محمد بنطلحة الدكالي: حكام الجزائر يحرثون في البحر

محمد بنطلحة الدكالي: حكام الجزائر يحرثون في البحر محمد بنطلحة الدكالي
لقد كان المراقبون والملاحظون ومختلف الأطياف المجتمعية المغاربية، تنتظر ردا من حكام الجزائر يكون في مستوى المرحلة انتصارا لروابط التاريخ والدم التي تجمع ما بين الشعبين الشقيقين، بعدما وجه ملك البلاد خطابا تاريخيا بمناسبة الذكرى 22 لعيد العرش، والذي دعا من خلاله حكام الجزائر إلى طي صفحة الماضي والانفتاح على المستقبل المشترك، للعمل سويا دون شروط من اجل علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار. إلا أن الرئيس الجزائري ومن خلال لقاءه مع الصحافة الجزائرية يوم الأحد الماضي، قال أن بلاده لم تتلقى استجابة من المغرب بخصوص التوضيحات التي طالبتها من الرباط، حول ما قام به السفير المغربي في الأمم المتحدة، كما أفاد الرئيس الجزائري أن قضية الصحراء في يد الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار مشددا على أن الجزائر تلعب دور الملاحظ النزيه فقط.
هكذا نجد أن الرئيس الجزائري تحاشى التفاعل مع هاته الدعوة التي وجهها ملك البلاد، وحاول الهروب إلى الأمام مقدما العديد من التبريرات الواهية التي لا تصمد أمام الأمر الواقع. ونجد أن رد الرئيس الجزائري كان منتظرا، نظرا لطبيعة صناعة القرار في الجزائر والذي تتحكم فيه مؤسسة الجيش بشكل مطلق، حيث تغدو كل المؤسسات الأخرى عبارة عن منشات ديلية فاقدة للمبادرة والاستقلالية في اتخاذ القرار، وعبارة عن واجهة للاستهلاك الإعلامي في المحافل الدولية.
ونجد أن الحراك الشعبي لدى أشقائنا في الجزائر ينتفض لمواجهة هذا الواقع المفروض ولمواجهة الطغمة الحاكمة، من اجل العيش بكرامة في إطار دولة ديموقراطية حقيقية ومجتمع مدني فاعل ومؤثر في صناعة القرار، لقد تورط حكام الجزائر في تبني جبهة البوليساريو وبنو عليها رؤية جيوسياسية ميتافيزيقية. وراهنوا على زعامة إقليمية وهمية منتشين بعائدات البترول التي أهدرت في السراب، وحري بالذكر أن الميزانية السنوية المخصصة لجماعة البوليزاريو تفوق 800 مليون دولار، ناهيك عن شراء الأسلحة والذمم وجماعات الضغط وشراء الاعترافات، في الوقت الذي يدعون أنهم يقومون فقط بدور الملاحظ النزيه وأنهم ليسوا طرفا في النزاع ولا أطماع لهم في الإقليم.
والغريب في الأمر أنه بعد أحداث معبر الكركرات، أصبحت الجزائر تؤكد علانية وبدون خجل أن المسألة تمثل قضية سيادية للجزائر تتعلق بعمقها الأمني الاستراتيجي !
هكذا نجد أن حكام الجزائر والذين اتخذوا من عداوة المغرب عقيدة وإيديولوجية ثابتة تلقن حتى في المدارس والجامعات، لم يأبهوا قبل سنة 2008 حينما وجه الملك في خطابه للعرش نداء يدعوهم لفتح الحدود، وإقامة شراكة حقيقية بين البلدين، وتوجيه جهودهما للتنمية والتكامل بدل إهدارها في النزاعات. كما أنه في سنة 2018 دعا العاهل المغربي إلى إرساء آلية ثنائية للحوار المغربي الجزائري، ولكن لا حياة لمن تنادي.
ان البحث عن عدو خارجي بالنسبة لحكام الجزائري لن يكون حلا في المرحلة المقبلة، لأن العدو المفترض هو الفقر والغلاء وندرة المواد الاستهلاكية والبطالة انسداد الأفق وهدر ثروات الشعب الجزائري الشقيق الذي يعاني من نقص حاد في الماء ويعاني من رعب وقهر كبيرين جراء أزمة كورونا التي كشفت زيف ادعاء أكبر منظومة صحية بإفريقيا تضاهي اكبر بلدان العالم، حيث نفاذ الأدوية والأوكسجين، بل إن بلد البترودولار بات يستجدي المساعدات والإعانات من الدول والمنظمات الدولية بل نصبت خيام في كل أنحاء البلاد من أجل جمع تبرعات من الشعب المنهوك والمغلوب على أمره.
إن يد المغرب ما زالت ممدودة للسلام، لكنها لن تفرط في شبر من أراضيها وسيادتها ولها حق الرد بالمثل على كل التدخلات والاستفزازات وليعلم حكام الجزائر أنهم يحرثون في البحر.
 
محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش