هكذا تم استرجاع الداخلة برصاصتين تحذيريتين فقط.. 

هكذا تم استرجاع الداخلة برصاصتين تحذيريتين فقط..  صورة تظهر مجموعة من أعيان مدينة الداخلة أثناء زيارة العاهل المغربي الراحل لها سنة 1980
روى الوجيه الجيد الحسين أموسى تفاصيل "عملية بدر العسكرية" التي نفذها متطوعون صحراويون بالداخلة بتاريخ 11 غشت 1979 بهدف السيطرة على المدينة.. 
وهكذا تم تشكيل مجموعات كوموندس من المتطوعين الصحراويين المنتمين إلى إقليم وادي الذهب، على عجل من طرف المغرب برعاية ملكية رسمية، وبإشراف من الجنرال الدليمي شخصيا، تم تجميعها في ظرف لا يتجاوز الـ 24 ساعة عبر محورين، ضم الأول العديد من أبناء إقليم وادي الذهب من المقيمين في جزر الكناري- إسبانيا، الذين استقدموا عبر رحلة جوية إلى مدينة العيون، ومنها نُقِلوا مباشرة إلى القاعدة العسكرية بإنزكان- آكادير، ليلتحق بهم آخرن من المنتمين أيضا للإقليم والمقيمين في مدن داخل المغرب، قبل أن يتم تحضيرهم جميعا لتنفيذ العملية الأمنية الرامية للسيطرة على مدينة الداخلة، من خلال لقاءٍ جمعهم بمسؤولين سامين في الدولة المغربية، كان على رأسهم وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، ليتم تجهيزهم على عجل بعديد الأسلحة الخفيفة، وينقلوا عبر رحلة جوية عسكرية أخرى إلى الداخلة التي كانت ترابط فيها قوات مغربية في إطار اتفاقية الدفاع المشترك التي كانت تجمع المغرب بموريتانيا، ليشرعوا في تنفيذ المهام الموكلة إليهم عبر مجموعات متفرقة تستهدف جميع المنشآت الحيوية بالمدينة، في ما يبدو أنها محاولة لإرغام الجيش الموريتاني على تسليم الإقليم دون الاضطرار إلى الاصطدام العسكري المباشر معه من طرف المغرب.

 
 
أهمية الخطة الأمنية الرامية الى السيطرة على إقليم وادي الذهب، والحيلولة دون وقوعه لقمة سائغة في يد البوليساريو، تتمثل في أنها تظهر الاستعدادات الحثيثة التي عكف عليها المغرب، فما إن تبادر إلى علم الجهات الرسمية فحوى الإتفاق المبرم بين موريتانيا والبوليساريو والقاضي بتسلم الأخيرة الإقليم، حتى سارعت الأجهزة الأمنية المغربية إلى تجميع العديد من العناصر النوعية من أبناء وادي الذهب، والذين كانت تحافظ على علاقات وطيدة بهم منذ مدة يبدو أنها ليست بالقصيرة، بالرغم من التحالف الذي كان يجمعها آنذاك بموريتانيا. فضلا على أن هذه الخطة قد جنبت المغرب حرج الإعلان عن التنصل من اتفاقية الدفاع المشترك، والتي كانت تخول لقواته البقاء مرابطة ليس فقط في العديد من المواقع الاستراتيجية داخل إقليم وادي الذهب، ولكن حتى في داخل موريتانيا، وهو ما سيسهل عليها لاحقا إحكام سيطرتها النهائية على الإقليم، إلى جانب ردها للهجومات النوعية والحثيثة التي شنتها البوليساريو مباشرة.  
 
 
 
