صبري: قرار الجزائر بقطع العلاقات تمهيد جدي لإعلان وشن الحرب على المغرب

صبري: قرار الجزائر بقطع العلاقات تمهيد جدي لإعلان وشن الحرب على المغرب صبري الحو
لم يكن القرار الانفرادي للجزائر بقطع العلاقات مع المغرب مفاجئا، بل إنه متوقع منذ لحظة بيان الرئاسة الجزائرية الذي اعقب انتهاء أعمال المجلس الأعلى الجزائري للأمن، الذي اتهم المغرب بدعم حركة المالك والرشاد التي تحملها الجزائر مسؤولية بإشعال النيران، اضافة الى اعادة تقييم العلاقات وتشديد مراقبة الحدود مع المغرب.
ويعتبر قرار قطع العلاقات تحصيل حاصل بالنظر الى تردي هذه العلاقات أصلا وبقائها في الحدود الدنيا ولم ترق يوما الى مستوى التطلعات بشكل تعكس ما ينبغي أن تكون عليه علاقات الجوار، فبالأحروى مراعاة صلات الهوية والعرق واللغات والتاريخ وغيرها من الروابط التي يجب أن توحد بدلا من التفرقة والقطع. قرار قطع العلاقات في نظر أدبيات وقواعد العلاقات الدولية والقانون الدولي هو تصرف غير ودي، الغاية منه عادك تسجيل احتجاج أو تقديم شكاية وتظلم لحمل الطرف الآخر على الاستجابة.
وإن النظر والتمعن في الأسباب المعتمدة من قبل الرئاسة الجزائرية والتي تلاها وزير خارجيتها في مؤتمر صحفي ركزت في ترتيبها بوضع حرب الرمال لسنة 1963 في المقدمة، وهذا يعطي الدليل أن الجزائر لا زالت تحتفظ بعقدة انهزامها في هذه الحرب، ولم تستطع التخلص من تبعاتها النفسية رغم مسؤوليتها في اعلان الحرب وشنها على المغرب.
الجزائر تتذرع بماض كانت سببا فيه من أجل انحصار الحاضر واعدام المستقبل.
كما أن باقي الأسباب المثارة من قبيل استقبال المغرب لوزير الخارجية الاسرائيلي وإطلاق الأخير لتهديد ضمني ضد الجزائر، تعتبر ذلك في حد ذاته تدخلا من الجزائر في شؤون المغرب الداخلية، بحيث انه محاولة للوصاية على المغرب وفرض توجه خاص يرضاها في سياسته الخارجية، وان الجزائر خرقت الالتزام الذي قطعته على نفسها بعدم التدخل في شؤون المغرب الداخلية وفقا للبند الأول من بيان 16 ماي 1988 الذي اشارت اليه في بيان الرئاسة بإعلان قطع العلاقات مع المغرب.
وللإشارة فان بيان الرغبة المشتركة المغربية والجزائرية لاستئناف العلاقات وتطبيعها وتطويرها أتى في مناخ عام وشامل بعد لقاء الحدود بين الملك الراحل الحسن الثاني مع الشاذلي بن جديد سنة 1987، ويسمى أيضا بلقاء الخيام، لكون اللقاء وأشغاله دارت جميعها في خيام نصبت على الحدود المشتركة بين البلدين.
وهو نفس المناخ الذي بموجبه وعلى إثره قبل المغرب الاستجابة لطلب خادم الحرمين الشريفين، ودول الأفريقية مجموعة المساعي الحميدة والأمم المتحدة بوقف إطلاق النار وتوقيعه مع الأخيرة، ومازال ملتزم به حتى الآن رغم تنصل الخصوم لنفس اتفاقهم مع الأمم المتحدة.
أما الأسباب الأخرى المشار اليها في بيان الرئاسة الجزائرية لقطع العلاقات والمشار اليها بدعم المغرب لحركتي الماك والرشاد التي تعتبرها الجزائر منظمتين ارهابيتين، وتتهمها مباشرة بإشعال الحرائق في ولايات تيزي وزو واصطيف وبجاية، وكذا اتهام المغرب باستعمال برنامج التجسس بيغاسوس للتجسس على مواطنين ومسؤولين جزائريين؛ كلها اتهامات مغرضة تفتقد الى الحجة ويعوزها الدليل وتفتقر الى البرهان، وترقى إلى درجة العدوان اللفظي ضد المغرب، وهو ما يجعل قرار قطع العلاقات بدون سند ولا أساس اتخذته الجزائر شططا وتعسفا في استعمال حقها و حريتها السيادية فقط.
