئيس الجزائري السابق الراحل محمد بوضياف -رحمة الله عليه- كان يعيش بيننا يدير مشروعه التجاري في أمن وأمان، يدرك عمق الروابط التاريخية التي تجمع البلدين، ويتطلع إلى بناء غد مشرق للشعبين.
سابعا: تفرض الجغرافيا على الدول أحيانا أوضاعا غير مريحة، فتعمل جاهدة لتطويع ذلك عن طريق مد الجسور بين قمم الجبال، وشق الطرق السيارة الممتدة في كل مكان، وتحول قساوة التضاريس إلى فرص للتنمية والازدهار، وتخلق من كل صعوبة ما لا يعد ولا يحصى من الفرص الممكنة، لو بقيت الصين متوقفة عند لحظة الغزو الياباني هل كانت ستصبح على ما هي عليه اليوم، إن قراءة التاريخ تتطلب أيضا الاستماع إلى صوت الجغرافيا.