يحكي محمد فاضل الحسين أموسى الملقب بالجيد، أحد المشاركين في العملية التي أُطلق عليها اسم "عملية بدر"، وقائد مجموعة الكومندوس التي سيطرت على كل من مطار الداخلة وميناءها، يحكي تفاصيل استدعاءه قبل أقل من 24 ساعة من تنفيذ العملية، أي في صبيحة 10 غشت 1979، أثناء تواجده بمدينة لاس بالماس - جزر الكناري، ويوضح كيف تم تكليفه بتجميع عدد من أبناء مدينة الداخلة المقيمين في لاس بالماس، قبل أن يشدوا الرحال في نفس اليوم إلى مدينة العيون، ومنها إلى القاعدة العسكرية التابعة للجيش المغربي بإنزكان - أكادير عبر رحلة جوية عسكرية، حيث كان برفقته كل من محمد فاضل ولد السملالي الدليمي (عين لاحقا باشا بوزارة الداخلية)، عبد المولى ولد حمليل التيدرانيني، المختار ولد سيديا العمناوي، خطري ولد عمار أوبلا الحسني، المامي ولد ميشان الدليمي.. في حين انسحب آخرون، تفادى الحسين أموسى ذكر أسماءهم، حيث تذرعوا بارتباطاتهم بالدولة الاسبانية وحرصهم على الحفاظ على رواتب التقاعد لدى الجيش الإسباني التي يتقاضونها. 
يوضح الجيد الحسين أوموسى تفاصيل الاجتماع الذي عقد على عجل بقاعدة انزكان- أكادير عشية نفس اليوم الـ 10 من غشت 1979، بمعية مجموعة من المتطوعين الآخرين من المنتمين لإقليم وادي الذهب، والذي جمعهم بوفد رسمي هام مُحمَّلٍ برسالة موجهة إليهم من طرف العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، تحتوي تفاصيل المهمة الموكلة إليهم، وضم أسماء بارزة في الدولة المغربية حينها، وكان على رأسهم وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، إلى جانب قائد المنطقة العسكرية الجنوبية الكلونيل ماجور الدليمي، وقائد منطقة الزريكة العسكرية الكولونيل الغجدامي، مرفوقين بالعديد من القيادات العسكرية والأمنية...، بالإضافة إلى شخصيات صحراوية أخرى من بينها شقيق المتحدث السفير الدكتور براهيم الحسين أموسى، الغيلاني ولد المختار، رشيد دويهي، حمودي ولد بوحنانة، ومحمد سالم ولد الدخيل... كما كان إلى جانبهم بعض الأسماء الصحراوية من ذوي الأصول المنتمية إلى إقليم وادي الذهب، والذين انضموا للمجموعة المتطوعة في العملية الرامية إلى السيطرة على مدينة الداخلة، وقد كان من بينهم بحسب المتحدث كلا من الكولونيل  الشريف المختار الدليمي الذي تم تكليفه بتزعمها، محمد فاضل، عبد الله ومحمد لمين أبناء أهل الخطاط الدليميين، إلى جانب الكولينيل عبد الله ولد ونة، الكابيتان التومي الحسني، عثمان ولد حمين الدليمي، حمة ولد المختار الدليمي وخطيرة ولد كشبار الحسني.. فضلا عن الأخوين حسن والحسين واعليت الريفيين..
يقول الجيد أنهم بمجرد أن وضع السلاح بين أيديهم بقاعدة انزكان، سئلوا قبل مغادرتهم الى الداخلة من طرف الوفد الرسمي إن كانوا متأكدين من اعتزامهم المشاركة العملية الموكلة إليهم، ليتم تخييرهم بين الانخراط في تنفيذها مباشرة وبدون إضاعة أي وقت أو الانسحاب منها قبل فوات الأوان، محذرين إياهم من أنه لن يكون بإمكانهم التراجع بعدها، وهو ما حذا بالفعل بعناصر قليلة الى الاعتذار عن المشاركة نظرا لظروفهم الصحية، بحسب المتحدث الذي رفض ذكرهم بالإسم، ليتم تسليم البقية رشاشات خفيفة من نوع M16، مصحوبة بـ 300 رصاصة ومسدس لكل فرد، فضلا عن بعض القاذفات المحمولة على الكتف، والقنابل اليدوية (الرمانات)... 
يوضح المتحدث أنه ومباشرة بعد وصول المجموعة إلى مدينة الداخلة عبر رحلة جوية في طائرة عسكرية فجر 11 من غشت 1979، قادتهم إلى الثكنة العسكرية المغربية المرابطة فيها بموجب اتفاقية الدفاع المشترك التي كانت تجمع المغرب بموريتانيا، سينضم إليهم كل ابراهيم ولد حميدا ولد سيدي عمار الحسني، محمد ولد سيد ابراهيم الفيلالي، ووالد المتحدث الداه الحسين أوموسى البعمراني.. ليتوزعوا على مجموعات، تضم كلا منها عشرة أفراد، ثم تتوجه كل مجموعة على حدة متسللة إلى إحدى المنشآة الحيوية بالمدينة، حيث سيرأس الجيد الحسين أموسى المجموعة المكلفة بالسيطرة على المطار، فيروي في شهادته تفاصيل العملية، موضحا أنه وبمجرد وصولهم بمعية كل من محمد فاضل ولد الخطاط، الكابيتان التومي، محمد فاضل ولد السملالي، والعنصريين الريفيين حسن والحسين واعليت.. قاموا باقتحام إحدى البوابات الحديدية المخصصة لعمال المطار، ليتسللوا إلى برج المراقبة الجوية مباشرة، حيث أخلوا ثلاثة عناصر موريتانية من العاملين فيه، قبل أن يتوجهوا إلى الموقع المخصص للحراسات العسكرية، ويطلق الجيد نفسه رصاصتين تحذيريتين في الهواء، كانتا الرصاصتان الوحيدتان اللتان استخدمتا في العملية بحسب شهادته، أسفرتا عن سيطرة تامة على المنشأة، بعد انسحاب العناصر العسكرية الموريتانيا عبر البوابة الجنوبية للمطار، بحسب الجيد دائما، ما خول للكومندوس الصحراوي تسليم برج المراقبة للتقنيين التابعين للجيش المغربي الذين تكفلوا بتسييره لاحقا. 
ورغم انسحاب أحد رفاقه الذي رفض ذكر اسمه متأثرا بهول السلاح الثقيل الذي كان في حوزة العناصر العسكرية الموريتانية المرابطة في المطار، مقارنة مع تلأسلحة الخفيفة التي كانت في حوزة العناصر المتطوعة المحسوبة على المغرب، إلا أن نجاح المجموعة المكلفة بالسيطرة على المطار، دفع بقائدهم الشريف المختار الدليمي، إلى تكليف مجموعة الجيد الحسين أموسى بتأمين ميناء الداخلة البحري أيضا، وبالموازاة مع تأمين المجموعات الأخرى لبقية المنشآت، حيث سيختار المتحدث العناصر المرافقة له، ليتنقلوا مشيا على الأقدام من الثكنة العسكرية المخصصة للجيش المغربي إلى الميناء عبر الشاطئ، وهي العملية التي تكللت بالنجاح، بفضل تعاون العناصر الموريتانية المشرفة عليه، ما أفسح المجال بحسب المتحدث لأعضاء المجموعة السياسية المكلفين بالتفاوض مع السلطات الموريتانية بالمدينة لقاء الحاكم الموريتاني المتواجد في مركزها الإداري، حيث كان من بينهم كلا من محمد فاضل السملالي الدليمي، الداه ولد الحسين أموسى البعمراني محمد فاضل ولد الخطاط الدليمي، عبد الله ولد الخطاط الدليمي، محمد لوديكي الدليمي، والسفير الدكتور ابراهيم حسين أموسى البعمراني، والشريف ولد الشيخ ولد العروصي الدليمي. 
ممثل السلطات الموريتانية بالداخلة سيعرب للمجموعة المكلفة بالتفاوض معه عن نيته عدم الاصطدام مع الوفد معهم باعتبارهم يمثلون أهم الأسر في المدينة بحسب تعبيره، حيث طالبوه بتسليم مقره مباشرة، ما حذا به الى الاتصال بقيادته في المجلس العسكري الحاكم بموريتانيا، ليتلقى أوامر مباشرة من طرف محمد خونا ولد هيدالة شخصيا بتسليم المدينة والعمل على سحب كافة الآليات العسكرية عبر باخرة استأجرتها الحكومة الموريتانية لذات الغرض ستصل الى ميناء الداخلة في غضون أيام قليلة. 
وفي الأثناء ذاتها ستتدخل المجموعة التي يرأسها الجيد الحسين أموسى مرة أخرى بالمطار بحسب شهادته، بعد تلقيهم نداء من طرف التقنيين الذين تكفلوا بتسيير برج المراقبة، ليمنعوا 65 فردا من مجموعة من الأسر الصحراوية الذين كانوا ينوون المغادرة عبر طائرة عسكرية موريتانية من نوع إليوشن متوجهة إلى نواكشوط، على إثر "تعرضهم لدعاية مضللة تحذرهم من مغبة تدهور الوضع الأمني بالداخلة" بحسب المتحدث دائما، حيث طلبت المجموعة تفتيش الطائرة، وما إن قابلوا الركاب حتى تعرفوا بسهولة على أبناء المدينة وطلبوا منهم النزول من على متن الطائرة فورا.
 