ومع استمرار عرض وزير الخارجية الجزائري لشرح أسباب اتخاذ القرار وظروفه فانه انهار جوابا على اسئلة بعض الصحفيين مصرحا وأفصح عن الحقيقة المستترة خلف الأسباب المعلنة، وهي رفض وعدم قبول الجزائر بالقرارات الأحادية المتخذة من قبل المغرب، وضرورة العودة إلى ما قبل 13 فبراير من هذه السنة 2021، وهو بذلك يشير الى التاريخ الذي صادف تأمين المغرب لمنطقة الكركرات وتطهيرها من عناصر البوليساريو التي تعرقل حركة مرور الأشخاص والسلع والبضائع.
وبذلك أعدم المغرب كل آمال الجزائر وتطلعاتها وطموحاتها وجهودها في منفذ بحري على المحيط الأطلسي الذي كان يراودها من خلال سعيها لإقامة دولة البوليساريو تحت وصايتها وولايتها، او ما يسمى ب "الجمهورية العربية الصحراوية" التي كان الاعتراف بها من قبل الجزائر السبب لقطع العلاقات الأول بينهما بتاريخ 7مارس 1976.
وهي العلاقات التي لم يتم استئنافها الا في إطار مناخ الثقة الذي كان سائدا خلال سنتي 1987 الى غاية اكتوبر 1988 والتي تحدثنا عنها في الفقرة أعلاه، ولم يعمر هذا التحسن في تطبيع العلاقات طويلا، بحيث تغير كلية مع الغاء الجزائر لنتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الاسلامية للإنقاذ، وانقلب خطاب السلطة الجزائرية في مواجهة المغرب الى خطاب عدائي مع دخولها لعقد كامل من العنف والعنف المضاد.
ولم تقف شروط الجزائر التعجيزية لتطبيع العلاقات عند حد دعوتها ومطالبتها للمغرب بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه في الكركرات بل وضعت شرط آخر يفصح عن حقيقة قرارها الأحادي بقطع العلاقات بضرورة المغرب الدخول في مفاوضات مباشرة مع البوليساريو، ونسبة ذلك الطلب الى مجلس الأمن والسلم الافريقي.
وكأن الجزائر أصبحت جهازا تنفيذيا لهذا الجهاز التابع للاتحاد الأفريقي، والمحرم عليه الخوض في نزاع الصحراء تبعا لقرار لقمة الاتحاد الأفريقي في 17و 18 يونيو لسنة 2018، بعد أن جعل التداول الأفريقي في الملف حصر واحتكار للترويكا الأفريقية فقط وحسب ومحرم على باقي الأجهزة. وهذه هي الأسباب الحقيقية لقطع الجزائر للعلاقات الديبلوماسية مع المغرب.
فقد أدركت الجزائر أنها خسرت كل شيء كانت تسعى اليه خلف خلق واحتضان وعسكرة وتمويل والدفاع عن البوليساريو، وان المغرب قاب قوسين او أدني من الاشهاد الأممي بحل لنزاع الصحراء يضمن بقاء الاقليم ضمن اقليمه وتبقى تحت سيادته، وانه ماض ديبلوماسيا وسياسيا وقانونيا، وامميا، ودوليا وقاريا واقليميا وجهويا في دعم وتعزيز ذلك. ولم يبق للجزائر سوى العودة الى الحرب من أجل بعثرة هذه الأوراق المنظمة لصالح الحل المغربي.
ويبقى الرهان الآن على الجبهة الداخلية للمغرب لترتيبها وتحسيسها بدقة وحساسية المرحلة، مع أخذ الحيطة والحذر والتأهب الدائم واليقظ لقواته العسكرية، وتتبع خطوات المخطط العدائي الجزائري لاجهاضها في مهدها وفي معاقلها، فكل المؤشرات تدل أنها متجهة لتعكير جهود المغرب التنموية، و المس بمسار خياره الديمقراطي، الذي أحد رموزه نجاح العملية الانتخابية، يعول عليها المغرب ايضا من اجل مقاومة هذه التهديدات، وهو ما عبر عنه جلالة الملك في الفقرة الأولى من خطاب ثورة الملك والشعب.
أكيد فالعداء معلن...العدوان وشيك... وان قرار قطع العلاقات هو تصرف فير ودي الغاية منه الرجوع الى المربع الأول الذي يسوده الحرب والاقتتال، وما تذكير الجزائر لحرب الرمال ووضعها في مقدمة الأسباب ودعوة مجلس الأمن الجزائري لتشديد المراقبة في الحدود الغربية؛ المغربية الجزائرية لتبرير تحرك جيوشها، و تحريضها للتحرش بالجيوش والمدنيين المغاربة سوى أدلك على كون القرار قد اتخذ ، وان اعلان قطع العلاقات لا يخرج عن دائرة اعلان الحرب او التمهيد لذلك او شنها بدون اعلان، او اثارة هجوم عنوة ويستوي في ذلك الطريقة التي يم به التنفيذ.
 
صبري الحو، محامي بمكناس، وخبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.