 
يوضح الجيد الحسين أموسى في شهادة أيضا السياق الأمني والعسكري في المنطقة، مشيرا أنه وبالموازاة مع إحكام السيطرة على مدينة الداخلة من طرف المجموعات المتطوعة المحسوبة على المغرب، ستنشب معركة عسكرية ضارية في منطقة بيرأنزران على بعد حوالي 200 شرق مدينة الداخلة، ما بين الجيش المغربي وقوات عسكرية كبيرة تابعة البوليساريو، حيث صدت القوات المسلحة الملكية هجوما شنته الجبهة، بعد أن عمدت البوليساريو بحسب المتحدث إلى التحضير لإحدى أكبر العمليات العسكرية وجمعت معظم قواتها بالمنطقة بهدف السيطرة على مدينة الداخلة عقب توقيعها لاتفاق ينهي حربها مع موريتانيا برعاية جزائرية، يقضي بتسلمها لإقليم وادي الذهب. 
تفاصيل هامة تلك التي أماط الجيد الحسين أموسى اللثام عنها في شهادته الأخيرة، توضح ملابسات إحدى أكثر العمليات الأمنية النوعية أهمية وحساسية في تاريخ النزاع حول الصحراء الغربية، رغم تكلفتها التي تكاد تكون منعدمة من حيث الخسائر. كما توثق لذكاء ومرونة منقطعي النظير أبان عنهما مهندسوها. لكنها توضح أيضا أهمية الرهان على العنصر المحلي الذي يبدو أنه قلب الموازين العسكرية بعد أن كانت نقطة تفوق البوليساريو أول الأمر هي معرفة منتسبيها بالأرض وسكانها، كما ساهموا في تفادي وقوع أخطاء وانتهاكات حقوقية كتلك التي حدثت في مدينة العيون سنة 1975 في ظل أجواء الحرب التي كانت تخيم على المنطقة.